أهزوجة بدوية لشاب فلسطيني من بئر السبع عنوانها "الهدف مرصود"، كانت محور اهتمام الأردنيين على مدار الأيام الماضية، وتسببت في إحراج الحكومة والإطاحة بوزير الداخلية وسجن عشرات المرشحين الفائزين بالانتخابات البرلمانية.
وتحولت هذه الأهزوجة التي تسمى "الشيلة" إلى أيقونة لأنصار المرشحين المبتهجين بنتائج الانتخابات خصوصاً في مناطق البادية، ورافق ذلك إطلاق كثيف للرصاص، بأسلحة متنوعة، وسط احتفالات حاشدة خلافاً للتعليمات، وفي خرق واضح لحظر التجوال الشامل في البلاد بسبب كورونا.
وسلطت هذه الأحداث الضوء مجدداً على ظاهرة انتشار الأسلحة بيد الأردنيين، وسط مطالب بضرورة جمعها، وتشير تقديرات إلى وجود أكثر من مليون قطعة سلاح غير مرخصة في الأردن، ويتوقع أن تكون المهمة الأولى لمجلس النواب الـ19 بعد انعقاد جلسته الأولى في الأسابيع المقبلة إجراء تعديلات على قانون جمع وترخيص الأسلحة والذخائر، بما يضمن تغليظ العقوبات.
غضب ملكي
وعلى إثر غضب ملكي عبر عنه الملك عبد الله الثاني بتغريدة على "تويتر" أكد فيها أن القانون فوق الجميع، أعلن رئيس الوزراء بشر الخصاونة استقالة وزير الداخلية توفيق الحلالمة، على خلفية ما حدث من انفلات أمني في مناطق واسعة من المملكة بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية.
وغرد الملك الأردني قائلاً "المظاهر المؤسفة التي شهدناها من البعض بعد العملية الانتخابية، خرق واضح للقانون، وتعد على سلامة وصحة المجتمع، ولا تعبر عن الوعي الحقيقي للغالبية العظمى من مواطنينا في جميع محافظات الوطن الغالي. نحن دولة قانون، والقانون يطبق على الجميع ولا استثناء لأحد".
أعمال شغب
ولم تكن مظاهر الاحتفال الصاخبة باستخدام الأسلحة الأوتوماتيكية وحدها التي دفعت برئيس الحكومة ومدير الأمن العام وقائد الجيش إلى عقد مؤتمر صحافي عاجل وغاضب، إذ شهدت بعض المحافظات احتجاجات ومناوشات وأعمال شغب على خلفية خسارة بعض مرشحي الانتخابات النيابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ذلك بساعات، أطلقت السلطات حملة أمنية كثيفة للتعامل مع المخالفين، وضُبطت مئات قطع السلاح واعتُقل العشرات من مطلقي الأعيرة النارية، كما حُول نحو 18 مرشحاً من الناجحين في الانتخابات إلى الحاكم الإداري تمهيداً لمثولهم أمام القضاء، بحسب ما أعلن محافظ العاصمة سعد شهاب.
ووفقاً لعضو مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب فيصل الشبول، فإن هؤلاء النواب قد يواجهون إسقاط عضويتهم في مجلس النواب والحبس، لمخالفتهم أوامر الدفاع الخاصة بجائحة كورونا.
وتأتي هذه الأحداث المؤسفة بعد أسابيع من حادثة فتى الزرقاء الذي تعرض لبتر يديه وفقء عينيه على يد أصحاب سوابق، مما دفع الحكومة إلى شن حملة أمنية طالت المئات من الخارجين على القانون.
"الشيلات" تنتشر
ودخلت "الشيلات" إلى ثقافة الأردنيين الغنائية على نحو ملفت بعد أن ظلت متابعتها حكراً على فئة محدودة، ووجه عبد الله السعايدة، وهو مؤدي "شيلة" "الهدف مرصود والرشاش جاهز" التي أثارت الجدل، رسالة إلى الشعب الأردني بعد تداولها بكثافة في الأردن أثناء الانتخابات النيابية 2020، وقال السعايدة عبر حسابه الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي، إنه شاهد كماً هائلاً من التعليقات والتفاعل الكبير مع أغنيته التي حصدت نحو خمسة ملايين مشاهدة، نافياً أن يكون القصد منها التحريض على العنف، وأنه فخور جداً بنجاحها.
معضلة السلاح في الأردن
وأثارت هذه الأحداث الجدل مجدداً حول انتشار السلاح بيد المدنيين الأردنيين بكثافة، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ثمة ما يقارب 350 ألف قطعة سلاح في الأردن مرخصة رسمياً، لكن تقديرات أخرى تتحدث عن مليون قطعة سلاح غير مرخصة معظمها أوتوماتيكي منتشرة في المدن الأردنية كافة من دون استثناء.
وطالب الكاتب والمحلل السياسي زيد نوايسة الحكومة الأردنية بجمع الأسلحة الفردية غير المرخصة والمنتشرة بين المواطنين والتي أصبحت تجارة رائجة لها أسواقها ومناطقها المعلنة، وأضاف نوايسة "يعاقب قانون الأسلحة النارية والذخائر لسنة 1952 كل من يتاجر بالأسلحة أو يمتلكها من دون ترخيص بالسجن لمدة تصل لثلاث سنوات، لكن ما يحدث فيه تحد لهيبة الدولة، ومبرر لارتكاب جرائم كبرى"، وأشار إلى تعليمات الملك الأردني بهذا الخصوص في عام 2015، وبعد حادثة وفاة طفل نتيجة إطلاق عيارات نارية، إذ عبر عن غضبه وطالب بجلب كل من يطلق العيارات النارية حتى لو كان ابنه ولي العهد.
ومضت السنوات بعد ذلك، لكن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الحين، ما دفع مدير الأمن العام اللواء حسين الحواتمة للتساؤل باستغراب عن سعر الرصاص المرتفع المستعمل في احتفالات الانتخابات في مناطق تشتكي الفقر والبطالة، وأبدى مراقبون قلقهم حول كيفية تسلل أسلحة أوتوماتيكية وذخائر حديثة ونوعية إلى أيدي أردنيين ظهروا في مقاطع فيديو وهم يحتفلون بنتائج الانتخابات، بينما لا تتوافر هذه الأسلحة في العادة إلا بيد القوات الأمنية والقوات العسكرية النظامية.