Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيارات السودان في التعامل مع التيغراي بين المساومة والوساطة

التحركات المحتملة للخرطوم ستحدد ما إذا كان الصراع في إثيوبيا سيظل شأناً محلياً أم حريقاً إقليمياً

رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان(أ ف ب)

في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، شن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، هجوماً عسكرياً على قوات "جبهة تحرير شعب التيغراي"، وهي السلطة الحاكمة لإقليم تيغراي، الواقع في شمال إثيوبيا. وبعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين الطرفين، تم التعجيل بالعملية العسكرية الأخيرة رداً على "هجوم مزعوم شنته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على قاعدة رئيسة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية في الإقليم، أسفرت عن مقتل جنود من القوات الإثيوبية ومحاولة نهب المدفعية الثقيلة والأسلحة".

وعلى مدار نحو أسبوعين، شهدت المنطقة صراعاً عنيفاً؛ إذ كشفت الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، عن أنه من المحتمل أن تكون "جرائم حرب" قد ارتكبت في الوقت الذي تمتد فيه آثار الصراع إلى منطقة القرن الأفريقي. وحذرت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من احتمال خروج الوضع عن السيطرة. كما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أن نحو 25 ألف إثيوبي نزحوا إلى السودان فارين من العنف.

بداية التوترات

الإقليم الواقع في شمال إثيوبيا هو موطن "جبهة تحرير شعب تيغراي"، الحزب الذي هيمن على السياسة الإثيوبية لعقود، حيث هيمنت الجبهة عام 1991 على التحالف الذي أطاح النظام العسكري الماركسي وزعيمه منغستو هيلا مريام، الذي حكم إثيوبيا بقبضة حديدية طوال 30 عاماً، غير أنه منذ صعوده إلى السلطة في أبريل (نيسان) 2018، تتهم الجبهة حكومة آبي أحمد، الذي ينتمي لعرقية الأورومو، وهي أكبر جماعة عرقية في البلاد، بممارسة الاضطهاد الممنهج ضد التيغراي، كما يتهم التيغراي (الأقلية العرقية) التي تشكل ستة في المئة من السكان، آبي أحمد، بتهميشهم داخل التحالف الحاكم الذي انسحبت منه، وانتقلت إلى صفوف المعارضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، لطالما اتهم آبي أحمد الحرس القديم في "جبهة تحرير تيغراي" بالسعي إلى تخريب حكومته وإصلاحاته، خصوصاً بعد عقده اتفاق السلام مع إريتريا، العدو اللدود لـ"جبهة تحرير تيغراي".

وتصاعد التوتر منذ نظمت الجبهة انتخابات إقليمية في أغسطس (آب) فازت فيها بجميع المقاعد، بينما رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها في أكتوبر (تشرين الأول) باعتبارها مخالفة لقرار تأجيل كل الانتخابات في البلاد بسبب وباء كورونا المستجد. ورفضت الجبهة تمديد ولاية جميع الهيئات التي توشك على الانتهاء، بما فيها ولاية مجلس النواب ورئيس الحكومة.

خيارات السودان

يتطور الوضع بسرعة في ظل الغارات الجوية لقوات الحكومة المركزية على منشآت المدفعية المزعومة للتيغراي، وتركز كثير من القتال المبكر في غرب تيغراي بالقرب من السودان وإريتريا، جنباً إلى جنب مع ارتفاع عدد الإصابات والقتلى. وهذا المشهد المتصاعد ربما يفرض تساؤلات بشأن خيارات السودان في التعامل مع حرب أهلية داخل جارة، يتشابك لديها كثير من المصالح والمنازعات، حيث يختلف المراقبون بشأن الموقف السوداني بين توطيد رأس ماله السياسي في المنطقة، من خلال الوساطة بين الأطراف المتنازعة، أو استغلال الموقف للحصول على مكاسب خاصة في نزاعها مع إثيوبيا بشأن مثلث الفشقة، حيث تشترك إثيوبيا والسودان في حدود مشتركة تزيد على1600 كيلو متر، تم رسمها من خلال سلسلة من المعاهدات بين أديس أبابا والقوى الاستعمارية السابقة، وحتى الآن لم يتم ترسيم هذه الحدود بشكل واضح.

وفي حين أن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" حققت نجاحاً كبيراً الأسبوع الماضي في السيطرة على الأفراد والمعدات العسكرية والمعدات التي تحتفظ بها فرق القيادة الشمالية التابعة لقوة الدفاع الوطني الإثيوبي، فإن استمرار النجاح في حرب أهلية طويلة الأمد سيعتمد في النهاية على الدعم المقدم من السودان، بحسب محمد خير عمر، العضو السابق في جبهة التحرير الإريترية، والصحافي نزار مانيك، اللذين تحدثا في مقال بمجلة "فورين بوليسي" عن التحركات المحتملة للخرطوم باعتبارها ستحدد ما إذا كان الصراع في إثيوبيا سيظل شأناً محلياً أم حريقاً إقليمياً.

الفشقة

يقول المراقبون إنه بينما أغلق السودان رسمياً الحدود بين تيغراي والولايتين الحدوديتين، كسلا والقضارف، وهما الرابطان اللوجستيان الوحيدان اللذان تربطان تيغراي بالعالم الخارجي من حيث الوقود والذخيرة والغذاء، لكن ربما تستغل الخرطوم التلويح بدعم التيغراي لانتزاع امتيازات من أديس أبابا بشأن مثلث الفشقة المتنازع عليه.

