Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بلا دماء" رواية الإيطالي ألساندرو باريكو مترجمة إلى العربية

الروائي الإيطالي ألسندرو باريكو (يوتيوب)

يُعد الروائي الإيطالي أليساندرو باريكو (مواليد 1958) من أبرز الروائيين الجدد في إيطاليا، وبات يتمتع بشهرة عالمية بعد ترجمة أعماله إلى لغات شتى ومنها العربية التي شهدت صدور روايات عدة له منها: "مدينة" و"البحر المحيط" و"عماوس" و"حرير". وأخيراً اختارت منشورات الجمل رواية "بلا دماء" لباريكو لتقدمها إلى القراء العرب بترجمة أماني فوزي حبشي.

 تتألف الرواية من جزءين يبدوان منفصلين لكنهما يكمل وأحدهما الآخر. في الجزء الأول، تدور أحداث الرواية في إحدى المزارع الإيطالية المعزولة وفيها يعيش رجل يدعى مانويل روكا مع ولديه، حياة هادئة وسط الطبيعة. لكن المأساة تقع عندما يخرج ثلاثة رجال من سيارة مرسيدس تتوقف أمام المزرعة ويطلقون النار عشوائياً على مانويل وابنه فيردونهما. الابنة الصغيرة تختبئ في أحد مخابئ المزرعة لكن أحد القتلة يبحث عنها ويجدها مختبئة وملتمّة على نفسها لكنه يتوقف لحظات مدهوشاً ثم يدير ظهره من دون أن يقتلها، هكذا تنجو الفتاة.

في الجزء الثاني من الرواية، وبعد ستين عاماً على وقوع الجريمة في المزرعة، يلتقي رجل وامرأة عجوزان في مطعم ويدور بنيهما حديث، فينكشف ماضيهما: هي نفسها الفتاة التي نجت من القتل وأصبحت سيدة تدعى دونا سول، تسعى إلى الانتقام من المجرمين، أما الرجل فهو نفسه المجرم الذي اكتشف مخبأها ولم يقتلها.

هنا مقطع من الجزء الأول من الرواية: "في الريف كانت المزرعة القديمة في ماتو ريو تقبع مختفية، يلفها الظلام الدامس في مواجهة ضوء المساء. كانت كأنها البقعة الوحيدة الموجودة في تلك المنطقة السهلية الواسعة... وصل الرجال الأربعة بداخل سيارة مرسيدس قديمة. كان الطريق مليئاً بالحفر، كان طريقاً جافّاً، فقيراً، ريفيّاً. ومن المزرعة رآهم مانويل روكا. اقترب من النافذة. في البداية رأى عمود التراب يرتفع خلف خيال الذرة، ثم سمع ضوضاء محرك السيارة. لم يعد أحد يملك سيارة في تلك الأنحاء. كان مانويل روكا يعرف ذلك. رأى المرسيدس تظهر من بعيد ثم تتوارى خلف أشجار البلوط. اكتفى بذلك. عاد باتجاه المائدة، ووضع يده على رأس ابنته، وقال لها: استيقظي. أخذ مفتاحاً من جيبه، ووضعه على المائدة وأشار برأسه لابنه. أجاب الابن: حالًا.

 كانا طفلين... مجرد طفلين. وعند مفترق الغدير، تجنبت السيارة الطريق المتجه إلى المزرعة واستأنفت السير تجاه ألفاريز، متظاهرة بالابتعاد. كان الرجال الأربعة يرتحلون في صمت. كان الذي يقود السيارة يرتدي زيّاً ما، وكان الرجل الآخر الذي يجلس جواره يرتدي حلة بيضاء اللون. كان يجلس ممدداً، ويدخن سيجارة فرنسية.

قال: لتبطئ. سمع مانويل روكا الضوضاء وهي تبتعد تجاه ألفاريز، وفكّر: كيف يظنون أنه ستنطلي عليّ خدعتهم هذه؟ رأى ابنه وهو يدخل الحجرة ومعه بندقية في يده وأخرى أسفل ذراعه. قال له: ضعهما هنا، ثم التفت نحو الابنة: تعالي يا نينا، لا تخافي، تعالي إلى هنا.

 

أطفأ الرجل الأنيق السيجارة على لوحة (تابلوه-حاجبة) المرسيدس، ثم أمر مَن يقودها بالتوقف. قال: هنا مكان مناسب، وأخْرِسْ هذه الضوضاء الرهيبة. وكانت ضوضاء فرملة اليد كأنها صوت سلسلة تُركت لتسقط في بئر. ثم ساد الصمت، وبدا كأن الريف قد ابتلعه هدوء مُزمن.

قال الشخص الجالس في الخلف: كان من الأفضل الذهاب إليه مباشرةً؛ الآن سيكون لديه الوقت الكافي ليهرب. كان ممسكاً بمسدس في يده، كان مجرّد صبي، وكان يُدعى تيتو.

 قال الرجل الأنيق: لن يهرب؛ لقد ضاق من الفرار، لنذهب. (...) انطلقت طلقات متتابعة وأطاحت المنزل من الأمام والخلف كأنها البندول، وبدا أنها لن تنتهي أبداً، من الأمام ومن الخلف كأنها أضواء فنار على صخر بحر أسود، صبور.

أغمضت نينا عينيها والتصقت بالغطاء، وانكمشت أكثر جاذبةً ركبتيها تجاه صدرها. كانت تحب البقاء في هذا الوضع؛ كانت تشعر ببرودة الأرض أسفل جنبها كأنها تحميها، كانت تشعر بأنها لن تتخلّى عنها، وشعرت بجسدها المضموم والملفوف حول نفسه كالقوقعة، وكانت تحب هذا الوضع، كأن جسدها الصَّدَفة والحيوان في آنٍ واحد يحمي نفسه، كان هذا بالنسبة إليها كل شيء، لا شيء يمكنه أن يؤذيها ما دامت في ذلك الوضع. فتحت عينيها من جديد، وقالت لنفسها: لا تتحرّكي، أنتِ سعيدة هكذا.

رأى مانويل روكا ابنه وهو يتوارى خلف الباب، ثم رفع نفسه بقدر ما يكفي ليلقي نظرة خارج النافذة. ثم فكّر: حسناً. نظر إلى نافذة أخرى، نهض وصوّب بندقيته بسرعة وأطلق النار".

المزيد من ثقافة