بينما تحتل الانتخابات الرئاسية الأميركية، غداً الثلاثاء، مركز الصدارة هذا الأسبوع، هناك عديد من الأحداث الاقتصادية الرئيسة، من شأنها تعميق فهم الصحة الحالية لتعافي الاقتصاد الأميركي، وقد تثير بعض التقلبات في السوق. بحسب اقتصاديين، استطلعنا آراءهم، سيبقى تراكم الدين السيادي الأميركي وشبح البطالة يلازمان البلاد، سواء عاد ترمب لسدة الحكم عبر ولاية رئاسية ثانية، أو فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بسيادة البيت الأبيض. وتوقع (المركزي) الأميركي أن يصل حجم الديون المستحقة على الولايات المتحدة إلى 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول نهاية عام 2020 من 79 في المئة العام الماضي، متوقعاً أن إجمالي الدين الحكومي حجم الاقتصاد الأميركي المقبل.
وكانت الولايات المتحدة قد شهدت قفزة كبيرة في عجز الميزانية السنوية للحكومة، الذي من المتوقع أن يتسع إلى 3.3 تريليون دولار بحلول نهاية السنة المالية الحالية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف مستواه في عام 2019. بحسب صحيفة واشنطن بوست، كان العجز في طريقه للارتفاع بسبب التخفيضات الضريبية، وزيادة الإنفاق في الآونة الأخيرة، لكن استجابة الحكومة للوباء وسعت هذه الفجوة بشكل كبير. وعادة ما تنفق الحكومة أكثر من 4 تريليونات دولار سنوياً على البرامج والخدمات، لكن الكونغرس وافق على أكثر من 3 تريليونات دولار من التمويل الطارئ منذ مارس (آذار)، لمكافحة تفشي الوباء والانكماش الاقتصادي اللاحق. وشمل ذلك مئات المليارات من الدولارات لمساعدة الشركات والعاطلين من العمل، وكانت وزراة العمل الأميركية أعلنت في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن تقديم 886 ألف شخص طلبات جديدة لإعانات البطالة بزيادة قدرها 77 ألف تقريباً عن الأسبوع السابق، بحسب ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز.
من المتوقع أن تُظهر نتائج مسح معهد إدارة التوريد لمديري المشتريات في المصانع، التي ستصدر اليوم الاثنين، شهراً آخر من التوسع في نمو نشاط المصانع لشهر أكتوبر، فقد أدى الطلب القوي على السلع الاستهلاكية والمعدات الرأسمالية إلى انتعاش التصنيع، بعد أن أدت الاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا إلى انخفاض الإنتاج هذا الربيع.
انطلاق الانتخابات الأميركية
تنطلق الانتخابات الأميركية، غداً الثلاثاء، وتركز الأسواق على السياسات المالية المتباينة للرئيس دونالد ترمب ومنافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن، في وقت حذر مراقبون من أن نتائج المنافسة الرئاسية والسيطرة على مجلس الشيوخ، قد لا تكون معروفة فور إغلاق صناديق الاقتراع.
يشهد يوم الأربعاء الإعلان عن تقلص العجز التجاري الأميركي في سبتمبر (أيلول)، بعد أن أظهرت بيانات مسبقة انتعاشاً في صادرات السلع، إلى جانب انخفاض طفيف في الواردات. فيما ستكمل التفاصيل عن التجارة في الخدمات صورة الشهر، بحسب وول ستريت جورنال.
انخفاض مستويات البطالة وتعافي سوق العمل الأميركية
وتوقعت الصحيفة أن يشهد الخميس الإعلان عن حدوث انخفاض في مطالبات البطالة الأسبوعية مجدداً في البلاد، حيث يظهر المسار الهبوطي لمطالبات تعافي سوق العمل الأميركية، بينما يشير المستوى المرتفع تاريخياً إلى أن تسريح العمال لا يزال مرتفعاً، حيث لا تزال تتعامل الشركات مع الوباء وتداعياته
كما سيشهد، يوم الجمعة، إضافة أرباب العمل لمئات الآلاف من الوظائف، ما سيخفض البطالة لشهر أكتوبر للشهر السادس على التوالي. ومن المرجح أن تظل جداول الرواتب أقل بكثير من ذروتها قبل الوباء، ما يبرز الضرر الجسيم الناجم من جائحة الفيروس والسياسات التي تهدف إلى احتوائه. بالإضافة إلى اختتام اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي، وتثبيت متوقع لأسعار الفائدة عند مستوى منخفض.
