أثارت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان، إلى كل من مصر في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، وأثيوبيا في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، على التوالي كثيراً من التساؤلات والفضول حول خطوات ومستقبل الملفات العالقة بين الخرطوم من جهة، وكل من القاهرة وأديس أبابا، المتمثلة في حلايب وشلاتين مع الجانب المصري، والفشقة مع الجانب الإثيوبي، والتي ظلت محل توتر مع البلدين.
لكن، ما هي رؤية المراقبين حول مدى تأثير هاتين المشكلتين في مستقبل العلاقات بين السودان مع كل من مصر وإثيوبيا، ومدى إمكان التوصل إلى تسوية تحفظ استدامة علاقات السودان الجيدة مع جارتيها.
في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الرشيد محمد إبراهيم، "في نظري، ملف حلايب وشلاتين سيظل على ما هو عليه حتى حدوث تغييرات جديدة أو ظهور فرص يمكن أن تقود لإمكان تسوية بين البلدين، لذلك لا أتوقع أن يكون هناك اختراق إلا في حالة حدوث متغير ما، وهي حالة غير معروفة مؤشراتها وشكلها، لكن بشكل عام، توازن القوة مهم في هذا الملف".
ولفت إلى أن هذا النزاع شبيه بما يحدث في حالة جامو وكشمير، لكن بالنسبة إلى مصر، فإن أي صيغة تنادي بالتكامل أو ما شابه ذلك، ستتوافق مع أجندتها، لأن أي اتجاه لفض هذا النزاع دولياً ليس في مصلحتها، بسبب أن حجتها القانونية لإثبات أحقيتها بهذه الأرض ضعيفة جداً، وبالتالي فهي ترفض اللجوء إلى التحكيم الدولي أو القضاء أو التفاوض.
نزاع الفشقة
وتابع الرشيد إبراهيم، "لا أعتقد أن الحكومة الانتقالية في البلاد ممثلة في رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ستورط نفسها في مناقشة قضايا ذات أبعاد إستراتيجية، أو إثارة قضايا محل خلاف بهذا الحجم، لأنها في هذه المرحلة في حاجة إلى مصر لتثبيت دعائم السودان واستقراره الذي يعاني من مشكلات عديدة سياسية واقتصادية، كما أن نجاح البرهان في ملف السلام مع إسرائيل، ومساعيه لإحداث اختراق في ملف سد النهضة، يجعله يقدم نفسه كرئيس سوداني ناجح ليس في هذه الفترة، بل قد يكون مستقبلاً".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، "أما بالنسبة إلى نزاع الفشقة مع إثيوبيا، فهو أقل تعقيداً من ملف حلايب وشلاتين، لأن هناك اتفاقاً بين الخرطوم وأديس أبابا على ترسيم الحدود، حيث وصل البلدان إلى تفاهمات مشتركة في هذا الخصوص، لكن لم تبدأ عملية الترسيم للظروف الأمنية، فهذا الخلاف قديم منذ 1958، وهو مفهوم في إطار القبيلة وأطماع المزارعين الإثيوبيين، وقد لعب السودانيون دوراً كبيراً في تعقيد هذه المشكلة بتأجيرهم باستمرار أراضيهم الحدودية للمزارعين الإثيوبيين، وحينما يتأزم الموقف بين الطرفين، يستنجد السودانيون بحكومتهم للتدخل لحل تلك الخلافات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعويضات وأطماع
في المقابل، قال الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر، "قضية حلايب وشلاتين معقدة بشكل كبير، وكانت الحلول السابقة قانونية باللجوء إلى التحكيم الدولي من الجانب السوداني، كما كانت تحدث تدخلات عسكرية من وقت لآخر حينما تكون هناك توترات على الحدود بين البلدين، لكنّ الحلّ الأفضل لهذه الأزمة أن يكون سياسياً، لأنه أصبح هناك واقع جديد سواء في ما يتعلق بالسكان الذين قامت مصر بمنحهم الجنسية، وكذلك ما قامت بإنشائه من خدمات ومرافق وإعمار تنموي في هذه المنطقة". وشدد على أهمية فتح هذا الملف في أقرب وقت للتوصل إلى صيغة للتوافق تضمن للسودان الحق في أرضه، وأن لا يتضرر السكان خصوصاً أن هناك تداخلاً قبلياً، لذلك، أي حلول وفق قرارات غير مدروسة أو متشددة ستخلق توتراً ليس في مصلحة البلدين.
