Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حادثة فرنسا تتفاعل: تنديد عربي ومناداة بوقف ازدراء رموز الأديان

هل يمكن تبرير الإرهاب بإهانة المقدسات أو العكس؟ جدل حُسم قانونياً ولا يزال يتجدد شعبياً

اعتادت أكثرية المؤسسات والدول العربية ذات الثقل أن تندد بالإرهاب أينما وقع من دون قيد أو شرط، إلا أن الصراع الأيديولوجي الذي تأجج أخيراً في فرنسا على خلفية انتقادات الرئيس إيمانويل ماكرون اللاذعة للإسلام والعمليات الإرهابية في باريس وضواحيها، أضافت إلى الإدانة "ولكن"، التي ظلت تثير الجدل منذ أن ضربت القاعدة أبراج مانهاتن في 11 سبتمبر (أيلول) قبل بضعة عشر عاماً. إلا أن "لكن" الجهات المعتدلة تقف على النقيض من أخرى التي يطلقها المتشددون على وجه تبرير أعمال التطرف والعنف. فالنسبة إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب، فإن التصريحات غير المسؤولة من أطراف غربية ضد الإسلام كدين بحثاً عن مكاسب سياسية؛ قد توهن من صلابة الموقف ضد التشدد، وتؤجج الكراهية مجدداً. 

ما خشي منه الأزهر

قال شيخ الأزهر تعليقاً على تصريحات الرئيس الفرنسي قبل نحو أسبوعين من دون أن يسميه، إنه "في الوقت الذي نسعى فيه مع حكماء الغرب لتعزيز قيم المواطنة والتعايش، تصدر تصريحات غير مسؤولة، تتخذ من الهجوم على الإسلام غطاءً لتحقيق مكاسب سياسية واهية، هذا السلوك غير الحضاري ضد الأديان يؤسس لثقافة الكراهية والعنصرية ويولد الإرهاب".

ما خشي منه الطيب الذي يلقب في مصر بالإمام الأكبر، ليس من قبيل التخمين، فما إن شهدت إحدى ضواحي باريس قطع رأس معلم في إحدى المدارس وتعليقه أمام مدرسته، حتى هبت إلى جانب الأصوات المنددة بالعملية البشعة، أصوات أخرى تربطها بنشر الرسوم المسيئة لنبي المسلمين، وتصريحات ماكرون الذي دافع عنها، ثم زاد على ذلك باعتبار "الإسلام ديناً يعيش أزمة في كل العالم"، قبل أن يستدرك بأن المشكلات المرتبطة بالدين المذكور، هي من فعل تفسيرات ضيقة صادرة عن جماعات بعينها، كان سبق للرئيس أن نعتها بـ"الإسلاموية" التي تهدد علمانية الجمهورية.

وهذا ما دفع دولة مثل السعودية التي تضم أكبر تحالف من حيث العدد لمحاربة الإرهاب، إلى التذكير بأن ازدراء الأديان عمل مُدان، في سياق تنديدها بعملية قطع الرأس، تشبه أفعال داعش التي تبنت قبل أسابيع طعناً في باريس أيضاً، تمت إدانته عربياً بشدة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المعتدلون أمام مواجهتين

وقالت الخارجية السعودية في تغريدات على "تويتر"، إنها "تدين وتستنكر عملية الطعن الإرهابية التي وقعت بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وأودت بحياة مواطن فرنسي"، معربة عن تضامنها مع الجمهورية الفرنسية "جراء الجريمة النكراء، وتقدم العزاء والمواساة لذوي الضحية وللحكومة والشعب الفرنسي الصديق"، لكن الخارجية أضافت أن موقفها الرافض للعنف والتطرف يشمل "جميع أشكاله وصوره ودوافعه"، مجددة في هذا السياق دعوتها إلى "احترام الرموز الدينية والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان".

وهكذا، صارت الأطراف الإسلامية المعنية بمحاربة الإرهاب، تجد نفسها مضطرة لخوض معركتين في وقت واحد، ضد نوازع التطرف الإسلامي، ونظيره اليميني، الذي يتردد أن البحث عن استمالة بعض المتعاطفين معه، يدفع زعماء مثل ماكرون إلى تصعيد اللهجة ضد الإسلام بما يعتقد الأزهر أنه يزيد المسألة تعقيداً، وإن اعتبر جريمة قطع رأس المعلم "جريمة لا يمكن تبريرها".