كما سيشهد هذا الأسبوع اختتام اجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، التي استمرت لمدة يومين لتحديد سياساته. مع تثبيت متوقع لأسعار الفائدة عند مستوى منخفض، بينما يتعافى الاقتصاد. ويظل التضخم منخفضاً. وللإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة المالية، (مع بقاء يوم واحد على الانتخابات الرئاسية المقررة غداً الثلاثاء)، فإنه من المحتمل الإعلان عن تلك السياسات خلال المؤتمر الصحافي للرئيس جيروم باول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
60 في المئة من إجمالي الدين الأميركي داخلي
من جانبه، يرى وضاح الطه، المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار، أن الاقتصاد الأميركي مر بأفضل حالاته في الفترة التي سبقت اندلاع جائحة كوفيد-19، فقد انخفضت معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ خمسين عاماً، كما شهدنا ارتفاعات في سوق الأسهم الأميركية، وتخفيض الضرائب وجميعها ساعدت على تحسين الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة على مستوى الفرد، وإجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الأميركي، ولكن في الوقت ذاته لا تزال هناك مشكلة كبيرة تتمثل في ارتفاع مستوى الديون السيادية للبلاد، وهناك قلق بهذا الخصوص، ولكن ما يقلل من مستوى القلق هو أن 60 في المئة من حجم الدين الأميركي داخلي وليس خارجياً.
وكان الجمهوريون في الكونغرس الأميركي قد وافقوا هذا الأسبوع على حزمة واسعة من التخفيضات الضريبية، فيما كان أكبر إصلاح لقانون الضرائب منذ 30 عاماً، ما منح الرئيس دونالد ترمب نصراً تشريعياً كبيراً. ومن المتوقع أن يوقع قريباً على التشريع الذي يتضمن تخفيضات ضريبية بقيمة 1.5 تريليون دولار.
عملية التعافي المتسارعة ليست فقط بسبب تغيير القيادة الأميركية
توقع الطه في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الرئاسة الأميركية، على رغم إشارته، إلى أنه لا يميل لهذا السيناريو، فإن الاختلافات الأساسية ستكون في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليست في السياسة الداخلية للبلاد. ويرى المحلل المالي أن بايدن لا يمتلك نظرة شاملة ومعمقة، وهناك عبارات براقة يستخدمها المرشح الديمقراطي، التي من المفترض أن يشرح آلياتها بشكل واضح.
وأضاف، بشكل عام الاقتصاد الأميركي في حالة تعاف، خصوصاً في ظل التوقعات في الإعلام عن لقاح لفيروس كورونا خلال الفترة المقبلة، بالتالي عملية التعافي المتسارعة غير مرتبطة بتغير القيادة الأميركية من عدمها، وإنما بسبب تحسن الوضع الاقتصادي الحالي الذي سيقود إلى انتعاش الأعمال بشكل عام.
وقال وضاح الطه، إن العالم يعيش اليوم الموجة الثانية من الوباء، ونرى ذلك في ارتفاع أرقام الإصابات بالفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى من العالم. في أوروبا نشهد موجة إغلاق ثانية في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا ودول أوروبية أخرى، وعملياً الإغلاق سيكون مكلفاً. ويضيف، باعتقادي أن مسألة الإغلاق غير مستساغة في الشارع الأميركي، وهناك درجة من الاستخفاف بهذا الأمر في عدد من الولايات، بالتالي أستبعد حدوث إغلاق كلي في البلاد، في حالة فوز أي من المرشحين بالرئاسة، ولكن قد نرى إغلاقاً جزئياً، ولكن ما هو أكيد أن الوضع في العالم بما فيه الولايات المتحدة لن يعود للحقبة التي سبقت كورونا.
أجندة بايدن السياسية ستكون أكثر تساهلاً مع الصين
وتطرق الطه في حديثة إلى محور أساس، يتعلق بمستقبل العلاقات الصينية الأميركية قائلاً، "خلال ولاية ترمب الأولى هناك تشخيص دقيق لدور الصين السلبي، وتأثيره في اقتصاد الولايات المتحدة، بخاصة في ما يتعلق بسرقة الصين للملكية الفكرية الأميركية، وباعتقادي أن هذا الملف سيفلت من يد بايدن، وإن حدث ذلك ستحتل الصين المرتبة الاقتصادية الأولى عالمياً، وحدوث هذا سيغير من وجه العالم". وأضاف، "أعتقد أن بايدن على الأقل من الناحية الاقتصادية، وعلى رغم وجود مستشارين اقتصاديين، لديه أجندة سياسية قد تتساهل مع الصين وهذا لن يصب في مصحلة الولايات المتحدة".
وفي ما يتعلق بمستقبل أسواق المال الأميركية، التي تشهد حالياً انتعاشاً تقوده كبرى شركات التكنولوجيا، توقع الطه أن تلقى أسواق المال اهتماماً ودعماً أكبر من قبل ترمب إذا ما فاز بولاية رئاسية ثانية.
شبح البطالة سيبقى مخيماً على البلاد
من جانبه قال محمد رمضان، المحلل الكويتي في الشؤون الاقتصادية، إن الحزب الديمقراطي شككك في أرقام النمو الاقتصادي للبلاد، التي يتحدث عنها الرئيس ترمب، حيث من الممكن أن تكون أرقام النمو تلك مبالغاً فيها لأغراض انتخابية، ويرى أن هذه الأرقام ربما تخدم الرئيس الأميركي على المدى القصير، ولكنها ستخلق كثيراً من المشاكل على المدى البعيد.