والفشقة منطقة تبلغ مساحتها نحو 1600 كيلو متر من الأراضي الزراعية الرئيسة على طول حدودها مع ولاية أمهرة الإثيوبية، والتي يدعي السودان ملكيتها بموجب اتفاقية وقعت عام 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا في عهد الإمبراطور منليك الثاني، وعززها بعد ذلك قادة إثيوبيون كثيرون، بما في ذلك "جبهة تحرير شعب تيغراي"، المنطقة التي تقع أقصى شرقي السودان، وتُعد شبه جزيرة، حيث يحيطها نهرا العطبرة وسيتيت، وهي إحدى المحليات الخمس لولاية القضارف السودانية التي تضم مليوناً و250 ألف فدان، تتم زراعتها بمحاصيل ذات قيمة نقدية عالية، مثل السمسم والصمغ والحبوب الزيتية.

مخاطر محتملة

يرى عمر ومانيك أنه إذا قرر السودان دعم تيغراي، التي تقع على الحدود مع إريتريا، فمن المؤكد أن الحرب الأهلية ستصبح قضية مطولة، وقد تكون التداعيات الاستراتيجية في علاقات الخرطوم مع أديس أبابا وأسمرة كبيرة جداً. وفي الواقع، يمكن للمنطقة أن تعود بسرعة إلى حالة الصراع بالوكالة التي سبقت صعود آبي أحمد، وانهيار نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، أو التعجيل باندلاع حريق إقليمي أوسع.

ويضيف أنه إذا قام السودان بالاشتراط صراحة بنقل "الفشقة" رسمياً لسيادته في مقابل رفض تقديم الدعم اللوجستي لـ"جبهة تحرير شعب تيغراي"، فقد يكون ذلك قاتلاً لآبي أحمد، لكنها ستكون خطوة محفوفة بالمخاطر، فربما ينتقم رئيس الوزراء الإثيوبي من خلال دعم الجماعات المتمردة السودانية، وربما يدعم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مجموعات فرعية من قبائل "البجا" شرق السودان، أو يسعى لتجنيد شخصيات من المعارضة السودانية الساخطين، الذين كانوا يقيمون قبل ذلك في إريتريا في منتصف التسعينيات، وحتى عام 2006.

ومع ذلك يعتقد المراقبون أن التدفق الكبير للأسلحة والمقاتلين واللاجئين إلى المنطقة، يمكن أن يطلق العنان لتوترات جديدة كبيرة، ثبت بالفعل أن الحكومة الانتقالية السودانية غير مجهزة للتعامل معها، فضلاً عن أن الخرطوم تريد ضماناً بأن يكون لديها على الأقل الحد الأدنى من العلاقات مع جيرانها. وفي الوقت الحالي، ركزت تعليمات الخرطوم على عدم إغضاب أديس أبابا أو أسمرة، وهي رسالة تسللت إلى القوات المسلحة السودانية، التي انتشرت على حدودها مع إثيوبيا، بحسب ضابط عسكري سوداني كبير تحدث لـ"فورين بوليسي".

الوساطة

أفادت تقارير صحافية بأن رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، الذي عاش على مدار الـ20 عاماً الماضية في أديس أبابا، واستفاد في نقاط عديدة من الوساطة الإثيوبية خلال عملية الانتقال والسلام الداخلي المستمرة في السودان، قد تواصل مع نظيره آبيأحمد، وكذلك زعماء "جبهة تحرير شعب تيغراي" في عاصمتهم الإقليمية ميكيلي، لحثهم على توخي الحذر، وضبط النفس. وبالمثل، عرض القائد العسكري عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، التوسط لوقف إطلاق النار، وهو ما قوبل بالرفض.

ويقول كاميرون هدسون، الزميل لدى المجلس الأطلنطي للأبحاث في واشنطن، والذي عمل مديراً للشأن الأفريقي في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، إنه في حين لا يبدو أي من الطرفين المتحاربين منفتحاً على الوساطة الخارجية الرسمية في هذا الوقت، فإن السودان في وضع فريد للعب مثل هذا الدور في حالة ظهور فرصة.

ويضيف أنه بعد الإعلان الأخير عن رفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، والاستفادة من الدعم المتجدد من الدول التي وافقت على إعلان السودان الأخير عن التقارب مع إسرائيل، فإن رئيس الوزراء السوداني لديه بعض من رأس المال السياسي لإنفاقه. وبصفته الرئيس الحالي للهيئة الحكومية الدولية الإقليمية المعنية بالتنمية "إيغاد"، فإن حمدوك في وضع يمكنه من حشد موارد الوساطة وصنع السلام.

علاوة على ذلك، يرى هدسون أن السودان بصفته طرفاً في المفاوضات الجارية حول سد النهضة في إثيوبيا، وعضواً مهماً في تلك المحادثات بين مصر وإثيوبيا، فإن ذلك يجعل حمدوك بالفعل متمتعاً ببعض المصداقية في السعي لإيجاد أرضية مشتركة بشأن القضايا التي تضرب صميم مصالح الأمن القومي الإثيوبي.

المزيد من سياسة