في خضم الحملات الانتخابية المثقلة ببعض أخطر قضايا الشرق الأوسط، انطلاقاً من خطر اندلاع حرب جديدة مع غزة ووصولاً إلى احتلال مرتفعات الجولان، برزت الماريجوانا مسألة من الأكثر تداولاً في إسرائيل.
بعد مضي أكثر من 20 عاماً على تشريع الاستخدام الطبي لهذه المخدرات، صار تصديرها مرخصاً في وقت سابق من هذا العام، واليوم، تستخدم مسألة تشريع استعماله للأغراض الترفيهية كأداة ترويج انتخابي.
بالنسبة إلى يوري زيفي، المدير التسويقي لشركة سيدو، وهي إحدى الشركات التجارية الإسرائيلية العديدة التي تكتسح بسرعة الصناعة العالمية للماريغوانا، لا يمكن اعتبار تحول الموضوع إلى حديث الرأي العام إلا إشارة إيجابية إلى حتمية العودة عن تجريم المخدرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المُنتَج الذي تقدمه سيدو، ويُطوّر في مدينة يوكنعام عيليت في شمال إسرائيل، يتيح للمستخدمين زراعة الماريجوانا في مختبرات منزلية صغيرة، ومتابعة نمو نبتة القنب مباشرة من خلال تطبيق على الهواتف الذكية، مع رصد احتياجاتها وتلبيتها باستخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي.
لدى الشركة خطط محددة لتطوير زراعة مئات الأنواع من القنب، وهو نبات يعرف بحساسيته، بالإضافة إلى وزراعة بعض البقول والخضار.
وتُحصّل المستوعبات، وهي على شاكلة ثلاجة وتتحكم بدرجة الحرارة والرطوبة والمغذيات والإضاءة، معرفة من كل دورة نمو. ويقوم التطبيق بجمع المعلومات من كل المستخدمين من أجل وضع خطة متقنة مناسبة لكل نوع من أنواع المخدرات.
يفوق عدد الطلبات المقدمة حالياً للشركة الثلاثة آلاف طلب من كل أنحاء العالم للحصول على الجهاز الذي تبلغ قيمته 2400 دولار (ما يعادل 1800 جنيه إسترليني) والقادر على إنتاج ما يصل إلى 400 غرام من القنب الناضج على أمثل وجه كل 12 شهراً.
يقول يوري زيفي للاندبندنت "في غضون سنة، ستسترد المبلغ الذي استثمرته في إعداد المختبرات المنزلي... إنه مغلق في شكل مُحكم يحفظ الحرارة، حتى لو كنت في مناخ جبلي في النيبال أو في الصحارى فإن نبتتك، النوع الخاص بك، ستزدهر".
تعمل سيدو أيضاً على إنتاج مستوعبات بالحجم الصناعي للسماح للشركات بإنتاج أجود أنواع القنب الهندي الطبي في أي مكان، حتى في أسطح المباني الشاهقة.
في حين أن الاستخدام الطبي للقنب الهندي قانوني في إسرائيل، إلا أن استعماله للترفيه والمتعة لا يزال محظوراً. وشركة زيفي هي حلقة من حلقات حركة متنامية داخل البلاد تطالب بتغيير ذلك، ويقول زيفي "ما إن يُرفع الحظر وتصبح الحشيشة قانونية هنا، يمكن أن تُوفر صناعة القنب الهندي وظائف كثيرة، وتدر أموالاً هائلة من طريق الضرائب.
القنب الهندي موجود سواء كان مشروعاً أم لا. والسؤال هو من سيجني إيراداته ويتمتع بها، الحكومة أم السوق السوداء؟".
وكان النقاش والجدل حول مسألة تقنين القنب الهندي يُحالان إلى هوامش الأجنحة السياسية اليسارية في إسرائيل طوال سنوات. وغالباً ما كانت هذه المسألة، وهي كانت تنادي بها أحزاب صغيرة مثل حزب "الورقة الخضراء"، وهو لم ينجح منذ تأسيسه في العام 1999، في حيازة مقعد في الكنيست.
لكن هذا العام، أصبحت النبتة المألوفة والسيئة الصيت والوارفة نجماً مفاجئاً في الانتخابات الإسرائيلية، واخترقت الانقسامات الحزبية. وعلى خلاف المتوقع، صارت مدار الحملات الانتخابية لليمين.
إلى وقت قريب، كان هذا المخدر مستهجناً في إسرائيل، التي تضم مجتمعات يهودية وإسلامية محافظة كبيرة. وفي الماضي، كان تدخين الحشيش يؤدي إلى استبعاد الإسرائيليين من الخدمة العسكرية.
