أبقى البنك المركزي الأوروبي خلال اجتماعه سعر الفائدة في منطقة اليورو من دون تغيير عند صفر في المئة، والفائدة على الودائع بالسالب كما هي عند 0.5 - في المئة. كما أبقى على برنامج شراء سندات الدين لديه كما هو عند 1.6 تريليون دولار (1.35 تريليون يورو). فيما كان البعض يتوقع أن يعلن البنك عن حزمة تحفيز نقدي جديدة بحوالى نصف تريليون دولار لمساعدة اقتصادات دول منطقة اليورو على مواجهة تبعات الموجة الثانية من فيروس كورونا.
ولم يغير البنك توقعاته الاقتصادية السابقة التي تلحظ انكماشاً للاقتصاد في منطقة اليورو بنسبة ثمانية في المئة (بالسالب) هذا العام، ومعاودة النمو بنسبة خمسة في المئة العام المقبل 2021. بينما توقعات معدل التضخم كانت عند 0.3 في المئة في المتوسط في 2020، على أن تأخذ في الارتفاع العام المقبل لتصل إلى واحد في المئة.
ولم يتأثر سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، كثيراً بقرار البنك المركزي الأوروبي، إذ ظل مستقراً تقريباً في مقابل الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني. لكن البنك المركزي الأوروبي ذكر أنه ناقش ارتفاع قيمة اليورو في اجتماعه، مشيراً إلى أنه ليس بحاجة لتغيير السياسة النقدية الآن. وارتفع سعر صرف اليورو في مقابل الدولار الأميركي بنحو خمسة في المئة منذ بداية لعام الحالي حتى الآن. وغالباً ما ينظر إلى ارتفاع سعر صرف العملة الأوروبية على أنه تطور سلبي لدول اليورو التي تعتمد كثيراً على التصدير.
إلا أن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أعلنت أن مجلس إدارة المصرف سيعيد تقييم الوضع في ديسمبر (كانون الأول)، وتمنت ألا تؤدي إجراءات الوقاية من الموجة الثانية من فيروس كورونا إلى تبعات اقتصادية تتطلب تغييرات جذرية.
الاقتصاد العالمي
ويأتي موقف المركزي الأوروبي الخميس ليعزز التوقعات السائدة منذ اندلاع الموجة الثانية من الوباء، بأن أوروبا ستكون في مقدمة الاقتصاد العالمي في حال الركود المزدوج (ركود ثان في غضون هذا العام). أما تأجيل مجلس البنك الأوروبي اتخاذ أية إجراءات جديدة إلى ديسمبر، فيفهم منه أنه في انتظار ما سيحدث للاقتصاد في الربع الرابع والأخير من العام.
وترجح أغلب التقارير والدراسات من المؤسسات الدولية خلال الأسابيع الأخيرة أن الربع الأخير من العام (من أكتوبر حتى ديسمبر)، سيشهد تبخر بوادر الانتعاش الاقتصادي التي عرفها الاقتصاد العالمي في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز). وبالرغم من أن الأرقام الرسمية الصادرة من واشنطن الخميس تبدو إيجابية، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم نمواً بنسبة 7.4 في المئة في الربع الثالث من العام، وبمعدل سنوي يتجاوز 33 في المئة، إلا أن الاقتصاد الأميركي يظل أقل مما كان عليه قبل بدء أزمة كورونا.
وبغض النظر عن معدل التباطؤ في الاقتصاد الأميركي خلال الربع الرابع، والنمو الواضح في الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الأميركي، فإن الربع الأخير من العام ربما يدخل الاقتصاد العالمي ليس فقط في ركود مزدوج، بل في كساد ممتد على النمط الياباني، بحسب ما خلص إليه تقرير لوحدة استخبارات "إيكونوميست" صدر الخميس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق التقرير الذي يركز على اقتصادات دول مجموعة الـ 20 ودول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، فإن الاقتصاد العالمي مقبل على فترة طويلة من النمو البطيء وانخفاض التضخم وارتفاع الديون، وهو المزيج المثالي للكساد الاقتصادي.
وعلى مدى هذا العام وحتى الآن، بلغت قيمة برامج التحفيز الاقتصادي والدعم للشركات والأعمال في دول مجموعة الـ 20 ما يصل إلى 11 تريليون دولار، مما سيجعل متوسط معدل العجز في موازنة دول المجموعة عند 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلوغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 140 في المئة.
وتعتمد الحكومات في تمويل تلك البرامج على البنوك المركزية، وليس سندات الدين، وهي الطريقة التقليدية للاقتراض الحكومي لتمويل العجز. ولتوضيح حجم النقد الذي تطبعه البنوك المركزية لتمويل برامج التحفيز وشراء سندات الدين للشركات والأعمال، يشير التقرير إلى أن المصارف المركزية في الولايات المتحدة واليابان ودول منطقة اليورو وبريطانيا، استحدثت 3.7 تريليون دولار حتى الآن. وعلى سبيل المثال، استخدم الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) 1.3 تريليون دولار لشراء سندات دين حكومية، تساوي كل إجمالي عجز الموازنة الأميركية في 2019.
النموذج الياباني
ويفترض تقرير وحدة استخبارات "إيكونوميست" أن تستمر البنوك المركزية في استحداث النقد لتمويل الاقتراض الحكومي. وأوضح أن القاعدة الاقتصادية التقليدية ببروز مخاطر الدين العام حين يزيد حجمه عن نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لم تعد صالحة بعد أزمة الوباء. وربما يصبح الآن مستوى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 200 في المئة هو حد الخطر الجديد الذي يجعل المستثمرين يحجمون عن شراء السندات الحكومية.
ومع استمرار معدلات التضخم متدنية، وبالتالي الفائدة قرب الصفر، فإن قيمة الدين العام تقل وتصبح خدمته غير مكلفة، بل إن ذلك الدين يتلاشى مع معدلات نمو اقتصادي معقولة خلال سنوات. وحتى خشية البعض من ارتفاع معدلات التضخم مع عودة سوق العمل للانتعاش بعد الوباء (أي انخفاض معدلات البطالة) لم تعد مبررة. وكانت تبعات الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، مثالاً على أن تلك القاعدة التقليدية أيضاً لم تعد صالحة.
وهذا ما جعل التقرير يقارن بالنموذج الياباني للكساد طويل الأمد، الذي بدأ في العقد الأخير من القرن الماضي.
فبعد انفجار فقاعة الأسهم والسوق العقاري عام 1989، انهار الاقتصاد الياباني بشكل حاد ومفاجئ، ودخل الاقتصاد فترة كساد عميق وصفت بأنها "العقد الضائع" من 1991 إلى 2001. وحاولت الحكومة اليابانية زيادة النشاط الاقتصادي عبر التحفيز المالي كي يعاود الناتج المحلي الإجمالي النمو، لكن تلك الإجراءات فشلت في تحقيق هدفها بعدما رفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حتى 240 في المئة. وظل الطلب متواضعاً جداً، وبالتالي لم يرتفع معدل التضخم.
هذا الثالوث المسموم من بطء نمو الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدلات التضخم، وارتفاع حجم الدين، ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي على وشك التكرار الآن بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل. ويزيد من ذلك الاحتمال التوقعات بأن يكون أداء الاقتصاد العالمي خلال الربع الرابع والأخير من العام أضعف من الربع الثالث.