وأكد الأزهر "إدانته الحادث الإرهابي الذي وقع في العاصمة الفرنسية باريس الجمعة الماضية، وأسفر عن قيام شخص متطرف بقتل مدرس وقطع رأسه، ورفضه هذه الجريمة النكراء وجميع الأعمال الإرهابية"، مشدداً على أن "القتل جريمة لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال". 

وأكدت المؤسسة المصرية العريقة إلى جانب ذلك، دعوتها إلى "نبذ خطاب الكراهية والعنف ووجوب احترام المقدسات والرموز الدينية والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان، وضرورة تبني تشريع عالمي يجرم الإساءة للأديان ورموزها المقدسة"، كما دعا الأزهر الجميع إلى "التحلي بأخلاق وتعاليم الأديان".

الرسوم لا تبرر قطع الرؤوس

أما رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد الموسوي، فقال إن حادثة قطع الرأس أشعرت المسلمين في الجمهورية بـ"صدمة جديدة، إزاء جريمة القتل البربرية التي راح ضحيتها مدرس في إحدى الإعداديات"، داعياً إلى التعبئة بقوة ضد "الظلامية والكراهية والعنف". 

وبالنسبة إلى موسوي فإن الذين "يبحثون عن سبب للجريمة من خلال استخضار الرسوم الكاريكاتورية لنبي الإسلام، فإننا نجدد التأكيد أنه لا يوجد شيء يبرر إطلاقاً قتل رجل"، وفقاً لتغريداته على حسابه في "تويتر"، بعد الحادثة التي هزت البلاد بأكملها، وجرى إيقاف تسعة أشخاص من جانب القضاء الفرنسي على خلفيتها، بعد مقتل الجاني في تبادل إطلاق النار مع الشرطة، قبل أن يتبين وفق الإفادات الأمنية أن القاتل من أصل شيشاني، فاخر بفعلته على الإنترنت. 

وتعيش فرنسا التي تضم 10 ملايين فرنسي مسلم صراعاً بين اليمين واليسار الفرنسيين، أصبح الإسلام إحدى ملفاته، خصوصاً بعد أن شهدت الجمهورية العلمانية عمليات إرهابية دامية، أججت الكراهية ضد الديانة المحسوبة على منفذي تلك العمليات، وسط استماتة دول إسلامية مثل السعودية ومصر والمغرب والإمارات، في فك الارتباط بين أفعال الإرهابيين والإسلام، وتخفيف حدة التوتر الذي يقال إن اليمين المتطرف والراديكالية الإسلامية تعيشان على تأجيجه. 

هل المسلمون مستهدفون؟

كانت فرنسا قد أقرت مشروع قانون جديد، رأى مسلمون فرنسيون أنه يستهدفهم، فيما تقول فرنسا إنه سعي منها لحماية علمانية البلاد، وليس موجهاً ضد أي دين. وجاء القانون متزامناً مع هجوم دموي على مسجد (بايون) Bayonne نفذه سياسي من اليمين المتطرف، وراح ضحيته رجلان مسنان، من أفراد الجالية المسلمة، أحدهما عمره 78 عاماً، والآخر 80 عاماً، وصادق عليه مجلس الشيوخ الفرنسي في قراءته الأولى.

يهدف مشروع القانون إلى إجراء بعض التغييرات في "قانون التربية الوطنية" وإلى توسعة قانون مارس (آذار) 2004 الذي يمنع ارتداء الحجاب الإسلامي على البنات المسلمات في المدارس العمومية.

وتضمن مشروع القانون الذي تعهد الرئيس ماكرون أخيراً بدعمه "منع المسلمات المتحجبات من مرافقتهن التلاميذ أثناء النزهات المدرسية، ومن المشاركة في النشاطات المدرسية المتعلقة بالتعليم، سواء داخل أو خارج المؤسسات المدرسية"، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المرصد الفرنسي لقضايا الإسلام.

