Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن... آخر ساسة جيل 1968 الأميركيين

بينما يتقاعد راديكاليو الأمس أو ينسحبون من الميدان يبدو أن المسيرة الطويلة لذلك الجيل وصلت إلى محطاتها النهائية

المرشح بايدن سياسي مخضرم من جيل اليسار الراديكالي الاصلاحي في ستينيات القرن الماضي (أ ب)  

حين كنت في بحيرة كومو بإيطاليا لحضور مؤتمر ممل حول السياسة الدولية قبل بضع سنوات، قررت ألا أتناول وجبة الغداء المؤلفة من خمسة أطباق من الطعام كي أذهب للسباحة. وفي "بركة إينفينتي" وجدت جو بايدن يبدو أنيقاً وحسن المظهر وهو يرتدي بنطال السباحة القصير. وبايدن شخص متواضع من النوع الذي يسهل التحدث إليه، وقصة حياته هي سيرة حياة "جيل 1968" المعروفة نفسها.

فتح عيونه على دنيا السياسة وأخذ يهتم بها كطالب وناشط سياسي شاب شارك في الحملات المناهضة لحرب فيتنام كما أسهم في الحملات التي نظمت دفاعاً عن الحقوق الإنسانية ضد كل من الرئيسين جونسون ونيكسون، كما انخرط في الدفاع عن التحركات المبكرة (للدفاع) عن حقوق المرأة، و(كافح) في سبيل نيل العمال أجوراً عادلة علاوة على حقوقهم النقابية، وكان في ذلك يسير على خطى (الرئيس الأميركي السابق) روزفلت.

لم يكن بايدن شخصاً راديكالياً، لكن السياسة السائدة اجتذبته منذ عمر مبكر فتعلق بها كما لو كانت هاجساً لا فكاك منه، وقال كل ما يجب أن يُقال عن العدالة الاجتماعية. كان ذلك هو الانقسام الكبير في جيل 1968. بقي البعض مثل بيرني ساندرز وجيرمي كوربين (زعيم حزب العمال السابق) مؤمنين على امتداد عقود عدة بإمكان تحقيق تحول سياسي أساسي مفاجئ.

بيد أن بايدن، شأنه شأن (رئيس الحكومة البريطاني العمالي) غوردون براون و(الرئيس) بيل كلينتون وأمثالهما، قرر السباحة مع التيار السياسي وليس عكسه. وهو شخصياً بات واحداً من سياسيي الصف الأول في عمر مبكر بشكل لافت.

وشرح لي كيف دافع عن جماعة "الفهود السود" وعن الأميركيين من أصول أفريقية ممن عوملوا بوحشية من قبل عناصر الشرطة، وبعدوانية من جانب القضاء، إذا نظموا احتجاجات أو كانت الشرطة تستهدفهم.

ونتيجة لذلك حظي بتأييد تجمع السود المحلي في الحزب الديمقراطي في ديلاوير حين سعى في سن التاسعة والعشرين إلى نيل الترشيح لعضوية مجلس الشيوخ في 1972. كان جمهورياً يحتل المقعد (في ذلك الحين)، غير أن بايدن أطلق حملة على طريقة جيل 1968 اشتملت على معارضة حرب فيتنام، والدفاع عن و(لتأمين) وسائل النقل العام (للمواطنين)، والعمل في سبيل فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وعمل من أجل قضايا البيئة التي أثارها الجيل الأول من الناشطين في هذا الميدان، و(ناضل) من أجل الحقوق المدنية إضافة إلى توفير رعاية صحية ذات تكلفة معقولة.

وفاز بالمقعد بأقل فارق ممكن. وقال لي كيف أنه اضطر للانتظار أسابيع عدة كي يبلغ سن الثلاثين حتى يصبح بوسعه أن يكون عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحين صار في المجلس، مشى على خطى الرؤساء جونسون وروزفلت وغدا واحداً من أهل الحل والربط، وسياساً قادراً على تحقيق النتائج وتجاوز الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين  لإبرام صفقات تتصل بالترويج لتشريعات كان يؤيدها.

ولهذا لم يكن اليسار الأميركي معجباً ببايدن أو واثقاً به على الإطلاق. وكما وجد اليسار الأوروبي والبريطاني أن بعض سياسي اليسار الديمقراطي من جيل الـ1968 من أمثال غوردون بروان، أو روبن كوك، أو فيليبي غونزاليس، أو يوشكا فيشر أو جورج باباندريو ممن قرروا الالتزام بالخط السياسي السائد وإلقاء توجههم الراديكالي المبكر المعروف بتنظيم التظاهرات والاعتصامات، وراء ظهورهم.

