هناك عديد من النقاط يتم تجاهله عند الحديث عن الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، قصداً، أو جهلاً، من قبل صانعي القرار الداعمين لهما، أو من أنصار البيئة. والبحث فيها يقود إلى ثلاث نتائج؛ الأولى، أن موضوع "التغير المناخي" والعداء للنفط والغاز "معتقد" أو "دين" لدى البعض، وبالتالي فإن أي انتقاد له يقابل بهجوم شديد، وأحياناً بسيل من الشتائم والاتهامات بالعمالة لشركات النفط الكبرى. وهذا يعني أن ليس هناك حوار جدي في هذا الشأن. الثانية، أن هناك جهلاً شديداً في الموضوع، تنتج منه معلومات خاطئة ومبالغات. والثالثة، هناك تجاهل تام لما قد يحدث عند انتهاء العمر الافتراضي لمشاريع الطاقة المتجددة وبطاريات السيارات الكهربائية.
سأستعرض بعض النقاط المتعلقة بذلك، بعضها مكرر، يحتاج إلى تكرار دائم لأهميته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أولاً: الطاقة المتجددة، متمثلة بشكل رئيس بالطاقة الشمسية والرياح، ليست بديلاً عن النفط في الدول المتقدمة والصين والهند. وتستخدم في توليد الكهرباء. متوسط نسبة الكهرباء المولدة من النفط في هذه الدول أقل من 2 في المئة، وهي أقل من ذلك بكثير في دول مثل فرنسا والهند. لهذا، فإن القول إنها تحل محل النفط غير صحيح في هذه البلاد، لكنه صحيح في أخرى.
فإذا شاهدتم مسؤولاً أو "خبيراً" أوروبياً يتنمر ويقول إن بلاده تركز على الطاقة الشمسية للتخلص من النفط الملوث للبيئة وإنهاء الحروب النفطية التي كلفت عشرات الآلاف من الأرواح ومئات المليارات من الدولارات، فاعرفوا أنه كذاب مُفترٍ أشر!
إلا أن نسبة استخدام البلاد الأخرى النامية من النفط في توليد الكهرباء عالية. وإذا تم استخدام الطاقة المتجددة فإنه سيخفض فاتورة الاستيراد العالية، ولكن نسبة استخدام هذه البلاد من النفط مقارنة بمجموع استهلاك الدول الصناعية والصين والهند منخفضة بكل المقاييس، إضافة إلى أن هذه البلاد تنمو بسرعة، وينمو معها استهلاك الطاقة والنفط، وبالتالي فإن الأثر النهائي في استهلاك النفط إيجابي. وتؤيد ذلك التوقعات الطويلة المدى من وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ثانياً: كل ما يسمى "الوقود الحيوي"، الذي يعده أنصار حماية البيئة صديقاً للبيئة، هو في الحقيقة عدّو لها. شجعت البرازيل صناعة الإيثانول من قصب السكر لاستخدامه بديلاً من البنزين الذي يستخرج من النفط. وأنشأت صناعة سيارات تعتمد عليه أو على الوقود المزدوج الذي يُخلط فيه الإيثانول بالبنزين بنسبة كبيرة. وكانت النتيجة إحراق الناس أجزاءً من غابات الأمازون، التي تعد الآن رئة الكرة الأرضية، لزراعة قصب السكر. ودخان الحرائق وحده كافٍ لتعويض كل منافع استخدام الإيثانول. لذا تصبح المنفعة البيئية سالبة عندما نحسب أنهم تخلصوا من أشجار عمرها مئات السنين تمتص ثاني أكسيد الكربون.
وألغت الولايات المتحدة مادة "أم تي بي إي" النفطية التي كانت تمزج مع البنزين لأسباب بيئية، وأحلّت محلها الإيثانول المستخرج من الذرة. ثم قام السياسيون، إرضاء للمزارعين، بزيادة نسبة الإيثانول المطلوبة بحجة حماية البيئة. المشكلة أن الدعم الحكومي هذا أدى إلى تحول المزارعين إلى زارعة الذرة على حساب المحاصيل الأخرى، فارتفعت أسعار المواد الغذائية. وفي محاولة لزيادة إنتاجية الحقول، استخدم المزارعون كميات إضافية من السماد، الذي يأتي من النفط!
تؤدي عملية إنتاج السماد إلى انبعاثات عدة مضرة بالبيئة. والمشكلة الأخرى أن كمية الطاقة في الإيثانول أقل من البنزين، وبالتالي، مع زيادة نسبته تحتاج السيارات إلى كميات أكبر للمسافة نفسها.
