وعد الرئيس المنتخب جو بايدن بالتحرك سريعاً للانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران طالما عادت إلى الامتثال. لكن قطع العهد أسهل من فعله حيث تقول صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه على الرغم من أن تعهد بايدن قد أسعد الموقعين الآخرين على الصفقة، الذين كانوا غاضبين من انسحاب الرئيس ترمب منها قبل عامين، فإن العودة إلى الطريقة التي كانت تسير عليها الأمور قد تكون مستحيلة، بسبب السياسة الإيرانية والأميركية.
وحتى "لو كان الرئيس ترمب، بطة عرجاء، يتحرك بسرعة لزيادة العقوبات الأميركية ضد إيران وبيع أسلحة متطورة لأعدائها، فإن السياسات الأميركية تجاه إيران يصعب على رئيس جديد التراجع عنها".
في الأسبوع الماضي، طلب ترمب من مستشاريه الحصول على خيارات لشن ضربة عسكرية ضد إيران، لكن يبدو أنه تم استبعاد الأمر، حيث جادل مساعدوه بأن الهجوم يمكن أن يؤدي بسرعة إلى حرب أكبر.
ومن المتوقع أن تطالب إيران، حيث يواجه الرئيس حسن روحاني معارضة شديدة من المحافظين في الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو (حزيران) 2021، بثمن باهظ للعودة إلى الاتفاق، بما في ذلك الرفع الفوري للعقوبات التي فرضتها إدارة ترمب وتعويضات بمليارات الدولارات.
مخالفات إيران قد تقطع الطريق عليها
وتلك المطالب من غير المرجح أن يلبيها بايدن، بخاصة في ظل معارضة الكونغرس القوية. كما أن نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حاول أن يمرر إلى مستشاري بايدن عبر وسطاء إصرار طهران على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الإيراني من دون قيد أو شرط قبل استئناف أي محادثات، بحسب دبلوماسيين إيرانيين.
ويقول دبلوماسيون إن إيران ليست معنية بالتجميد المؤقت ولن تتوقف في الوقت نفسه عن تخصيب اليورانيوم أو تقليص مخزونها الضخم. وقالوا إن إيران ستعود إلى الامتثال الكامل للاتفاق عندما تفعل الولايات المتحدة ذلك. ولا يؤكد مستشارو بايدن تلقيهم أي رسائل من إيران ويقولون إنهم سيتعاملون مع القضية بعد التنصيب فقط.
وقالت "نيويورك تايمز" إن إيران لديها بعض النفوذ عندما تولى ترمب منصبه، حيث كان لدى إيران ما يقرب من 102 كيلوغرام، أو حوالي 225 رطلاً، من اليورانيوم المخصب، والذي كان إنتاجه محدوداً بموجب اتفاقية 2015. بعد انسحاب الولايات المتحدة، أعلنت إيران أنها لم تعد ملزمة بالاتفاق واستأنفت تخصيب اليورانيوم على مستويات أعلى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي فإن لدى إيران الآن أكثر من 2440 كيلوغراماً، وهو ما يزيد على ثمانية أضعاف الحد الذي حدده الاتفاق النووي لعام 2015. إن وقت "الاختراق" بالنسبة لإيران لصنع سلاح نووي - وهو طموح تنكره - أصبح الآن أقصر بكثير من عام.
وخلال الحملة، وصف بايدن قرار ترمب بالتخلي عن الصفقة بأنه "متهور"، وقال إنه انتهى بعزل الولايات المتحدة، وليس إيران. وكتب بايدن في مقال افتتاحي لشبكة "سي أن أن" في سبتمبر (أيلول) الماضي، "سأقدم لطهران طريقاً موثوقاً به للعودة إلى الدبلوماسية". إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعود للانضمام إلى الاتفاقية كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة.
وقبل أسبوع، بعد فوز بايدن، رحب روحاني بالمبادرة، واصفاً إياها بأنها "فرصة" للولايات المتحدة "للتعويض عن أخطائها السابقة والعودة إلى طريق الوفاء بالالتزامات الدولية".
إيران تريد تعويضاً عن خسائر بالمليارات
وقال روبرت أينهورن، مفاوض الحد من الأسلحة النووية في معهد بروكينغز، إن اختيار كلمة "تعويض" لم يكن عرضياً. وتقول إيران إنها تريد من واشنطن دفع مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها عندما سحب ترمب الولايات المتحدة من الصفقة الإيرانية في 2018 وأعاد فرض العقوبات التي كانت قد رفعتها.
منذ ذلك الحين، زاد ترمب من العقوبات. حملة الضغط القصوى هذه، كما وصفتها الإدارة، دمرت الاقتصاد الإيراني لكنها فشلت في دفع إيران إلى طاولة المفاوضات أو تقليص مشاركتها في العراق أو سوريا أو لبنان.
تحاول الإدارة الأميركية أيضاً الحد من دعم إيران لميليشياتها بالوكالة في المنطقة. من خلال بيع حلفائها في المنطقة أسلحة أكثر تطوراً ـ بما فيها تسريع بيع الطائرات المقاتلة F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة ـ حيث تنظر تلك البلدان إلى إيران على أنها عدو ولديها طموحاتها الإقليمية الخاصة.
يعتقد البعض أن ترمب سيتخذ المزيد من الإجراءات الحركية، بما في ذلك المزيد من التخريب والهجمات الإلكترونية على برامج إيران النووية أو الصاروخية أو حتى العمل العسكري.