لكن الباحث الفرنسي من أصول مغربية محمد اللوزي، أكد أن المسلمين في فرنسا يتمتعون بالحرية، وإن كانوا ضحية أحد فهو "جهلهم وتواطؤهم الصامت مع تيارات الإسلام السياسي". 

وقال "فرنسا ومؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تعامل المواطنين المسلمين تماماً بالعدل والقسط كما يعاملون باقي المواطنين. فرنسا تحفظ لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة. على هؤلاء المواطنين المسلمين أن يحرروا الولاء لفرنسا، وأن يتبرأوا من الإسلاميين ويعلنوا المفاصلة التامة والكاملة مع الإسلام السياسي التخريبي قولاً وعملاً". 

ورأى أن عليهم أن "يطردوا الإسلاميين من منابر المساجد، وأن يمتنعوا عن دفع التبرعات والصدقات والزكاة لمؤسسات الإخوان المسلمين. عليهم أن يتراجعوا عن الإيمان بعقيدة الدواعش وبفقه الدواعش القرأوسطي. نعم، إنهم مسؤولون أمام فرنسا وأمام الناس والتاريخ عن كل الإمدادات المادية والمعنوية التي أعطوها للإسلام السياسي. بإمكانهم التراجع عن ذلك إن شاؤوا متى شاؤوا. المجتمع الفرنسي لا ينتظر من المسلمين خطاب المظلومية، بل ينتظر منهم خطاب المسؤولية".

نتائج الاستثمار في الكراهية

واعتبر اللوزي استهداف المعلم في الضاحية الباريسية، وإرهاب الساكنة بتعليق رأسه "عملاً ليس نشازاً أو معزولاً، بل يأتي في سياق مدروس من طرف جماعات الإسلام السياسي منذ ما يربو على أربعين سنة. منظرو (التمكين) الإسلاموي الإخواني داخل الفضاء العلماني الفرنسي يعملون منذ زمن على خلق والاستثمار في حالة الاحتقان المشحون بكراهية فرنسا، ومبادئها وقيمها وقوانينها ومؤسساتها التشريعية والتنفيدية والقضائية والتعليمية. حالة الاحتقان تلك التي تصب في صالح مشروعهم الانفصالي الساعي إلى بلقنة الجمهورية وتفجيرها من الداخل".

من جهته، يؤكد شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن اتهام المسلمين بالإرهاب، لا يحل المعضلة، مشيراً إلى أنهم "بُناة حضارة في كل مكان وجدوا به حتى في قلب أوروبا، والآن هم ضحايا الكيل بمكيالين في عدد من هذه البلدان. وصف الإسلام بالإرهاب ينم عن جهل بهذا الدين الحنيف، ومجازفة لا تأخذ في اعتبارها احترام عقيدة الآخرين، ودعوة صريحة للكراهية والعنف، ورجوع إلى وحشية القرون الوسطى، واستفزاز كريه لمشاعر ما يقرب من ملياري مسلم". 

ماكرون: لن تنتصر الظلامية

إلى ذلك، زار ماكرون مكان الاعتداء، ووصفه وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه "هجوم إرهابي إسلاموي، وعلى الأمة بكاملها الوقوف إلى جانب المدرسين من أجل "حمايتهم والدفاع عنهم". وأضاف "علينا أن نقف سداً منيعاً. لن يمروا. لن تنتصر الظلامية والعنف المرافق لها". وفي الجمعية الوطنية، وقف النواب تحية لـ"ذكرى" المدرس، وتنديداً بـ"الاعتداء البغيض".

ويأتي هذا الاعتداء بعد ثلاثة أسابيع من هجوم بآلة حادة نفَّذه شاب باكستاني يبلغ 25 عاماً أمام المقر السابق لـ"تشارلي إيبدو"، أسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة. وقال منفذ الاعتداء للمحققين إنه قام بذلك رداً على إعادة نشر "شارلي إيبدو" للرسوم الكاريكاتورية.

وعبرت الصحيفة على "تويتر" عن "إحساسها بالرعب والغضب عقب اغتيال مدرس يمارس مهنته من طرف متعصب دينياً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير