Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفريقيا في عهد بايدن... وعود الانتخابات لا يعول عليها

التوقعات من نتائج الربط بين نظرة الرؤساء الأميركيين للسودان تبدو متناقضة

 لم تتراجع أهمية أفريقيا في سلم أولويات الإدارة الأميركية في مختلف عهودها، ولكنها عانت في بعض الأحيان ازدواجية وسمت تعاملها حتى داخل الإدارة الواحدة، سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية.

وحسب المؤشرات الراهنة، وزيادة التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية، يتوقع البعض تغييراً في السياسة الخارجية للرئيس المنتخب جو بايدن، ولكن التزامه سياسة سلفه دونالد ترمب في عدد من القضايا التي حظيت بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس من قبل، ستكون هي الفاصلة، وما عداها قد يكون مبنياً على تحولات موضوعية وجيوسياسية داخل أفريقيا التي من المرجح أن تكون في نهاية سلم الأولويات بعد اهتمامه بأوروبا وشرق آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

أوهام العودة إلى أفريقيا

أكثر ما يردده الأفارقة هذه الأيام هو أن دونالد ترمب لم تطأ قدماه القارة الأفريقية، كما يتذكرون، ما عدوه إهانة لهم بإقالته وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، خلال جولة أفريقية في مارس (آذار) 2018 إلى عدة دول هي إثيوبيا، وتشاد، وجيبوتي، وكينيا، ونيجيريا، كانت بغرض إصلاح وتطوير العلاقات الأميركية الأفريقية، ومناقشة قضايا مكافحة الإرهاب وتنمية السلام والحكم الرشيد والتنمية. 

ورشحت بعض التحليلات أن إقالة تيلرسون تعود إلى خلافات بينهما حول عدد من القضايا، منها الصفقة النووية مع إيران، وقضية كوريا الشمالية؛ إذ إن تيلرسون كان من المؤيدين لخوض مفاوضات مع كلا البلدين لازمت عدداً من الرؤساء في عهود الإدارة الأميركية، ومنها ما وعد به الرئيس السابق باراك أوباما من انتهاج سياسة خارجية واسعة النطاق تجاه أفريقيا، غير أن تدخله في الانتفاضات العربية عام 2011، وما لازمها من عدم استقرار أبعدتها عن أهدافها، وصم قادة الدول الكبرى الذين بدأوا دعمهم لهذه الثورات، ثم تركوها نهباً للفوضى بكثير من خيبة الأمل. 

وقد أفضت هذه السياسة عبر عهود الإدارة الأميركية التي اتخذت أشكالاً عدة بين التدخل واللامبالاة في سياقات مختلفة للتعاطي مع سياستها الخارجية، إلى ظهور توجه جديد لدى بعض المجتمعات الأفريقية التي تمسكت بكونها أرض الرقيق وفي حاجة لإبدال صورتهم من الانهزام والدونية بشكل عام ومما لصق بها داخل أميركا على وجه الخصوص، كما لعبت زيارة أوباما إلى "بيت العبيد" في جزيرة غوري بالسنغال الذي صنع من بوابته "باب اللاعودة" نصباً تذكارياً لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، دوراً في رفع سقف الطموحات بتغير العلاقة إلى الأفضل وانطلاقها إلى نحو ما عدوه انتصاراً. هذه الدلالة الرمزية وسعت من حلم أن تنال أفريقيا عدداً مقدراً من المبادرات السياسية، ولكن لم تتعد محطتها العاطفية إلى أرض أجداده، بل اتضح أن الاهتمام بها كان أقل من اهتمامه عملياً ببلدان أخرى في مناطق نامية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعميم أفريقي

ما وعد به الرئيس المنتخب جو بايدن في حملته الانتخابية شيء، وعندما يأتي الأمر إلى الواقعية السياسية فذلك شيء آخر. وهذا ليس حصراً عليه وحده، فأغلب رؤساء أميركا يأتون ببرامج تحمل في طياتها إحداث تحولات في السياسة الخارجية الأميركية، وإن عادت إلى فترة ما قبل ترمب فإنها ستحتفظ بالمفاهيم والمبادئ التقليدية الراسخة لدى الدبلوماسية الأميركية. 

