عقدت مصر "أسبوع القاهرة الثالث للمياه" تحت شعار "الأمن المائي من أجل السلام والتنمية في المناطق القاحلة"، الذي تركّز على تشجيع الابتكارات والمشاريع المتعلقة بمواجهة تحديات أزمات المياه التي تشهدها المنطقة جراء عوامل عدة، من بينها تغيّر المناخ والنزاعات السياسية حول الأنهار الدولية.
الاتحاد الأوروبي كان من بين الهيئات الدولية الكبرى المشاركة في الحدث الذي نظم الأسبوع الحالي، إذ يعدّ شريكاً رفيعاً لمصر في مجال إدارة المياه من خلال 20 برنامجاً تغطّي 14 محافظة، بمِنح مباشرة تقدّر قيمتها الإجمالية بحوالى 500 مليون يورو، ضمن حِزم تمويلية ميسّرة تبلغ ثلاثة مليارات يورو في القطاع. وفي هـذا الإطار، استضاف سفير الاتحاد الأوروبي لدى القاهرة، كريستيان برجر، مائدة مستديرة مع عدد من الصحافيين، تحدّث خلالها عن التعاون بين مصر والاتحاد والمجالات التكنولوجية الحديثة في إدارة المياه ومشاريع تحليتها.
سد النهضة
تعتمد مصر على نهر النيل لسدّ أكثر من 90 في المئة من حاجاتها المائية، وتواجه بالفعل ضغوطاً مائية كبيرة، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المادة الحيوية حوالى 560 متراً مكعباً سنوياً، الأمر الذي يضع البلد في قائمة الدول التي تعاني من الشح المائي وفقاً للمعايير الدولية، وهو ما لفت إليه وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال جلسة عقدها مجلس الأمن في يونيو (حزيران) الماضي عن تعثّر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تبنيه الأخيرة على النيل الأزرق ويهدّد حصّة دول المصب من مياه نهر النيل.
وقد تدخّل الاتحاد الأفريقي بعد جلسة مجلس الأمن، في النزاع المستمر منذ ما يقرب من عقد، وسط جولات من المفاوضات الفاشلة التي انتهت برفض الجانب الإثيوبي توقيع اتفاق ملزم حول قواعد ملء السد وتشغيله. وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت أديس أبابا ملء خزان السد بشكل أحادي على الرغم من استمرار جولات التفاوض على المستوى الأفريقي. غير أن الجولة الأخيرة من المحادثات، بمراقبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومفوضية الاتحاد الأفريقي، في أواخر أغسطس (آب)، انتهت من دون التوصّل إلى توافق في الآراء بشأن نقاط الخلاف القانونية والفنية.
مراقبة أوروبية
في هـذا الصدد، قال برجر ردّاً على أسئلة "اندبندنت عربية" بشأن جدوى استمرار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، إن "الاتحاد الأوروبي يراقب المفاوضات بالفعل، إذ يرغب في تحقيق نتائج إيجابية منها وينتظر نتائجها وسيواصل دعمها". وأضاف أن الوقت حان للتوصّل إلى حلّ لتعزيز الاستقرار الإقليمي وخلق فرص استثمار ضرورية في المنطقة.
وفيما رفض السفير التعليق على سؤال بشأن تعارض مبدأ الدبلوماسية الوقائية مع تمويل الاتحاد الأفريقي لمشاريع ضمن مبادرة حوض النيل باعتبارها تدعم إطاراً غير شامل، وهي المشاريع التي احتجّت عليها مصر خلال السنوات الماضية، قال "نحن هنا لندعم العملية السياسية ونساند الأطراف كافةً للتوصّل إلى حل للقضية"، مضيفاً أن الشركاء الأوروبيين مستعدون للمساهمة بقدر ما يستطيعون في الوقت الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت برجر إلى أنه كان مسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط في بروكسل بين أعوام 2011 و2016، حين كانت قضية سد النهضة مطروحة بالفعل. وأضاف، "باعتباري كنت مراقباً في هذه الفترة، اطّلعت على مخاوف مصر". وقال، "نرحّب بالمشاركة المستمرة للقاهرة في هذه المناقشات إلى جانب جميع الأطراف الأخرى، وبالطبع نحن نؤيّد كثيراً جهود رئيس الاتحاد الأفريقي، الذي أعتقد أنه يلعب دوراً مهماً... الأمر متروك للأطراف للتوصّل إلى حلّ... بمجرّد حصول اتفاق، سنكون منفتحين أمام دعم الدول الثلاث"، معتبراً أن هناك الكثير من الفرص الاستثمارية في المنطقة.