في الشهر الماضي، ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على العشرات من الأشخاص الذين يشتبه في استخدامهم تطبيق تيليغراس، وهو تطبيق مراسلة مشفّر يسمح بتوصيل الماريجوانا إلى عتبات منازل الإسرائيليين.
في المقابل ليس تدخين الحشيشة في الأماكن العامة أمراً غير مألوف. فعلى الرغم من أنها غير مشروع فعلياً، إلا أن التساهل في إنفاذ القانون يتعاظم.
وأُجيز الاستخدام الطبي للماريغوانا منذ مطلع التسعينيات، وزادت شعبيتها بين جميع شرائح المجتمع، مما زاد الاهتمام بهذه المخدرات. ويخيم، من حين إلى آخر، طيف الحرب مع غزة على الانتخابات العامة المقبلة، التي ستجرى الأسبوع المقبل، شأن احتمال إدانة رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو.
ولكن بعيداً من عناوين الأخبار الدولية والمحاور المطروقة، يتربع نقاش حيوي حول هذه المخدرات في صدارة الحياة السياسية الإسرائيلية.
في مطلع هذا العالم، وافقت الحكومة الإسرائيلية أخيراً على تصدير القنب الهندي الطبي المزروع في إسرائيل، مشرعة أبواب السوق المحلية الرائدة والنشطة على العالم. وقطعت هذه البلاد هذا الأسبوع خطوة أخرى على طريق إضفاء الشرعية على الحشيشة لأغراض الترفيه، عندما عادت عن تجريم الحيازة الشخصية لكميات منها.
ولم يعد استخدامها الشخصي بكميات صغيرة في المنازل جريمة بعد اليوم. أما الاستهلاك الشخصي في الأماكن العامة فجزاؤه غرامة تزيد على 200 جنيه إسترليني، عوض احتمال دخول السجن مدة ثلاث سنوات.
بعض السياسيين الذين تجاهلوا مسألة هذه المخدرات، إلى حد كبير، في الانتخابات السابقة، مثل نتنياهو، ينظرون الآن إليه كوسيلة لجذب الناخبين الشباب. وقال رئيس حزب الليكود اليميني قبل بضعة أسابيع إنه سيبحث في تشريع هذه المخدرات إذا ما أُعيد انتخابُه. وتعهد بزيادة استخدام القنب الهندي الطبي "ليصل إلى أعلى المستويات في العالم".
وجاء وعده هذا بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية حزب زيهوت اليميني المتطرّف الذي أبصر النور حديثاً، ازدادت بناءً على وعده بإباحة هذه المخدرات.
في البداية، تنبأت استطلاعات الرأي بأن هذه المجموعة الليبيرالية لن تتمكن من تجاوز عتبة الحصول على مقعد واحد في الكنيست، لكن استطلاعاً للرأي أجرته القناة 12 هذا الأسبوع أظهر أن هذا الحزب ضَمِنَ الفوز بخمسة مقاعد.
يتزعم حزبَ زيهوت، ومعنى اسمه بالإنكليزية "الهوية"، المستوطنُ الأرثوذكسي الشهير موشيه فيغلين، وهو كان في السابق عضواً في الكنيسيت عن حزب الليكود. ذاع صيته السيء بسبب إنكاره وجود الشعب الفلسطيني، واعتقاله في فترة التسعينيات بتهمة التحريض على الدولة وإثارة الفتنة بسبب احتجاجاته على اتفاقية أوسلو للسلام.
ويقول أعضاء حزبه إنه أصبح مناصراً غيرَ متوقَّع للقنب الهندي بعد أن اعتمد بعض أقاربه المرضى على المخدر لأغراض طبية.
"السنة الماضية، كان موشيه في البرلمان يطالب بتشريع القنب الهندي ورفع الحظر بالكامل عنه، لعلمه أن عدم التشريع الكامل يترتب عليه عجز من سيحتاجون إلى هذه المخدرات الطبية، على حيازة أدويتهم" بحسب ليبي مولاد، التي تحتل المرتبة الخامسة في قائمة حزب زيهوت، وبالتالي هي مرشحة محتملة لعضوية البرلمان في المستقبل.
وقالت للاندبندنت: "من المحتمل أن أكثرَ من مليون شخص يتعاطون القنب الهندي بغاية الترفيه والمتعة في إسرائيل، ويُعد هؤلاء كلهم مجرمين. يعتبر هذا جنونياً في بلد يبلغ تعداد سكانه حوالي 8 ملايين نسمة... لا يختلف الأمر عن الاستمتاع بكأس من النبيذ".