وإذا وصل جو بايدن فعلاً إلى البيت الأبيض، فهو سيكون آخر ممثل لجيل 1968 يستطيع البروز في المشهد السياسي، علماً أن هذا الجيل أحدث في عدد من الدول أثراً ملحوظاً.

وبايدن ، قبل كل شيء، شخص معني بالسياسة الخارجية، ولا سيما أنه مارسها في مرحلتين من حياته المهنية كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أولاً، ومن ثم كنائب للرئيس السابق باراك أوباما. ومن الصعب التفكير بعاصمة أو دولة لم يزرها جو بايدن. وفي موقف منسجم تماماً مع غرائز جيل الـ1968، صوت بايدن ضد حرب العراق. بيد أنه خلال الأعوام الـ12 التي قضاها رئيساً للجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ونائباً للرئيس، زار قادة أجانب أكثر من أي سياسي كبير على قيد الحياة.

وحين تحدثت إليه في عام 2004، قال إنه أراد لأوروبا وأميركا أن يوحدا الصفوف وتقف إحداهما إلى جانب الأخرى، إلا أن ذلك كان سيكون صعباً فعلاً في ظل رئيس مثل جورج دبليو بوش، على حد تعبيره.

قال لي "كوندي رايس ستكون وزيرة الخارجية الجديدة. وهي ستأتمر بأمر ديك تشيني (نائب الرئيس في حينه) بصورة مباشرة. وسيكونون أسوأ من إدارة بوش الأولى. لقد خسر كولن بأول كل قدرته على التأثير على الرئيس. وهو لا يحظى بفرصة للتحدث مع الرئيس، وبوش لم يعد مهتماً بالإصغاء إليه".

وأضاف أن بأول كان يمكن أن يعمل كأداة كبح لاندفاعة الإدارة إلى الأعمال العسكرية في 2002 و2003، بيد أن ذلك الجنرال ذا النجوم الأربع، الذي كان أول قائد أسود البشرة للقوات المسلحة الأميركية، هو عسكري مخلص إلى درجة منعته من تحدي إرادة الرئيس المنتخب.

وبايدن متخصص أيضاً بأوروبا بوصفه كان رئيساً للجنة الفرعية المعنية بها والتابعة للجنة الشؤون الخارجية. وذهب إلى مناطق صعبة في القارة الأوروبية، مثل البلقان الغربية حيث خدم ابنه بو Beau Biden في الجيش الأميركي الذي تمركز في كوسوفو، وذلك قبل أن يستسلم للسرطان.

وصف بايدن بوريس جونسون بأنه رجل "مستنسخ جسدياً وعاطفياً" عن دونالد ترمب، ومجلس الوزراء البريطاني (الحالي) يغص بأعضاء النخبة من الأثرياء ممن تعلموا في مدارس خاصة، لا يعتبره وسطاً يمكن لسياسي كبايدن وهو أميركي من أصل إيرلندي أن يجد فيه كثيراً من الأصدقاء.

لقد وصف بايدن رجل الصين القوي شي جين بينغ بأنه "قاطع طريق"، وقال إنه سيؤيد المعارضة الديمقراطية في تركيا لرجب طيب أردوغان، كما أصر على توفير معاملة عادلة للأكراد في تركيا.

نتائج الانتخابات الأميركية حتى الآن تبدو متقاربة أكثر مما كنا نظن. وإذا فاز بايدن، فمن المرجح أن يكون حليفاً طبيعياً لإيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل في ترميم المحور الأوروبي- الأطلسي الذي انسحبت منه بريطانيا في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي. وهو مهذب بالفطرة، ولن يستبعد بريطانيا على الرغم من الإحساس السائد في دوائر السياسة الخارجية في عدد من الدول بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي هو شكل من أشكال العزل التلقائي الذي يقلل من مكانة المملكة المتحدة وقدرتها على التأثير.

تكاد المسيرة الطويلة لجيل الـ1968 على الصعيد السياسي تصل محطتها الأخيرة الطبيعية. فهؤلاء الذين ساروا في التظاهرات أو شاركوا في الاعتصامات قبل خمسين عاماً حين كانوا شباباً راديكاليين وأشخاصاً اعتبروا أنفسهم ثوريين، هم حالياً إما متقاعدون، أو بلا أهمية مثل جيرمي كوربين،  وبيرني ساندرز.

يعتبر جو بايدن الحالة الاستثنائية بين أبناء هذا الجيل، وإذا انتُخب سيكون بمثابة الصيحة الأخيرة التي يطلقها جيل الـ1968. لكن، في المقابل، إذا فاز دونالد ترمب، سيحين عندها موعد إسدال الستار بصورة دائمة على جيل الـ1968.

© The Independent

المزيد من آراء