أضاف نور الدين بابكر، "من المهم أن تكون الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حاضرين لهذه التسوية ومساهمين في حل هذا النزاع، لأنه ستكون هناك تعويضات ملزمة للحكومة السودانية لن تستطيع الوفاء بها، ما يتطلب مساعدة المجتمع الدولي في هذه الحالة، لكن قد يكون الأمر بالنسبة إلى النزاع الحدودي مع إثيوبيا في منطقة الفشقة أقل توتراً وتأثيراً لأنها قضية لا خلاف حولها بين الحكومتين السودانية والإثيوبية، لكونها تتعلق بأطماع مواطنين في أراض زراعية مملوكة لمزارعين سودانيين يتم التعدي عليها من قبل مزارعين إثيوبيين"، ونوّه إلى أن ما يربط السودان من علاقات جيدة مع كل من مصر وإثيوبيا يسهّل الوصول إلى حلول مرضية لهاتين المشكلتين.
حلايب وشلاتين
ظل النزاع بين مصر والسودان حول مثلث حلايب وشلاتين الواقع على البحر الأحمر بمساحة 20.5 ألف كيلومتر مربع، قائماً بعد عامين من استقلال السودان عام 1956، حيث تستند مصر إلى اتفاقية 1899 الموقعة بين القاهرة ولندن باعتبارهما قائمتين على الحكم الثنائي في السودان آنذاك، بينما يستند السودان إلى التقسيم الإداري لعام 1902 الذي أصدره ناظر الداخلية المصري آنذاك مستنداً إلى وجود بعض من قبائل لها بعد سوداني في المنطقة، ولم تعترض مصر على هذا القرار مع استقلال السودان، ولم تتحفظ على الحدود، لكنها بدأت ترد بأن هذا القرار كان لأبعاد إنسانية لتسيير حياة قاطني المنطقة، ولا يترتب على إدارة عارضة لفترة أي سيادة كانت لظروف محددة.
وسبق أن رفضت القاهرة ضم هذا المثلث ضمن دوائر الانتخابات السودانية في عام 1958، وقد سيطرت مصر عسكرياً على هذه الأراضي محل النزاع عام 1995 رداً على محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، والتي اتهمت فيها الخرطوم على الرغم من نفيها الأمر. في حين ظل السودان يجدد شكواه أمام مجلس الأمن الدولي سنوياً منذ عام 2018، في وقت ترفض القاهرة أي دعوة سودانية إلى التفاوض المباشر أو التحكيم الدولي.
لكن، عادة ما تؤكد الخرطوم والقاهرة في بيانات مستمرة، على الرغم من هذا النزاع، أن العلاقات المصرية السودانية تاريخية وراسخة، فضلاً عن الدعوة إلى الحوار والنقاش حول تفعيل التعاون على المستويات كافة.
نزاع الفشقة
يعود تاريخ النزاع السوداني الإثيوبي حول منطقة الفشقة على الحدود الشرقية إلى عام 1957 حين فرضت أديس أبابا السيطرة عليها من خلال تسلل مزارعين إثيوبيين للعمل بطريقة بدائية، ونتيجة قبول الأهالي وجودهم عادوا في العام التالي بصحبة آليات زراعية حديثة، وحينها اعترض الأهالي، ما دفع مسؤولي البلدين لعقد اجتماع اعترف خلاله الإثيوبيون بوجودهم داخل الأراضي السودانية.
أما في عام 1992 فقد تصاعدت الأمور بشكل كبير حين دخل أحد المزارعين الإثيوبيين من ذوي الإمكانات الكبرى بآليات ضخمة وتوغل في عمق أراضي السودان تحت حماية قوات إثيوبية، وتمكّن في العام التالي من طرد المزارعين السودانيين والاستيلاء على مزيد من الأراضي، وصلت مساحتها إلى 44 كيلومتراً مربعاً، وفي العام 2013 توصلت لجان ترسيم الحدود المُشتركة بين البلدين إلى اتفاق قضى بإعادة أراضي الفشقة للسودان لكنه لم ينفذ.
في عام 2017، تم الإعلان عن التوصل لاتفاق لترسيم الحدود بين الجانبين، عدا منطقة الفشقة التي قالوا إن التفاوض مستمر بشأنها، كما أصدرت الحكومة السودانية قراراً بمنع المزارعين السودانيين من تأجير أراضيهم للمزارعين الإثيوبيين، ومع ذلك، كانت هناك مماطلات من أديس أبابا لحسم القضية، الأمر الذي أكده، المهندس عبد الله الصادق، رئيس الجانب السوداني، في اللجنة الفنية الخاصة بترسيم الحدود، والتي توصلت إلى اتفاق ترسيم الحدود عام 2012.
في أغسطس (آب) عام 2018، اتفق الجانبان على نشر قوات مشتركة على الحدود لمنع التوترات بينهما، فضلاً عن اتفاق العام 2017، بتنمية مشتركة للأراضي والقرى وضبط الحدود، لكن هذه المنطقة ظلت محل توتر حتى هذه اللحظة.