Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيات يكسرن قاعدة للرجال فقط في بيئات العمل

اجتمعن على لقب الأولى بالبلاد في مجالات قيادة الطيران والشرطة وجمع النفايات وهذه رسائلهن للجميع

رولا حطيط أول من امتهنت قيادة الطائرة في لبنان  (اندبندنت عربية)

حتى اليوم، وبالرغم من المساعي الجدية لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل على الأصعدة كافة، لا تزال الصورة النمطية تلاحقها وتضيّق آفاقها وتمنعها من تحقيق ذاتها في مجالات عدة. تبقى المشكلة في ثقافة المجتمع والتربية، فلا ترسم الطريقة للرجل وحسب، بل للمرأة أيضاً، فتضعها في إطار معين تجد نفسها عاجزة عن الخروج منه.

اللبنانية رولا حطيط الأولى في قيادة طائرة بالبلاد

اختارت رولا حطيط أن تسلك طريقها في مهنة طالما كانت حكراً على الرجال في تحد لذاتها، ولمن شاء السخرية من قدرات المرأة. في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، تؤكد أنها لم تفكر أن هذا قد يكون مجال عملها في يوم من الأيام، وفيما كانت في السنة الجامعية الثانية تدرس الرياضيات بالجامعة الأميركية في بيروت، استفزها زميلها بسخريته من إعلان لطيران الشرق الأوسط يطلب فيه قائد طائرة رجلاً أو امرأة.

تتابع، "على إثر هذا الاستخفاف بقدرات الفتيات، وعدم إمكانهن قيادة طائرة أو حتى سيارة، تحديت زميلي، وقررنا أن نتقدم معاً لهذه الوظيفة، وكانت النتيجة أنه تم قبولي بينما رُفض هو".

لم يخل الطريق الذي اختارته حطيط، المرأة الوحيدة في لبنان بقيادة طائرة، من التحديات على حد قولها، لكنها استطاعت أن تنجح، وترسم طريق النجاح لشابات أخريات يرغبن في اختياره الطريق ذاته، ولم يجرؤن على ذلك سابقاً.

أما عن التحديات التي واجهتها فتقول إنها عدة، ويأتي في مقدمها إقناع والدها بهذا الاختيار الذي لم يبد برأيه مناسباً لها كفتاة يفترض أن تدرس وتتزوج وتؤسس عائلة، في حين أن مهنة كهذه تتعارض مع مسيرة حياتها التي تحدث عنها الأب بسبب طبيعة السفر الدائم، لكنها وضعت والدها تحت الأمر الواقع عندما أظهرت له أن هذا سيكون الاختيار الوحيد أمامها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما ثاني التحديات، فتذكر أنه تمثل في وجودها بغرفة قيادة الطائرة مع زملاء كلهم من الشباب، واعتادوا على ألا توجد بينهم فتاة، الأمر الذي تطلب جهداً من حطيط حتى تتمكن من إثبات نفسها في هذا المكان ليتقبلوا وجودها بشكل طبيعي، وإن لم يكن هذا أمراً سهلاً، حتى أن إثبات قدراتها للشركة واكتساب ثقتها لم يكن بالأمر السهل، إلى أن تمكنت من تحقيق النجاح وقادت الطائرة للمرة الأولى وهي في سن 19 سنة، بعد أن درست الطيران خلال سنة وشهرين. وكانت الشابة الأولى والوحيدة التي تتولى قيادة الطائرة، وهي كذلك حتى اللحظة، لكن أصبح هناك ست شابات يعملن مساعدات طيار.

تذكر حطيط أيضاً أنها كامرأة واجهت تحدياً كبيراً في تأسيس عائلة، فبعد أن تزوجت وأنجبت لم يكن سهلاً التوفيق ما بين عملها وأمومتها. "عملي لا يشبه باقي الوظائف، ففي حين أقود الطائرة أحتاج إلى تركيز تام، وأنفصل تماماً عن حياتي كزوجة وأم، لكن بفضل دعم زوجي وعائلتي استطعت تخطي هذه الصعوبات التي بدت لي الأكثر أهمية في حياتي".

تضيف حطيط، أنها بعد دراسة الطيران تابعت دراسة الرياضيات وحازت على شهادات في مجالات أخرى، وتؤكد أن والدها الذي رفض هذا الطريق بالأمس يشعر اليوم بفخر كبير بها.

رسائل من غرفة القيادة

تتوجه حطيط برسالة إلى الرجل أولاً حتى يؤمن بالعنصر النسائي بالمجتمع الذكوري الذي تعطى فيه الأولوية للرجل، إذا كانت كفاءة المرأة من المستوى نفسه، فهما يتمتعان بالقدرات نفسها، ولا فارق بينها، لكن التربية هي التي تضع كلا منهم في خانة معينة. من هنا تتجلى أهمية أن يعطى الرجل والمرأة الفرص نفسها. أما للمرأة فتطلب منها أن تثق بنفسها وبقدراتها، وأن تسعى إلى تحقيق أحلامها خارج إطار الحدود التي ترسم لها في المجتمع، تماماً كما فعلت هي عندما نجحت في هذا المجال الذي كان حكراً على الرجال، فأثبتت أن كل ما هو مطلوب فيه من مواصفات موجود لدى المرأة كما الرجل، فترفض طريقة التربية في مجتمعاتنا التي تحدد للمرأة مجالات معينة، وتوجهها من الطفولة نحو الفنون استناداً إلى الصورة النمطية السائدة.