تحلية المياه
بحسب دراسة أصدرها "الاتحاد من أجل المتوسط" العام الماضي، فإن منطقة المتوسط التي تعيش فيها 500 مليون نسمة، هي واحدة من أكثر مناطق العالم تضرراً بظاهرة الاحتباس الحراري، وثاني أكثر المناطق بعد القطب الشمالي تأثراً، وإحدى التبعات المحتملة زيادة معدّل الفقر المائي في كل حوض المتوسط، إضافة إلى تأثر التنوّع البيولوجي وكمية الأسماك.
وتحدث السفير الأوروبي خلال اللقاء عن مصر كشريك استراتيجي لأوروبا، ما ينعكس على التعاون مع الهيئة الأوروبية، قائلاً إن القاهرة لديها القدرة على أن تكون مركزاً إقليمياً مهماً في نقل المعرفة في مجالات الري والمياه وكيفية جعل الأخيرة مورداً مستداماً. وسلّط الضوء على مشاريع تحلية المياه، إذ زار محطة للتحلية في منطقة برج العرب في الإسكندرية تعمل بالطاقة الشمسية.
وردّاً على السؤال حول احتمال أن تشكّل عمليات تحلية المياه حلاً عملياً لأزمة الشح في مصر، مع الأخذ في الاعتبار التكلفة المادية الباهظة، أوضح برجر أنه بفضل التقدّم الذي أحرز في مجال تكنولوجيا هذه العملية، أصبحت التكلفة أقلّ، لذا تلجأ إليها الكثير من الدول. ولفت إلى أن البلاد تتمتّع بموارد متنوعة للطاقة، مشيراً إلى ما وصفه بـ"التعاون المثير للاهتمام" الذي يجمع بين الطاقة الشمسية وتحلية المياه في منشأة برج العرب، وهو نجاح بارز يمكن البناء عليه.
وكانت الحكومة المصرية أعلنت العام الماضي خطة قومية لمواجهة نقص المياه في البلاد بتكلفة 50 مليار دولار حتى عام 2037، تشمل إنشاء حوالى 39 محطة لتحلية مياه البحر بتكلفة إجمالية 29.3 مليار جنيه وبقدرة 1.4 مليون متر مكعب من المياه يومياً.
وتظل الأولية في التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي متعلّقة بتحسين وإقامة شبكات للمياه والصرف الصحي، التي يتم استخدامها في الري. وبحسب برجر، فإن خطة الاستثمار الأوروبي تنطوي على إقامة شبكات تبلغ حوالى 12 ألف كيلومتر، بينما سيتم إنشاء أو توسيع حوالى 130 محطة معالجة لمياه الصرف الصحي و75 محطة تنقية للمياه.
الخلاف حول سد النهضة
وفي ما يتعلق بالخلاف حول سد النهضة، تتطابق مواقف مصر والسودان حول ضرورة عقد اتفاق ملزم خاص بقواعد ملء خزان السد وتشغيله، بما يشمل كمية المياه التي ستصل إلى دول المصب في فترات الجفاف عند تعارض حاجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه إلى البلدين وكيفية حل أي خلافات مستقبلية.
وخلال كلمه مسجلة ألقاها في افتتاح أسبوع القاهرة للمياه، الأحد، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن بلاده حريصة كل الحرص على استمرار عملية التفاوض للوصول إلى ذلك الاتفاق الملزم.
وفي جلسة مجلس الأمن في يونيو، حثّ ممثل السودان لدى الأمم المتحدة عمر صديق، رؤساء الدول الثلاثة على إظهار إرادتهم السياسية والتزامهم بحلّ القضايا المتبقية والتصديق على اتفاقية قانونية. وطالب بردع أي طرف يتّخذ إجراءً من شأنه عرقلة جهود الاتحاد الأفريقي نحو تحقيق السلم والأمن.
لكن إثيوبيا ترفض توقيع أي اتفاق قانوني ملزم بشأن السد، الذي تقول إنه سيوفّر الكهرباء "لأكثر من 65 مليون شخص يعيشون حالياً في الظلام الدامس".
كما تراجعت عن اتفاق إعلان المبادئ الذي يلزم الدول الأفريقية الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لملء السد وتشغيله، إذ أبلغت مجلس الأمن في رسالة في 14 مايو (أيار) الماضي، بأن "ليس لديها الالتزام القانوني بالسعي إلى الحصول على موافقة مصر لملء السد".
وتنصّ المادة 5 من إعلان المبادئ على أنه يتعيّن على الدول الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء السد وتشغيله، الذي يمكن أن ينتج 6 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، قبل البدء بعملية ملء الخزان لتجنّب الإضرار بمصالح دول الجوار.