وبينما شملت رؤى بايدن قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، وقضايا أخرى تم تعميمها تحت خطوط عريضة شملت مكافحة الإرهاب والتنمية ودعم الحريات وحقوق الإنسان، ودعم السلام مع إسرائيل؛ فإنه لم يكن هناك ما يخص أفريقيا تحديداً. وربما يعول كثيرون على خبرته التي اكتسبها أثناء رئاسته لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وأثناء توليه منصب نائب أوباما. وبمقارنة بين هذه الوعود الإنسانية، فإنها أشبه بــ"خطاب القاهرة" الذي وجهه أوباما يوم 4 يونيو (حزيران) 2009 إلى العالم الإسلامي، ولم يكن مخصصاً لأفريقيا، وصف وقتها بأنه "مملوء بالتعميمات، وذكي؛ كونه جاء في إطار بروتوكولي مجامـل للشعوب والحكومات معاً، لكنه خالٍ من الاقتراحات العملية والإجرائية"، ما يعني أن الأمل في علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وأفريقيا ربما سينتج عنها خيبة أمل بأكثر مما حدث في عهد أوباما؛ إذ لم تسفر رحلاته تلك سوى عن اهتمام محدود بالدبلوماسية والاستراتيجية الاقتصادية. وإذا كان لا بد من التغيير في السياسة الأميركية تجاه أفريقيا فإنها لن تشمل كل رؤى بايدن؛ لأن التغيير نفسه سيكون معمماً حتى ولو قام بايدن بزيارة إلى هناك.

قضايا قديمة بآليات حديثة

يتوقع أن ينحصر الاهتمام الأميركي في عهد بايدن في عدة محاور قائمة بالأساس، وهي استحداث آلية للتعامل مع الوجود الصيني في أفريقيا، وهذه باعتبارها تغييراً من تطويق الوجود الصيني، أو منافسته، لعدة أسباب، منها اكتفاء أميركا في مجال الطاقة. فقد كان أحد أسباب شنها حملة على الوجود الصيني في أفريقيا تأثيراته الجيوسياسية المباشرة على الإنتاج النفطي في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وخلال ولاية ترمب رسخت الصين من نفوذها في مجالات كثيرة على رأسها التبادلات التجارية بشكل هادئ، ومن دون تضييق من الولايات المتحدة.

أما في ليبيا، فإنه يتوقع تفعيل حلول للتوتر هناك ومعالجة آثاره السلبية الآنية والمستقبلية على أمن البحر الأبيض المتوسط، وسيكون ذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بعد جفاء خلقته الإدارة السابقة التي كانت تكتفي بالتحذير من التدخل العسكري، بينما وقفت الدول الأوروبية وحيدة في مواجهة روسيا وتركيا.
وإذا كان بايدن نفسه ملماً بالشؤون الأفريقية ضمن السياسة الخارجية في عهد أوباما، فإن إدارته قد لا تكون على المستوى ذاته، ولكن ترشح بعض التخمينات أنه ربما سيعين بعض المسؤولين السابقين عن شؤون القارة من أصول أفريقية.

وإذا تكفل بايدن عناء التعامل مع أفريقيا فسيكون عليه مواجهة تحدي التعامل مع كل جزء من أفريقيا على حدة؛ ذلك أنه سيعود إلى الفترة التي دعم فيها أوباما دول شمال أفريقيا نظرياً، التي تشكلت في المخيلة الغربية بعد أحداث 2011 كشعوب ناهضة وفي طريقها إلى أن تتشارك مع أميركا القيم الديمقراطية. بينما ستتعامل مع دول القرن الأفريقي من واقع قبوع المنطقة تحت توترات عديدة ومتجددة بين الصراعات الإثنية والتطرف، وعليه أن يواجه أيضاً في أفريقيا جنوب الصحراء مزيجاً من الاضطرابات تتمدد أفقياً من وسط وغرب أفريقيا، ويمكن أن تعتمد إدارته في التعامل مع هاتين المنطقتين على المنظمات الدولية والإقليمية من دون تدخل مباشر.

تفعيل القرار حول السودان

أما بالنسبة للسودان فإن بايدن سيتعامل مع دولتين بعد انفصالهما؛ الأولى دولة الجنوب التي نالت استقلالها عام 2011، وتبحث الآن عن وجودها كدولة حديثة؛ بسبب الاضطرابات والمجاعة والمعارك القبلية المستمرة. والثانية على أعتاب حكم ديمقراطي بعد نظام ديكتاتوري تسبب في أزمة اقتصادية كبيرة. كما أن التوقعات من نتائج الربط تبدو مزدوجة، وربما متناقضة، وهي أن الإدارة التي وضعت اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1993 هي إدارة ديمقراطية تولاها بيل كلينتون، ولم تفلح أي إدارة بعدها في إزالته أو تخفيفه؛ لمكوث السودان تحت نظام الإنقاذ ثلاثة عقود. وصادف الخروج من دائرة حكم الإسلاميين وما تبعه من عمليات ارتكبت باسم السودان، عهد ولاية جمهورية، إذ أصدر الرئيس ترمب الأمر التنفيذي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، الذي ينتظر السودانيون من بايدن تفعيله، ومنح بلادهم حصانة من ملاحقات مستقبلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل