Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص وطقوس ترويها المقامات الشعبية الفلسطينية

تنظم إلى هذه الاماكن جولات تعريفية وبعضهم يحتكمون عندها في مشاكلهم

مقام طاروجة في قرية اللبن الشرقية قرب نابلس (اندبندنت عربية)

"كنت صغيرة أخرج ليلاً مع الجارات والأقارب إلى شجرة شكلها غريب تقع على أحد جبال القرية، وأذكر أنهن كنّ يحملن ديكاً يضربنه، ومع كل صيحة ينشدن أهازيج طالبة للمطر"، تقول السبعينية فاطمة سعد، عن بعض الطقوس التي كان أهل قريتها يقومون بها لطلب الغيث، عبر التوجه لمقامات أو أماكن يعتقد أنها كانت لأولياء صالحين. 

وتذكر سعد بئراً قديمة في القرية، يؤمها الناس من أماكن عدة من أجل استخدام مياهها، لأن القصة تقول إن رجلاً صالحاً مرّ من هنا في فلسطين.

"طار وجاء"

أما الشاب واجد نوباني، وهو أحد المهتمين بالتراث، ويعمل على تنظيم جولات تعريفية وترفيهية في منطقته، فيروي عن جبل في قريته اللبن الشرقية، قرب نابلس، اسمه طاروجة. ويقول إن الناس كانوا يأتون للتبرك بمقام الشيخ الموجود هناك، وينذرون النذور مع القرابين، منها إضاءة الجبل إن هم حصلوا على مال أو أرض، أو رزقوا بطفل، أو تخلصوا من هم ألمّ بهم، أو يصطحبون أطفالهم المرضى طالبين شفاءهم. وتحكي القصة الشعبية أن الجبل سمي نسبة إلى ولي صالح طار نعشه بعد وفاته إلى الجبل، ومن هنا جاءت التسمية "طاروجة"، أي طار وجاء.

يضيف أن الناس كانو يقدسون هذه الأماكن وسيلة للتقرب لله، ويضعون الطعام داخل المقامات للولي وعائلته إن كانوا موجودين، أو قرب قبره أو مقامه إن وجد، وفي بعض الأحيان يذهبون للتحكيم في ما بينهم عند هذه الأماكن، أما النساء فيقمن بربط القماش الملون على أغصان بعض الشجر والدعاء والطلب.

ترميم مقام النبي موسى

في فلسطين، عدد كبير من المقامات والأضرحة، وربما من أشهرها مقام النبي موسى ما بين القدس وأريحا، وهو أحد المقامات الكبيرة التي أعيد ترميمها مرات، وتقام فيه حتى الآن طقوس احتفالية وإن كانت تغيرت مع الوقت. 

في السابق، كان المسلمون يأتون من الشمال والجنوب في الجمعة الثانية من أبريل (نيسان) ليجتمعوا في القدس ومن ثم يسيرون بطابع عسكري احتفالي إليه، ويقيمون الفعاليات ويستقبلون الزوار، دائماً على أهبة الاستعداد لأي هجوم عليهم، بخاصة أن بناءه تزامن مع الوجود الصليبي في بلاد الشام.

المقام للتدين أو الحرب

يرى الباحث بالتراث الشعبي الفلسطيني حمزة العقرباوي، أن بناء المقامات جاء إما للتعبد والتنسك وهو أمر مرتبط بالتقرب من الله، أو للتصدي لأي هجوم وعادة ما يكون على رؤوس الجبال، وقد تجلت بشكل كبير في العهدين الصلاحي والفاطمي، فبعضها استخدم لإعطاء الإشارات بالنار ليلاً وبالدخان نهاراً.

ويقول إن بعضها يرتبط بالتدين الشعبي والاعتقاد بأن هذه القبور تعود لأنبياء دفنوا هنا مثل النبي إبراهيم وزوجته وأولاده، وبعضها لعلماء ورجال صالحين، أو أشخاص يعتقد أنهم أنبياء وجدوا في مكان معين أو مروا من مكان معين، فالمقام بالنسبة إلى الناس ليس مبنى فحسب، بل قد يكون شجرة أو بئراً أو حتى كومة أحجار أو خربة ما.

لكل مقام طقوسه الخاصة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من خلال بحثه وتدوينه للطقوس التي كانت تمارس قربها، يوضح حمزة أن الناس كانوا يغطون قبور الأولياء بالقماش الأخضر، وينقشونها ويزينونها بالحنة، واضعين ممتلكاتهم في حماية الولي، عدا عن الاحتفالات، وطهور أبنائهم، والنذور للشفاء من المرض وعودة الغائبين، وينظمون خميس الأموات (التوجه إلى القبور وتقديم القرابين عليها)، وطلب المطر والزواج، وأحياناً كان يرتبط المقام أو المكان المقدس بمسجد قربه، أو بتسمية قرية مجاورة، مثل مقام النبي نون وقرية يانون قرب نابلس.

بدأت ثقافة التبرك بالمقامات بالتلاشي في العقود الأخيرة، وهُدم العديد منها بدعوى أن ما يقوم الناس به ليس من التدين بشيء وهو بدع قديمة، لكن على الرغم من ذلك تبقى قصص الأولياء الصالحين حاضرة في التراث الشعبي الفلسطيني في القصة أو الأغنية، وهناك الكثير من الأشخاص الذين عملوا على تدوينها في كتب تراثية، فبحسبه كان الناس يغنون لطلب المطر: 

يلا الغيث يا ربي

واسقي زرعنا الغربي

يلا الغيث يا معين

 واسقي زرع الفلاحين

أو لطلب الزواج: 

يا شيخنا العقرباوي جيتك أنا زايرة

كل البنات تزوجن وضليت أنا دايرة (أي بلا زواج).

إعادة استخدام أو إهمال وهدم

حالياً، تواجه المقامات مصيرين إما إصلاحها واستغلالها لهدف آخر، كما حصل مع مقام سيدي شيبان في محافظة رام الله والبيرة، الذي تحوّل إلى تكية في رمضان لصنع الطعام وتوزيعه على الفقراء. لكن لهذا المكان أكثر من قصة، وإحداها تروي أنه كان محل عبادة لرجل متصوف، وأخرى، إنه كان مقاتلاً مع صلاح الدين الأيوبي، وتوفي فيه.

أما المصير الآخر، فهو تعرضها لخطر التدمير والنبش من قبل سارقي الآثار، أو تخريب الجدران وخط العبارات عليها.

بالنسبة إلى نوباني، فإن وجودها وإيمان الناس بقدرتها على تحقيق الدعاء وشفاء المرضى، حفظَ الأبنية القديمة ومحيطها من أشجار ونباتات وتربة من التدخل البشري، وبالتالي استغلالها بدل تدميرها.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات