Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تهمل لندن صحة الاقتصاد في جائحة كورونا؟

في وقت يُبحث في احتمال حجر جديد على المستوى الوطني يقول البعض إن الحكومة البريطانية لا تقر بالمفاضلة بين سبل العيش الاقتصادية والصحة العامة

يرى كثيرون أن الفشل في القضاء على الفيروس يؤدي إلى ارتفاع معدلات العدوى والوفيات وأن هذا ايضا يلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد  (رويترز)

لا يعتقد أعضاء المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ بأن الحكومة تفعل ما يكفي لاحتواء انتشار فيروس كورونا.

لكن كثراً في أوساط حزب المحافظين يشعرون بأن القيود الجديدة المفروضة في الأيام الأخيرة مبالغ فيها، ويزعمون أنها ستضر كثيراً بالاقتصاد البريطاني. ويشكون من أن [الحكومة] لا تُوازن على نحو مناسب بين نصيحة العلماء وبين نصيحة الاقتصاديين وأصحاب الأعمال.

ويبدو أن هذا يشي بتوتر داخل الحكومة أيضاً، حيث يُقَال إن وزير المالية أدى دوراً قيادياً في رفض اقتراح تقدمت به قبل ثلاثة أسابيع المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ وقضى بإغلاق وطني في مثابة "قابس يقطع الكهرباء [يقطع دوائر تفشي العدوى]" short circuit متذرعاً بأثره الضار في الاقتصاد.

هل وجهة نظر منتقدي القيود الجديدة سديدة؟ وهل تخفق الحكومة في الإقرار بترجيحها كفة الصحة العامة على كفة الاقتصاد في هذه المرحلة من الجائحة؟ وهل يعطي رئيس الوزراء من دون مبرر الأولوية لمكافحة الفيروس على حساب الحفاظ على صحة الاقتصاد؟

قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، يجدر فصل هذه المسألة عن النقاش حول ما إذا كانت بعض السياسات، مثل فرض حظر للتجول بدءاً من الساعة العاشرة مساء على الحانات، فاعلة أم لا في الحد من انتشار الفيروس. يمكن للجميع بالتأكيد أن يتفقوا على أن التدخل غير الفاعل في السياسات الصحية، إذا كانت الأمور على هذه الحال، أمر سيء للاقتصاد ومضر بالصحة العامة وينبغي تجنبه.

من الجدير بالذكر أيضاً أن بعض معارضي القيود الجديدة على الصحة العامة يشعرون بقلق إزاء الأثر (الذي ستتركه القيود الجديدة) في الخدمات الصحية الأوسع، مثل توقف الاستشارات الطبية المتعلقة بالسرطان أو العمليات الاختيارية [غير الطارئة] في المستشفيات، أو الأثر في مشاكل الصحة العقلية التي قد تساهم فيها القيود الجديدة المفروضة على الاختلاط الاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هذه المناقشات تتعلق بتوازن التركيز في السياسة الصحية، بدلاً من مسألة كيفية الموازنة بين المخاوف المتعلقة بالصحة العامة والمخاوف الخاصة بالاقتصاد.

على صعيد هذه الحجة المركزية، من الضروري توضيح "الوقائع المضادة". وبعبارة أخرى: يجب النظر في ما يمكن أن يحدث إذا لم تُفرَض القيود.

يقول بعض معارضي القيود إن الفيروس لا يشكل مخاطر صحية جسيمة إلا على فئات ضعيفة معينة، وإنه ينبغي التمكن من "حماية" هذه الجماعات مع فتح الحياة الاقتصادية الطبيعية أمام بقية السكان، وربما يُسمح لـ"مناعة القطيع" الطبيعية بالترسخ مع تعرض مزيد من الناس إلى المرض مع مجرد أعراض خفيفة أو حتى معدومة. وبالنسبة إليهم، فإن الواقع المضاد هو أثر صحي معتدل وقابل للسيطرة واقتصاد أسرع نمواً.

لكن على خلاف ذلك، يزعم كثر أن الفشل في قمع الفيروس من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات العدوى، وحالات الدخول إلى المستشفيات، وفي نهاية المطاف الوفيات، وأن هذا في حد ذاته من شأنه إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد مع انهيار ثقة المستهلكين والأعمال.

ويقول الخبير الاقتصادي في جامعة أوكسفورد، سيمون رين-لويس: "طالما أن أولئك الذين ليسوا ضعفاء يعتقدون بأن ثمة خطراً حقيقياً للوفاة أو مضاعفات خطيرة من كوفيد-19، سيبتعد معظمهم عن الحانات والمطاعم وغيرها من مجالات الاستهلاك الاجتماعي من تلقاء أنفسهم. فليس الإغلاق (الحجر) هو ما يقتل الاقتصاد بل الخوف من الفيروس".

من هذا المنظور، ليس في الواقع مفاضلة بين الصحة والاقتصاد. فحماية الصحة العامة تحمي الاقتصاد في الأجل المتوسط. ويصف الخبير الاقتصاد في جامعة كينغز كوليدج لندن، جوناثان بورتيس: "تكون الإستراتيجية الاقتصادية الناجحة تلك التي تقمع الفيروس والعكس بالعكس.

