حوّل فيروس كورونا قاعات السينما من مكان نلوذ به عند الشعور بالملل من مشاهدة عروض الأفلام على أجهزتنا اللوحية، إلى وجهة نفكّر أكثر من مرة قبل زيارتها، إذ إن الكائن المجهري الذي يتربّص بنا يزداد خطره في الأماكن المغلقة.
وعلى الرغم من مرارة تفويت أحدث الأفلام كمشاهدين، فإن الأمر أكثر قسوةً بالنسبة لمالكي المسارح الذين خسروا ملايين الدولارات بسبب الإغلاق التام، وهكذا انضمت دور السينما إلى قطاعات عديدة تعرّضت إلى واحدة من أشدّ الضربات الاقتصادية في تاريخها.
لكن بصرف النظر عن آثار الوباء وعزلته الخانقة، يجدر بنا اليوم أن نقدّم امتناننا له، فالمشاكل التي أحدثها، حرّضت العقل البشري على البحث عن حلول، ومن نتائج ذلك أن اتجهت دور العرض السينمائية إلى تبني أفكار مبتكرة لإعادة الألوان إلى الشاشة الكبيرة، وسط مخاوف الأفراد من التجمّعات.
سينما السيارات
في مرحلة مبكرة من انتشار الوباء في الولايات المتحدة، أُعيد إحياء ما يُعرف بـ "سينما السيارات"، وهي فكرة أميركية الأصل، تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وتوسّعت أخيراً كإحدى الحلول القديمة الجديدة لمعالجة تداعيات إغلاق دور السينما، حتى تتوصّل الجهات الصحية إلى الطرق المثلى لإعادة الفتح بطاقة استيعابية كاملة.
وبحسب موقع أكاديمية نيويورك للأفلام، انطلقت سينما السيارات على يد ريتشارد هولينغسهيد عام 1933، حين تبناها كحل للأشخاص غير القادرين على الجلوس في مقاعد السينما لأنها صغيرة وغير مريحة بالنسبة إليهم. وفي الآونة الأخيرة، اتّجهت دور العرض إلى التوسّع بنصب شاشات عملاقة في الهواء الطلق، والسماح للناس بمشاهدة أحدث العروض على متن مركباتهم.
تأجير دار سينما
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعدّ استئجار قاعات السينما للمناسبات الشخصية مثل عرض تقديمي أو حفلة عيد ميلاد، أمراً رائجاً في الولايات المتحدة، لكن اليوم لم يعد يهم أن يكون لديك نشاط استثنائي تودّ إقامته، فمشاهدة فيلم بمقاييس وأجواء مشابهة لتلك ما قبل الجائحة، لا تقل تفرداً.
ويمكن أن يكون استئجار قاعة عرض خاصة هو الحلّ الأنسب للحصول على تجربة مثالية وآمنة من فيروس كورونا، لاسيما لأولئك الذين تتوق أرواحهم إلى تفاعل الجمهور، وضحكات الأصدقاء المكتومة متراصين في صف واحد، وحتى الفترات الإعلانية المقلقة.
وهذا ما ذهبت إليه أكبر سلسلة دور سينما في العالم "إيه أم سي" (AMC)، إلى جانب عدد من الشركات التي أتاحت للعملاء استئجار قاعاتها للعروض الخاصة بأسعار تنافسية، مع تفشي جائحة كوفيد-19 التي غيّرت طبيعة الأنشطة الترفيهية وأعادت النظر بكيفية إقامتها.
أسعار تنافسية
وإذا بدا لك الانفراد أنت وأصدقاءك وعائلتك بقاعة خاصة، ترفاً أو خياراً لن يناسب إلا الأثرياء، فقد تكون مخطئاً، إذ إن الأسعار تبدأ من 99 دولاراً، باستثناء الضرائب، وترتفع إلى 349 بحسب الفيلم وموقع المسرح وأي إضافات أخرى، مثل الطعام والمشروبات.
ولتجربة أكثر إثارة وحميمية، تتيح "إيه أم سي" استئجار لاقط "ميكروفون" للترحيب بالضيوف مقابل رسوم إضافية قدرها 100 دولار، وسيكلّف التأخّر عن دخول القاعة 250 دولاراً، وفقاً لصفحة الأسئلة الشائعة في موقع الشركة الإلكتروني.
معركة البقاء
تعتبر الأسعار الجديدة لاستئجار قاعة سينمائية أرخص من السابق، وهذا يعود إلى الخسائر التاريخية الناجمة عن تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة، بعد تسجيلها أكثر من ثمانية ملايين إصابة، في وقت يسعى مستثمرو دور عرض الأفلام إلى إبقائها واقفة على قدميها حتى نهاية العام.
وانخفضت عائدات سلسلة "إيه أم سي" إلى 941.5 مليون دولار، أي بنسبة 22 في المئة تقريباً مقارنةً بأرقام الربع نفسه من العام الماضي، والتي بلغت 1.2 مليار دولار، وفقاً لإحصاءات رسمية في يونيو (حزيران). وأوضحت الشركة التي تأسّست عام 1920، في تقارير قدّمتها للجهات المعنية، أنها أغلقت جميع مسارحها وأوقفت عملياتها مؤقتاً في جميع أنحاء العالم حتى يونيو امتثالاً لإجراءات التصدي للوباء. وتسود توقّعات بأن تستنزف السلسلة الشهيرة كل مواردها النقدية بنهاية العام الحالي.
تأجيل العروض
إلى ذلك، واصلت استوديوهات هوليوود تأجيل عرض أفلامها الجديدة، ومنها "Wonder Woman 1984"، أحد إنتاجات "وارنر برذرز". ووفقاً لشبكة "سي إن إن" الأميركية، فقد انعكست هذه التحوّلات على ازدياد عدد المشاهدين الذين يستخدمون خدمات البث بشكل كبير منذ دخول الناس العزل في مارس (آذار) الماضي. وبحسب إحصاءات شركة نيلسون، يمكن أن يؤدي البقاء في المنزل إلى زيادة بنسبة 60 في المئة بنشاط البث.
وقال جيف بوك، كبير المحللين في شركة الأبحاث الترفيهية "Exhibitor Relations"، لـ "سي إن إن"، في وقت سابق، إن دور السينما ستستمرّ في التأثر بشدة إذا ظلت هذه الاتجاهات. وأضاف، "علينا أن نستعدّ للحتمية المتمثلة في عدم نجاة بعض السلاسل إذا بقي هذا الوضع إلى الصيف المقبل".
ومنذ تفشي فيروس كورونا، اتجهت شركات الإنتاج إلى ترحيل عرض أفلامها إلى العام المقبل، بسبب إغلاق المسارح الذي امتدّ أشهراً. وعلى الرغم من عودة الحياة إلى طبيعتها في دول كثيرة، فإن خوف الأفراد من ارتياد دور السينما لا يزال قائماً.
قد يعتقد البعض أن الحلول الجديدة التي يتبناها القائمون على دور العرض السينمائية، تنبع من رغبة في جذب أكبر قدر ممكن من الأرباح، لكن الحقيقة المرّة أنها ابنة غريزة البقاء، فما يشغل مستثمرو هذا القطاع اليوم هو كيفية تجاوز تحديات الوباء، والاستمرار في السوق بأقل الخسائر.