من جهته قال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمؤيد منذ فترة طويلة لسياسة صارمة تجاه إيران، "لا أعتقد أن الإدارة انتهت من قضية إيران، أعتقد أن الناس سوف يجرون بقوة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ضد إيران، مع العلم أنه بعد يناير (كانون الثاني) قد تكون هناك سياسة مختلفة للغاية تجاه إيران".
وقال روبرت أينهورن، مفاوض الحد من الأسلحة النووية في معهد بروكينغز، إن المفاوضين الإيرانيين يعرفون أن الولايات المتحدة لن تقدم تعويضات مالية. "لكنهم قد يخوضون موقفاً تفاوضياً صعباً، لا سيما بالنظر إلى ديناميكيات انتخاباتهم المقبلة." وأشار إلى أن إيران لن تطالب فقط بإزالة العقوبات المتعلقة بالمجال النووي، ولكن أيضاً تلك المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي قد تجد إدارة بايدن صعوبة في القيام به سياسياً وفنياً.
منح إيران بعض عائداتها النفطية
وأضاف أينهورن أنه في حالة عدم العودة السريعة إلى الاتفاق النووي، يجب على الأطراف العمل نحو اتفاق مؤقت، تتراجع فيه إيران عن جزء ذي مغزى من تعزيزها النووي الحالي مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، لا سيما أن منح إيران الوصول إلى بعض عائداتها النفطية محظور الآن.
وقد ترحب إيران بمثل هذا الترتيب المؤقت إذا أعطى الاقتصاد دفعة سريعة، بخاصة قبل انتخابات منتصف يونيو المقبل، ولكن نظراً لتعقيدات انتقال السلطة الأميركية، مع تباطؤ متطلبات التصاريح الأمنية وتقييد مجلس الشيوخ بسبب رفض ترمب الاعتراف بالهزيمة والتعاون مع بايدن، فقد لا يتسلم كبار المسؤولين مناصبهم قريباً.
وتقول الصحيفة إنه على الرغم من حملة الضغط التي شنها ترمب، فإن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، أبقى الباب مفتوحاً أمام عودة أميركية، رافضاً التخلي تماماً عن الصفقة النووية، كما قال إيلي كرانمايه، الخبير الإيراني في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
الانتخابات الإيرانية ورسائل إلى بايدن
ويجادل الإيرانيون المعارضون للصفقة الأولية بأن الولايات المتحدة أثبتت أنه لا يمكن الوثوق بها، ورفضت إيران أي مفاوضات مع ترمب. لكن خامنئي، منح روحاني "الضوء الأخضر لإيصال هذه الرسائل إلى إدارة بايدن" حول رغبة إيران في عودة واشنطن إلى الصفقة، بحسب كيرانمايه، الذي أشار في الوقت نفسه إلى أن خصوم روحاني المتشددين "لن يسعدهم حصوله على هذا الفوز قبل الانتخابات في يونيو، وسوف يتطلعون إلى تشويش هذا الجهد لأن الجمهوريين سيحاولون التشويش على بايدن".
وأضاف كيرانمايه أنه يمكن لبايدن أن يرفع بسرعة عدداً من العقوبات المرتبطة بالأنشطة النووية الإيرانية، بما في ذلك الموافقة على المزيد من الإعفاءات التي تسمح لإيران ببيع النفط. يمكنه تخفيف القيود المفروضة على سفر المواطنين الإيرانيين، وزيادة التجارة الإنسانية من خلال تخفيف العوائق المصرفية ورفع العقوبات عن بعض المسؤولين الرئيسيين، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، المفاوض النووي الرئيسي.
أما العقوبات المفروضة ضمن فئة مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، مثل تلك المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، سيكون من الصعب إلغاؤها، خصوصاً أن العديد من الديمقراطيين يدعمونها أيضاً. لكنه قال إن إيران ستصر على أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني، المتهم بتمويل جماعات إرهابية محددة، حتى تتمكن من استخدام النظام المصرفي العالمي مرة أخرى.
إذا كان من الممكن إعادة صياغة الاتفاق الإيراني، فقد قالت إيران إنها منفتحة على المحادثات بشأن قضايا أخرى، لا سيما المخاوف الإقليمية بشأن العراق وسوريا، بيد أن إيران رفضت حتى الآن وضع برنامجها الصاروخي على الطاولة، والذي يخضع بالفعل لعقوبات منفصلة من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
المفتاح، كما هي الحال مع جميع السياسات الرئيسية في إيران، هو آية الله خامنئي، والذي يعتبر أميركا بلداً محكوماً عليه بالفشل في "تدهور سياسي ومدني وأخلاقي". لقد وافق على الاتفاق النووي لأنه وعد بمنافع اقتصادية كبيرة من رفع العقوبات، ويبدو الآن أنه ينظر إلى شكوكه بشأن الولايات المتحدة والتي أكدها انسحاب ترمب من الاتفاقية. لكن مع التغيير في القيادة الأميركية، فإنه قد يرى مرة أخرى إمكانية تخفيف القيود الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة مجدداً.
ويعتقد كريم سجادبور من مؤسسة كارنيغي، أنه "على الرغم من غطرسة خامنئي، فإن رئاسة بايدن تمثل فرصة وتحدياً لطهران". أضاف "الفرصة هي فرصة لتحسين اقتصاد البلاد المحتضر. ويكمن التحدي في أن طهران لن تكون قادرة بعد الآن على استخدام الرئيس دونالد ترمب بشكل فعال كذريعة أو إلهاء لقمعها الداخلي وإخفاقاتها الاقتصادية وعدوانها الإقليمي".