Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دول القرن الأفريقي تواجه تركة الصراعات والحدود الاستعمارية

النزاعات المحلية داخل البلدان والتنافس الإقليمي لا يزالان مهيمنين على هذه المجتمعات

تعاني دول القرن الأفريقي من صراعات سياسية عميقة (غيتي)

تشير وقائع الأحداث التي مرت على منطقة القرن الأفريقي ضمن التنافس الغربي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وبعدها، إلى الظروف الجديدة التي انتقلت إليها المنطقة في حيثيات الأرض والحدود، والتأثير الثقافي الذي انعكس على السكان، فضلاً عن التنافس الإقليمي لدول المنطقة التي أخذت استقلالها من الاستعمار. 

الواقع الجديد أفضى إلى تحديات هي الأخرى جديدة، سواء في النزاعات المحلية داخل الدول أو على المستوى الإقليمي، فضلاً عن تحالفات وعلاقات مستحدثة مع القوى الدولية.

توصف منطقة القرن الأفريقي، بأنها أشد مناطق الصراعات سخونة في العلاقات الدولية، نظراً إلى عوامل كثيرة. فبلدان المنطقة تعاني صراعات سياسية عميقة، في إطار بيئة إقليمية تسودها تجاذبات الهوية وتناحر الأيديولوجيات، في حين تتنازع العرقيات على المستوى الداخلي.

ومنذ ما يقرب من قرن ونصف كانت منطقة القرن الأفريقي مسرحاً لصراعات القوى الدولية منذ أن نشأت الرغبة لدى بريطانيا في السيطرة على البحر الأحمر، في إطار خطتها لتأمين خطوط الإمداد بينها والهند، بعد افتتاح قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر، حيث تزامن ذلك مع المحاولات الدؤوبة للأسرة العلوية في مصر للسيطرة على مياه النيل ومنابعه في هضبة الحبشة والبحيرات العظمى في وسط القارة الأفريقية.

خلافات الاستعمار

بعد رحيل الاستعمار الحديث عن القرن الأفريقي، ظلت التحديات تواجه دوله جراء توريثها مشكلات عالقة في الحدود، أدت إلى تنافس وعدم اعتراف. فهناك مشكلة الأوغادين بين الصومال وإثيوبيا، التي تسببت في نشوب حربين عامي 1977 و1978. وكذلك الخلاف الصومالي الكيني على الحدود البحرية على منطقة غنية بحقول النفط والغاز، وتبلغ مساحتها نحو 142 ألف كيلو متر مربع. وبدأت الأزمة عام 1979، عندما أعلن الرئيس الكيني الأسبق دانييل موي تبعية المنطقة البحرية لكينيا، وفي عام 2009 قام البلدان بتوقيع مذكرة تفاهم، إلا أن البرلمان الصومالي نقضها عام 2011، معتبراً أنها "أداة كينية لنهب مناطق بحرية صومالية"، و"تستغل الضعف الذي ظل يعاني منه الصومال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك مشكلة حلايب بين السودان ومصر، والتنافس الإثيوبي الإريتري على الحدود، الذي فجر الحرب عام 1998، بسبب منطقة بادمبي قبل أن يحل السلام بين البلدين أخيراً. وكذلك، الخلافات البحرية بين إريتريا وجيبوتي، والخلاف الإريتري اليمني في السابق على جزر حنيش، التي آلت أخيراً إلى اليمن عبر حكم من المحكمة الدولية في لاهاي. والخلاف الحدودي بين السودان وجنوب السودان على منطقة أبيي الغنية بالنفط، بالإضافة إلى قضية مياه النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان. 

ولا يزال كثير من هذه القضايا عالقاً، ليمثل توتراً مستمراً في العلاقات بين دول المنطقة والتحالفات وفي انعكاسها على قضايا أخرى.

الجغرافية السكانية

يجمع القرن الأفريقي وفق التحديد الجغرافي والسياسي كثافة سكانية ذات هوية دينية موحدة بجامع الإسلام وثقافات متشابهة، تشكلها قبائل الأرمو والجالا في إثيوبيا، والصوماليين في الصومال، والإقليم الصومالي في إثيوبيا والأمهرا في إقليم وللو في شرق إثيوبيا، وإينفدي في كينيا، والعفر والعيساويين في جيبوتي وإريتريا، والبجة الموزعين بين إريتريا وشرق السودان، وغيرهم من الأجناس التي تضم نسباً متفاوتة من المسلمين، وقد شكلت هذه القبائل في الماضي ما عرف في التاريخ بممالك الطراز الإسلامي.

تُشير الدراسات إلى أن البُعد الحيوي المؤثر سياسياً وثقافياً على منطقة القرن الأفريقي، تشكله دول كمصر والسعودية واليمن ودول الخليج العربي.

البعد العربي للقرن الأفريقي

يمثل تداخل منطقة القرن الأفريقي مع المنطقة العربية عبر خليج عدن، وقربها من الجزيرة العربية ودول الخليج العربي، بعداً هاماً أعطى المنطقة زخمها في اهتمامات القوى الدولية، التي ظلت على مدار التاريخ مهتمة بها وذات نفوذ فيها. 

وترجع المصادر التاريخية تحديات القرن الأفريقي في بعدها الجغرافي العربي إلى زمن موغل في القدم، عندما كان الصراع في منطقة البحر الأحمر بين قوى الغرب، ممثلة بالإسكندر ثم روما وبيزنطة، الزاحفة إلى الشرق من جهة، وقوى الشرق الإيرانية من بارثيين وساسانيين من جهة أخرى. 

وفي التاريخ الحديث والمعاصر، بقي البحر الأحمر محوراً مهماً في الصراعات المحلية والدولية للسيطرة عليه. فكان في بداية القرن السادس عشر هدفاً لمشاريع البرتغال التجارية والاستعمارية. وفي أواخر القرن السابع عشر، أصبح محط أنظار نابليون مع مجيء الحملة الفرنسية عام 1798. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، وقع البحر الأحمر مباشرة تحت تأثير سياسات دول أوروبا الاستعمارية التوسعية، وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.

واقع الاستقرار

لا تزال منطقة القرن الأفريقي تبحث عن واقع جديد في ظروف الحراك السياسي والتنافس الإقليمي والاستهداف الدولي. ولا يتحقق لها واقع الاستقرار الذي يمثل غاية مرجوة إلا في ظل السلام المحلي لدول المنطقة، بعد إرساء الظرف السياسي المتصالح مع البيئات السكانية والقومية، ومن ثم الانتقال إلى إطار الدولة والتنمية والتعاون الإقليمي.

فالعالم عبر تجاربه التي عاشها في الماضي القريب والبعيد، يعمل كل يوم في سبيل تجديد وسائل تعايشه، من أجل سلام يرتكز على تعامل إنساني متسامح، في إطار تفاهم وتعاون وأهداف مشتركة تؤدي إلى تحقيق الاستقرار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير