Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عيد "أكيتو"... السريان يحتفلون بوجودهم في سوريا

تعود المناسبة إلى زمن الملك البابلي مردوخ الذي هبط إلى العالم السفلي لمحاربة الشرّ

​أعضاء فرقة أورنينا للفولكلور السرياني (اندبندنت عربية)

بعبارة "أكيتو بريخو"، أي عيد تجدد مبارك، يستقبل الشعب السرياني الآشوري الكلداني عيده القومي الأبرز، الذي يصادف 6769 للسنة البابلية. ففي إحدى صالات الأفراح المغلقة في مدينة الحسكة، نظمت الجمعية الثقافية السريانية احتفالية حضرتها وجوه بارزة من الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها. كذلك جرت احتفالات مشابهة في القامشلي وتل تمر وأماكن أخرى في الجزيرة السورية.

يقول إبراهيم جرجس، مسؤول الجمعية الثقافية السريانية في سوريا، إن تسميات الكلدان والآشور والسريان اكتُسِبت في فترات تاريخية مختلفة، إلا أنها تشير إلى شعب واحد يقطن منذ سبعة آلاف سنة في منطقة ما بين النهرين "مزوبوتاميا"، وأن أصل لغتهم سامية واحدة انقسمت قبل الألف الثالث قبل الميلاد شرقية وغربية (شرق الفرات وغربه): الآراميون في الغرب والبابلون في الجنوب الشرقي والآشوريون في الشمال الشرقي. ويشير إلى أن القرآن الكريم كُتب بالخط الآرامي النبطي. وبسبب التراكم التاريخي تلاقحت ثقافات هذه الشعوب ولغاتها مع الجوار.

خلفية تاريخية

تعود مناسبة عيد "أكيتو"، أي الوجود أو البداية، إلى زمن الملك البابلي مردوخ الذي هبط إلى العالم السفلي لمحاربة الشرّ، وفق الأسطورة، ونزلت زوجته سوريا نوترا لإنقاذه ليعود إلى الحياة. وكان العيد يمتد طوال 12 يوماً، تبدأ من 21 مارس (آذار) وتنتهي في 1 أبريل (نيسان). ويؤكد رئيس الجمعية الثقافية أن هذا العيد انتشر في الشرق وأوروبا، حتى في أميركا الجنوبية، لكن طقوسه اختلفت بين شعب وآخر.

يعيش السريان الآشوريون في قرى الخابور، بدءاً من معظم مدن الجزيرة حتى  الرقة والشدادي ودير الزور. وكان أكبر تجمع لهم في مدينتي الحسكة والقامشلي، ويراوح عدد العائلات القاطنة في هاتين المدينتين بين 40 و 50 ألفاً، لكن حوالي 60 في المئة منها هاجرت إلى الدول الأوروبية، بسبب الأزمة التي عصفت بالبلاد، في حين أن 90 في المئة من السكان الذين لبثوا في سوريا يعيشون في مناطق الإدارة الذاتية، وفق جرجس. ويتحسر جرجس على فئة الشباب التي تركت البلاد بسبب الحرب، وهي الشريحة الأكبر من السريان، مشيراً إلى أن الدول الأوروبية شجعت المسيحيين على الهجرة مسهلةً لهم الإقامة فيها. لكن جرجس يأمل عودة المهاجرين في حال استقرار الأوضاع في البلاد.

انقسام داخلي

ينقسم الانتماء السياسي للسريان الآشوريين في الجزيرة السورية ثلاث جهات. فهناك المؤيدون للنظام في دمشق، إذ كانت غالبيتهم من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي ومناصريه، قبل بدء الأزمة السورية. وآخرون، وهم الغالبية الآن، مؤيدون للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، بالإضافة إلى حزب المنظمة الآثورية الديمقراطية المنضوية تحت سقف قوى الائتلاف السوري المعارض. ويشير جرجس إلى أن الفئة الموالية للنظام شجعت على تمسك المسيحيين السريان بالنظام إبان انتشار حالات الخطف المنظم في العام 2012، مدّعين أن ضعف السلطة المركزية سيزيد من هذه الحالات.

أما المجلس القومي لبيث نهرين، الذي يتخذ من السويد مقرّاً له، فهو المظلة السياسية لكل أبناء الشعب السرياني الكلدو آشوري، وإليه تنتمي غالبية المؤسسات والتنظيمات المنضوية في الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، باستثناء المنظمة الآثورية الديمقراطية وشخصيات على صلة بمؤسسات النظام. إلا أن هذه الأطراف مجتمعة وقعت في ما بينها أخيراً وثيقة من 16 بنداً، تشجع على الاتفاق على المطالب وأهمية الوجود السرياني في المنطقة.

المجلس العسكري السرياني

يقول خابور آكاد، وهو مقاتل في المجلس العسكري السرياني المنضوي تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إن المجلس أُسس في 8 يناير (كانون الثاني)2013، بعد دخول فصائل الجيش الحر ذات التوجه الإسلامي المتشدد وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة إلى المناطق التي يقطنون فيها، فاضطروا إلى حمل السلاح والوقوف مع مكونات المنطقة الأخرى لحمايتها، بعدما تعرضت قراهم للتهديد المباشر.

وشارك المجلس في معارك عدة حتى اندماجه تحت راية "قسد"، ومشاركته أخيراً في معارك الباغوز ضد تنظيم "داعش". وتحدثت فتاة شقراء بملامح غربية بلهجة "ميردلية"، وهي اللغة العربية المحكية في مناطق ماردين، عن تشكيل قوى الأمن الداخلي التابعة للسريان في المنطقة والمعروفة بـ "سوتورو"، والمؤلفة من الرجال والنساء، لا سيما في القامشلي والحسكة وتل تمر وديريك. وتلفت إلى أنهم يتبعون قوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها.

مشاركة نسائية فاعلة

تشارك نساء من السريان مشاركة فاعلة في مؤسسات الإدارة الذاتية، خصوصاً أن مؤسسات سريانية خاصة بزيادة مشاركة النساء استحدثت منذ تشكيل هذه الإدارة. وتقول إلهام مطلي، وهي مسؤولة في الاتحاد النسائي السرياني، إن حزب الاتحاد السرياني كان موجوداً قبل تأسيس الإدارة الذاتية، إلا أن بضع مؤسسات أخرى كالاتحاد النسائي السرياني وجمعية عشتروت وروضات والمرأة الشابة وغيرها لم تكن قائمة في وقت سابق.

التعليم باللغة الأم

كانت اللغة السريانية تستخدم في الطقوس والتراتيل سابقاً. إلا أنها، في ظل الإدارة الذاتية ونتيجة جهود منظمة "أولف تاو" الخاصة بالسريان، أُدرجت حصص أخرى في المدارس الخاصة بالسريان، و"نسعى الآن إلى أن تكون لغة رسمية معترفاً بها"، وفق مطلي. وتقول سهام قريو، الرئيسة المشتركة للمجلس العام للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، إن هدفهم الأساس هو البقاء في البلاد، لا سيما أن كثيرين سعوا إلى  تهجيرهم من قراهم إلى خارج. أضافت "الظروف الحالية ساعدت على ممارسة خصوصيتنا القومية، لأن مبادئ الإدارة الذاتية تسمح بحرية التعبير. كما أننا نود تعميم هذه التجربة ليس في البلاد فحسب، بل أيضاً في عموم منطقة الشرق الأوسط".

المزيد من تحقيقات ومطولات