ثالثاً: التحول إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية لم يكن مبنياً على دوافع اقتصادية على الإطلاق، بل على سياسات حكومية مكلفة جداً قُدّمت من خلالها إعانات مغرية للمستثمر والمنتج والمستهلك. فأسعار الغاز كانت منخفضة في السنوات الماضية، وبالتالي، ليس هناك أي حافز اقتصادي للتحول إلى مصدر آخر. كما أن أسعار البنزين كانت منخفضة بشكل ملحوظ عن مستوياتها التاريخية. بعبارة أخرى، لم تُشترَ السيارة الكهربائية بهدف التوفير. المثير في الأمر أن كثيرين في النرويج اشتروها كسيارة ثانية. يكفي هنا أن نذكر أن سعر سيارة تسلا في النرويج هو نصف مثيلاتها من التي تعمل على البنزين! والحقيقة أن السيارات الكهربائية من المنتجات القليلة التي تقوم الحكومات لأجلها بدعم المنتج والمستهلك في الوقت نفسه! خلاصة القول إن كل ما نراه من نموٍ، مدفوعٌ بإعانات. وإذا توقفت هذه الإعانات توقف النمو! والحقيقة أن الكهربائية خيار الأغنياء، لذا إن جدواها لا يلعب دوراً في قرار الشراء.
رابعاً: تعبير "الطاقة المتجددة" غير صحيح. فأشعة الشمس متجددة، والرياح متجددة، لكن مشاريع الطاقة الشمسية والرياح ليست متجددة، إذ إنها ذات عمر افتراضي تتوقف بعده. وإعادة الأرض إلى ما كانت عليه، أو إعادة الاستثمار تكون بتجديد هذه المشاريع.
الغريب في الأمر أن وكالة الطاقة الدولية تقدر أننا نحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات للاستثمار في الطاقة المتجددة لوقف التغير المناخي، إلا أنها لا تحسب تكاليف استبدال المشاريع الحالية في هذه المبالغ، ما يعني أنها خيالية بكل المقاييس.
يزعم أنصار الطاقة المتجددة أن تكاليف تفكيك المشروع وإعادة الأرض إلى ما كانت عليه مع انتهاء عمر الترخيص أو العمر الافتراضي له متضمن في التكاليف، لكن الملاحظ الآن أن الشركات تحوّل ملكية هذه المشاريع إلى أخرى فرعية عند اقتراب انتهاء عمرها الافتراضي، بعده، تعلن هذه الفرعية إفلاسها، وبالتالي لا يفكك المشروع ولا تعاد الأرض إلى ما كانت عليه كما ينص العقد.
لا يمكن مقارنة عقود الطاقة الشمسية ببعضها بعضاً، مهما بلغ الانخفاض في التكلفة. ففي الولايات المتحدة تدفع شركات الطاقة الشمسية والرياح لصاحب الأرض أجراً يصبح جزءاً من التكاليف. في بلاد عدة، لا يتم احتساب تكاليف الأرض أو المياه إذا ما أُنشئت عنفات الرياح في البحر. والغريب أن كل عقود النفط سواء في البر أو في البحر تتضمن ريعاً لصاحب الأرض أو المياه، سواء كان فرداً أو حكومة. وهناك مشاريع تتضمن تكلفة بناء الأبراج الكهربائية وخطوط التوصيل إلى الشبكة، وأخرى لا تنصّ على ذلك، فتتحملها شركات الكهرباء أو الحكومة.
خامساً: الدول التي تعاني أعلى أسعار كهرباء في العالم هي الأكثر تبنياً لما سموه "الطاقة الخضراء"! لماذا؟ أليس من المفروض أن تكاليفها منخفضة "جداً"؟
سادساً: تعبير "الطاقة الجديدة" غير صحيح. كل ما ينادى به الآن على أنه أمر جديد يجب تبنيه، ليس جديداً. فنسبة استخدام الطاقة المتجددة عبر العصور أكبر بكثير من الوقت الحالي، ويكفي أن نذكر أن السفن كانت تجوب بحار العالم مستخدمة طاقة الرياح! والملابس كلها كانت تجفف خارج البيت في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس! ما يسمى الطاقة الحرارية للأرض والينابيع الساخنة استخدمت على مر العصور. أما السيارات الكهربائية، فقد اكتشفت واستخدمت قبل محرك البنزين بعقود!