وتعتبر مولاد أن في إمكان إسرائيل بسهولة أن تكون في "طليعة إنتاج القنب الهندي والبحوث حوله". مضيفة: "يجب التفكير في الوظائف والعائدات التي يمكن أن يدرها".
وبالتالي من المنطقي من الناحية التجارية أن تُدرج المسألة على رأس الحملات السياسية. وفقاً لتقرير صدر حديثاً عن مجموعة آركفيو لأبحاث السوق، فإن الإنفاق القانوني على القنب الهندي في جميع أنحاء العالم قد يصل إلى 16.9 مليار دولار هذا العام، وقد يرتفع إلى 31.3 مليار دولار في العام 2022.
أكبر سوق لإنتاج القنب الهندي حالياً هي كندا، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على استيراد أو تصدير النبتة بسبب عدم مشروعية ذلك على المستوى الفيدرالي. لكن الطقس في كندا ليس الأنسب لإنتاج الحشيشة، وهو العامل الذي يمكّن إسرائيل من إيجاد موطئ قدم لها على المستوى العالمي.
أبلغ مسؤولون صحيفة هآرتس أن الصفقات التجارية المتصلة بالقنب الهندي المتوقعة قد تحقق ما يصل إلى مليار شيكل (أو 208 ملايين جنيه إسترليني) سنوياً من عائدات الضرائب. وكثير من السياسيين يستفيدون بالفعل من الموضوع.
فوصفت وسائل إعلام محلية رئيسَ الوزراء الإسرائيلي السابق والرئيسَ السابق لحزب العمل في إسرائيل، إيهود باراك، بأنه واحد من "مليونيريّي الماريجوانا" في إسرائيل، بعد أن أصبح رئيساً لشركة تمتلك "كاندوك"، وهي مطوَّر ومنتِج للقنب الهندي.
ونُقل عنه في مؤتمر تقني للحشيشة هذا الأسبوع في تل أبيب قوله إن إسرائيل هي "أرض الحليب والعسل والقنب الهندي". ويؤيد المدريرون التنفيذيون في المجال الصناعي هذا الرأي. إسرائيل، التي تشتهر بشركاتها الناشئة، والتكنولوجيا الزراعية، والأبحاث، والطقس الجيد، تبدو مناسبة تماماً لهذا القطاع المزدهر.
لعبت إسرئيل أيضاً دوراً مركزياً في مجال الأبحاث حول هذه المخدرات. إذ كان العالمان الإسرائيليان رافاييل مشولام ويخاييل غوني أول من اكتشف تيترايدروكانابينول (ت هـ ك)، وهو المكوّن الرئيس في القنب الهندي الذي يحدث أثراً نفسياً، في العام 1964.
أبلغ أورين شاستر من شركة القنب الهندي الإسرائيلي الطبي (آي إم سي)، التي تزرع القنب الهندي منذ أكثر من عشر سنوات، وتمتلك بيوتاً بلاسيتكية بالقرب من الحدود مع غزة، موقع الاندبندنت إن "مناخ إسرائيل هو الظرف المثالي للزراعة. هيكلية التكلفة لدينا أقل بكثير لأننا نزرع في البيوت البلاستيكية، ولا نحتاج إلى تسخين إضافي أو أضواء صناعية.
لدينا أعظم الموارد الطبيعية: الطقس الجيد والشمس".
تنتج آي إم سي حالياً ثلاثة أطنان من القنب الهندي الطبي سنوياً للسوق المحلية، ولكنها تستعد لزيادة قدرتها الإنتاجية إلى 150 طناً في العالم لتبلية الطلب الدولي المتوقع.
شاستر، الذي كان من منتقدي الحشيشة في السابق، يتمنى الآن أن تُشرّع، زاعماً أن هناك فوائد صحية للمخدر بدءًا بالجلد وانتهاءً بالصحة العقلية. إلا أن دراسات عديدة أظهرت أن تدخين الماريجوانا قد يؤدي إلى مشاكل صحية عقلية.
مزارعه هي الوحيدة في العالم حالياً التي تجري فيها عملية ما بعد الحصاد في شكل آلي بالكامل. ويرى أن استخدام الروبوتات المصمّمة خصّيصاً في إسرائيل يوفر 90 في المئة من كلفة الإنتاج. ويقول شاستر "أعتقد أن إسرائيل ستكون إمبراطورية التجديد والبحوث في مجال القنب الهندي خلال سنوات. وهي معقل شركات ناشئة نابضة بالحياة".
© The Independent