ويأخذ البعض الوقائع [الحجج] المضادة إلى أبعد من ذلك ويجادل بأن الإغلاق المبكر أكثر والأشد تقييداً سيكون في الواقع مفيداً للاقتصاد في الأجل المتوسط مقارنة بمجموعة القيود الحالية لأن من شأنه أن يقمع الفيروس ويمكّن من إعادة فتح الأنشطة بسرعة أكبر مقارنة بخلاف ذلك.

ويقول فرانسيسكو غريغولي وداميانو ساندري من صندوق النقد الدولي: "تفرض الإغلاقات تكاليف قريبة الأجل لكنها قد تؤدي إلى تعاف اقتصادي أسرع فهي تخفض الإصابات وبالتالي تؤمن مقدارا من التباعد الاجتماعي الطوعي".

لذلك فالسؤال: أي من سيناريوهات الوقائع المضادة هذه أكثر واقعية؟

ثمة بعض الأدلة الدامغة على أن الأطباء صاروا أكثر قدرة على علاج حالات فيروس كورونا، ما يقلل من الوفيات، مقارنة بما كانوا عليه في وقت سابق من هذا العام. وقدمت عقاقير جديدة مثل ديكساميثازون يد المساعدة. ومع ذلك، لا تزال معظم تقديرات معدل الوفيات الناجمة عن العدوى مرتفعة إلى حد كارثي بما لا يسمح باتّباع إستراتيجية مناعة القطيع (تشير منظمة الصحة العالمية إلى مدى يتراوح بين 0.5 وواحد في المئة). وثمة أيضاً احتمال أن يعاني الأشخاص المصابون بفيروس كورونا – حتى لو لم يقتلهم – مشاكل صحية بعيدة الأجل. وهذا الاحتمال وحده يمكن أن يردع قدراً كبيراً من النشاط الاقتصادي.

وشهدت الاقتصادات في أنحاء العالم كلها تراجعات تاريخية في الناتج المحلي الإجمالي إذ أغلقت حكومات كثيرة مجتمعاتها للحد من انتشار الفيروس. بيد أن دراسات اقتصادية، بما في ذلك دراسة أصدرها هذا الشهر صندوق النقد الدولي، تشير إلى أن حصة كبيرة من الانخفاض الهائل في حركة الناس في وقت سابق من هذا العام كانت طوعية ولم تكن نتيجة للإقفال العام.

وقد يكون من المبالغة القول إن السكان كان يمكن أن يقفلوا على أنفسهم في شكل أساسي إذا لم تفعل الحكومات ذلك، لكن هذا الدليل يدعم الرأي القائل إن تخفيف القيود في مواجهة ارتفاع معدلات العدوى من شأنه أن يقوض ثقة المستهلكين وإنفاقهم.

وقد يصيب منتقدو القيود بعض الشيء عندما يقولون إن من الضروري النظر إلى الاقتصاد والصحة معاً بدلاً من النظر إليهما كلاً على حدة. ويرى الخبير الاقتصادي توني ييتس أن على النماذج الاقتصادية والوبائية أن تعمل معاً لتقديم مشورة رسمية للحكومة. ويقول إن علماء الأوبئة سيتمكنون من الاستفادة من معطيات الاقتصاديين حول كيف سيستجيب الناس على الأرجح للقيود الصحية الجديدة.

ويشير وزير الدولة السابق للشؤون الحكومية غوس أودونيل، الذي كان يفكر بطريقة مشابهة، إلى أن الغائب عن مكتب رئيس الوزراء هو على الأرجح "إطار للسياسات يمكن أن يقيّم في شكل صحيح تكاليف الإجراءات المختلفة ومنافعها".

ويقول: "هذه أزمة مختلطة [متشعبة ومتشابكة] تنطوي على مسائل صحية وعوامل اقتصادية واجتماعية ناشئة عن القرارات المتخذة للحد من أعداد الوفيات بكوفيد. وينبغي أن تدعم المقاربات التحليلية المتعددة هذه المشورة التي تُوجّه إلى الحكومة".

وفي النهاية، تأطير الخيارات السياسية على أنها مواجهة بين الصحة والاقتصاد غير ملائم وغير مجد لأسباب لا تقتصر على أن حل الأزمة الصحية يشكل الأساس لنجاح الاقتصاد.

فثمة مصطلحات أخرى مهمة في المعادلة. فمن بين الحجج الداعية إلى تشديد القيود إعطاء المسؤولين الوقت لفرز المشاكل التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة في نظام الحكومة للفحص والتتبع والعزل. ويبدو أن بعض البلدان الأخرى التي لديها بنية تحتية فاعلة في هذا الصدد تمكنت من درء حالات جديدة من التفشي في مهدها، متجنبة الحاجة إلى فرض قيود وإغلاقات جديدة.

وعندما فرض بوريس جونسون حظر التجول عند الساعة العاشرة مساء الشهر الماضي، دافع عن الخطوة بالمثل القائل "غرزة في الوقت المناسب تنقذ تسعة"، وهذا يعني أن اتخاذ إجراءات مبكراً يمكن أن يكون أقل تكلفة بكثير من اتخاذها متأخرة. ويتعين عليه – وعلى منتقديه المناهضين للقيود – أن ينظروا في المنطق الاقتصادي فضلاً عن المنطق الصحي الذي تقوم عليه هذه الحجة.

© The Independent

المزيد من آراء