تابع، "في حال فوز بايدن قد تظهر أرقام نمو مختلفة، وقد تكون أسوأ مما هي عليه الآن، بالتالي سيكون هناك تباين في أرقام النمو قبل وبعد الانتخابات الأميركية. كما ستظهر طرق لمعالجتها تتشابه إلى حد كبير، مع تلك التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما، ولكن في حالة نجح ترمب في الفوز بولاية رئاسية ثانية سنراه أكثر جرأة، وليس بالضرورة أن نرى إصلاحات سريعة".
أضاف، بشكل عام قد لا نشهد نمواً اقتصادياً كبيراً في الولاية الثانية لترمب، وأتوقع أن يبقى تركيز ترمب منصباً على الأمور الحزبية بشكل عام، من خلال تخفيض الضريبة على الجميع، ورفع الإنفاق العسكري وأمور أخرى يتميز بها الحزب الجمهوري، وعلى الأرجح أن ترمب سيبرر زيادة الإنفاق العسكري للبلاد بالقول، إن هناك دولاً تتحمل فاتورة الإنفاق العسكري الأميركية بسبب وجود القوات الأميركية على أراضيها.
وكان الاقتصاد الأميركي قد نما بأسرع وتيرة له منذ أكثر من عامين في الربع الثالث، مدعوماً بإنفاق أعمال قوي، وهو مستعد لما يمكن أن يكون دفعة متواضعة العام المقبل من التخفيضات الضريبية الشاملة التي أقرها الكونغرس هذا الأسبوع.
وقالت وزارة التجارة الأميركية، في ثالث تقدير للناتج المحلي الإجمالي يوم الخميس، إن الناتج المحلي الإجمالي، نما بمعدل سنوي 3.2 في المئة خلال الربع الأخير. في حين أنه انخفض بشكل طفيف عن معدل 3.3 في المئة، الذي أُبلغ عنه الشهر الماضي، إلا أنه كان أسرع وتيرة منذ الربع الأول من عام 2015، وكان انتعاشاً من معدل الربع الثاني بنسبة 3.1 في المئة.
وهذه هي المرة الأولى منذ 2014، التي يشهد فيها الاقتصاد نمواً بنسبة 3 في المئة أو أكثر لربعين متتاليين. لكن وتيرة النمو في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر من المرجح أن تكون مبالغاً فيها، في ما يتعلق بصحة الاقتصاد.
ويرى رمضان، أن معضلة البطالة ستبقى المشكلة الرئاسية التي سيواجهها الرئيس دونالد ترمب إذا ما انتُخب لولاية ثانية، وسيواجهها أيضاً المرشح الديمقراطي جو بايدن في حال فوزه بالرئاسة. وأضاف أنه على رغم الأداء الجيد لأسواق المال الأميركية حيث تقود شركات التكنولوجيا الكبرى نمو السوق، إلا أن قضية تفشي البطالة لا تزال المهيمنة على الصورة الاقتصادية للولايات المتحدة.
ويعتقد المحلل الكويتي في الشؤون الاقتصادية، أنه من الصعب التنبؤ بشكل الاقتصاد الأميركي في حال فاز أحد المرشحين للرئاسة الأميركية، ولكن من الواضح أن أرقام النمو الاقتصادي للبلاد لا تعكس حالة البطالة، التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19.
وأضاف رمضان، أن البطالة في الولايات المتحدة قد انخفضت من الحد الأعلى، الذي وصلت إليه، فقد كانت في حدود 14 أو 15 إلى نحو 6 أو 8 في المئة، وقد يكون هذا الانخفاض غير كاف، فقد كانت البطالة في حدود 4 في المئة قبل تفشي الوباء. وتوقع استمرار هذه المشكلة في البلاد إلى ما بعد الانتخابات، كما توقع حدوث اختلاف في ما يتعلق بحجم الاهتمام بأرقام البطالة والنظرة تجاه معدلاتها قبل وبعد الانتخابات الأميركية.
القضايا المحلية
أما بالنسبة إلى القضايا المحلية في الولايات المتحدة فيقول رمضان، إنها عادة ما تُسلم للحكومات المحلية، وقد رأينا تهديدات الرئيس الأميركي لحكام بعض الولايات على خلفية الاضطرابات العرقية، التي أعقبت مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض، التي تخللتها عمليات نهب وتدمير في بعض الولايات، وكيف رفض حكام الولايات تهديدات ترمب بالتدخل، واستخدام القوة المركزية باعتبار أنه لا يمتلك صلاحيات التدخل في قراراتهم بحكم الدستور الأميركي باعتبار أنهم مُنتخبون.