سابعاً: إذا كانت مادة سائلة سامة لها استخدامات صناعية مهمة في خزان فيه ثقب تخرج منه هذه المادة، فتلوث التربة والمياه الجوفية. هل نلغي هذه المادة، أم نصلح الخزان؟ في هذه الحالة، يقوم أنصار البيئة بالتخلي عنها بدلاً من إصلاح الخزان، مسببين مشاكل اقتصادية واجتماعية وبيئية. يذكرني ذلك بأحد أساتذتي الكرام من مصر الحبيبة أثناء محاضراته في الجامعة، إذ كان يقول "مش ضروري تكون فتاحة العلب عالكهربا".
الحقيقة أن "كهربة" كل شيء، ثم الهجوم على الوقود الأحفوري بحجة التغير المناخي، وضرورة تبني الطاقة المتجددة، هو تأكيد مثال الخزان المثقوب أعلاه. ما يجعلنا نتساءل: هل من الضروري أن تدخل الإلكترونيات في كل شيء، من الثلاجة إلى سخان الماء إلى غسالة الملابس، إلى مئات الحواسيب في السيارات؟ تصنيع رقائق الحواسيب "كثيف الطاقة"، ووجودها في سخان الشاي مثلاً، يزيد استهلاك الطاقة، وانبعاثات غازات الكربون، وغيرها، مع أن النتيجة الأصلية له هي تسخين الماء. باختصار، الإصرار على "كهربة" كل شيء وجعله "إلكترونياً" جزء كبير من المشكلة، وحماة البيئة يتجاهلونه.
ثامناً: تعتمد الحكومات الأوروبية ومثيلاتها في الولايات الأميركية بشكل كبير على ضرائب البنزين والديزل، التي ستخسرها إذا اعتمدت السيارات الكهربائية، ما يعني أنها تخسر مرتين، مرة بسبب تقديم الإعانات لزيادة عدد السيارات الكهربائية، ومرة لخسارة هذه الضرائب. لهذا، نرى الآن تحولاً في كثير منها لرفع ضرائب رسوم التسجيل على السيارات الكهربائية. ما يعني أنه إذا أوقفت الحكومات الإعانات لهذه السيارات، وفرضت ضرائب عليها، من دون أن تنخفض أسعارها بشكل كبير، فإن نموها سيكون سالباً في سنوات مقبلة.
تاسعاً: تحوّل شركات النفط إلى أخرى منتجة للطاقة المتجددة وتملك محطات شحن السيارات الكهربائية ليس ضمن "التحول الطاقي" الذي يفتخر به أنصار حماية البيئة، ولا يعتبر سلوكاً جديداً. فقد حاولت شركات النفط العالمية خلال 120 عاماً الماضية السيطرة على منافسيها ومصادر الطاقة المنافسة لها، أياً كان المصدر، وأياً كان البديل. وما تركيز الشركات الحالية على الطاقة المتجددة وشحن السيارات الكهربائية إلا استمرار لهذا السلوك القديم. وسيأتي اليوم الذي سينظر حماة البيئة إلى هذا الأمر على أنه مضاد لهم، وسينقلب فرحهم إلى ترح، وسيهاجمون هذه الشركات أكثر من غيرها. الحقيقة أن استثمار شركات النفط العالمية في الطاقة المتجددة، خصوصاً الشركات الأوروبية، أدى إلى انسحاب أخرى من الاستثمار في هذا القطاع. بعبارة تالية، هذه الاستثمارات كانت ستحصل في كل الحالات، إلا أن شركات النفط حولت الاستثمار من النفط إلى الطاقة المتجددة، وأجبرت الاستثمار الذي كان من المفروض أن يذهب إلى الطاقة المتجددة إلى الاستثمار في صناعات أخرى. هذا التصرف لا يخفض كفاءة رأس المال فحسب، بل ينذر بأزمة طاقة عالمية، خصوصاً أن كمية الطاقة المنتجة من كل دولار أقلّ، لو استثمر في النفط والغاز.
عاشراً وأخيراً: لا تغرّكم الأعداد الكبيرة للسيارات الكهربائية المعلن عنها، فهي تشمل كل ما يمكن أن يشبه سيارة، وبعضها في الحقيقة أشبه بالدراجة النارية أو الدراجة الثلاثية العجلات، وبالتالي، لن تحل محل "عربات" ذات كفاءة عالية في استخدام البنزين، وأثرها في الطلب على البنزين أقل مما يشاع، لكن هذا ليس المهم، فكثير منها حلّ محل سيارات وحافلات الغاز المضغوط، وبالتالي، حلّ محل الغاز، وليس النفط. وحتى يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته نحتاج إلى 700 مليون سيارة كهربائية "حقيقية" على الطرق. والعدد الآن أقل من 11 مليوناً! وعندها، يكون الطلب على النفط 100 مليون برميل، وهو المستوى ذاته في عام 2019.