أما عن التحدي الأخير فتقول حطيط، "كانت مسؤوليتي لاعتباري الشابة الأولى التي تشق الطريق في هذا المجال لنساء أخريات، فلو فشلت لأكدت فشل المرأة فيه، أما نجاحي فليس دليلاً على أن كل امرأة قادرة على إثبات قدراتها وتحقيق النجاح بهذا المجال أو غيره".

 

 

ليا نوربتليان المرأة الأولى في جمع النفايات

ربما يبدو في الظاهر أن الحاجة إلى تأمين مصدر رزق دفع ليا نوربتليان (35 عاماً) إلى العمل في جمع النفايات. لكن في الواقع، خلف عملها هذا قصة تنقل فيها رسالة إلى كل لبناني ولبنانية، فإذا كانت المرأة تطالب بالمساواة وتدعو إلى المشاركة في كل عمل تخدم فيه المجتمع بعيداً من المظاهر الكاذبة، فإن قصة نوربتليان تبدأ من عملها التطوعي في جمع النفايات بمنطقتها خلال أوقات معينة، وكان وجود النفايات يثير غضبها، فقررت أن تعمل على التخلص منها.

 تقول نوربتليان، قررت الاتجاه إلى العمل بمزيد من الجدية والتقدم للعمل في شركة جمع النفايات بعد رحيل العمال الأجانب بسبب أزمة الدولار. تعمل لمدة ثماني ساعات في اليوم، من السادسة صباحاً خلال ستة أيام في الأسبوع. المبلغ الذي تتقاضاه لقاء عملها الشاق هذا زهيد جداً، لكن استطاعت أن تتخطى ذلك لأن هدفها الأساس هو الحفاظ على نظافة المنطقة مهما تطلب الأمر منها. فالعيب بالنسبة لها ليس في جمع النفايات، بل في رميها بالطرقات وتشويه المدينة.

تتابع، "عندما تقدمت للعمل تفاجأوا في الشركة مما أفعل، نظراً للسيرة الذاتية التي رأوها أمامهم، لكني كنت مصرّة على ذلك. علماً بأني لم أكن أعرف أني الفتاة الأولى التي تعمل بهذا المجال في لبنان. حذروني من أني قد أرى أموراً تزعجني، ولن أتحمل كفتاة، لكني لم آبه لذلك".

قد يكون هذا العمل شاقاً لفتاة بشكل خاص، لكن نوربتليان تخطت العوائق كافة، وأوجدت لها حلولاً. ففي اليوم الأول عندما عجزت عن جر عربة النفايات لوزنها الثقيل على فتاة، خصوصاً أنها تعاني مشكلة بالعمود الفقري، طلبت من المشرفين عليها إحضار أكياس لها تجمع النفايات فيها، ثم تحضر الشاحنة لجمعها من أمكنة محددة. فعلى حد قولها، يجب عدم التوقف عند تفاصيل عندما يكون لدينا هدف معين. هذا فيما تؤكد أنها لم تواجه صعوبات أخرى في التعامل مع زملائها، فهي معتادة على العمل مع رجال.

لكن بعيداً من كونها فتاة تعمل بالمجال، تشدد على قلة المسؤولية لدى البعض الذي يرمون نفاياتهم في كل مكان، ويعتمدون على العاملين في جمعها، ويتعاملون معهم باستخفاف أيضاً. في المقابل، لا تنكر أن كثيرين يظهرون تعاطفاً معها ويتفاجؤون بعملها هذا، ويقدمون لها الأطعمة ويعاملونها بلطف. "ما يفاجئني أنه منذ بدأت العمل لم يأت أحد للتطوع في جمع النفايات بالمنطقة باستثناء بعض الأطفال. وقد يطلب البعض منها أن تقوم بما ليس في إطار عملها، بدلاً من أن يتحملوا المسؤولية. حتى أن الشركة تحتاج إلى أعداد كبيرة من العمال، لكن لا يتقدم أحد لذلك، بالرغم من قلة فرص العمل بالبلاد".

في عملها هذا الذي تنوي ليا الاستمرار فيه، إلا أن تعجز عن ذلك لأسباب جسدية، تهدف إلى تأمين مساحات نظيفة في المنطقة خالية من النفايات حتى يكون ممكناً تخصيص حدئق ومساحات خضراء يجلس فيها الناس، ويلعب الأطفال بدلاً من أن تبقى مشوهة بالنفايات. "أسعى إلى إلغاء النفايات من محيطنا. قررت القيام بهذه الخطوة الإيجابية لأنه لا يجوز أن نبقى مكتوفي الأيدي ونحن ننتقد الوضع القائم والأخطاء الحاصلة من دون بذل أي مجهود". تأسف ليا، لأن قلائل يتصرفون بأخلاق تجاه البلاد، وتؤكد أنها تنظف مكاناً في يوم، لتجد النفايات فيه اليوم التالي، وتدعو الجميع إلى تحمل المسؤولية شباباً وشابات، والتحلي بالوعي وعدم الشعور بالخجل من أي عمل كان، طالما أنه يخدم المجتمع.

 

 

ماري جدعون أول شرطية بلدية

حلمت ماري جدعون من الطفولة بارتداء البدلة العسكرية، إلى أن سمعت في يوم أن بلدية منطقة جونية تطلب شرطيي سير، فوجدتها فرصة لتحقق الحلم، وفي عام 1982 الذي التحقت فيه جدعون بهذه الوظيفة، كانت رؤية شابة تنظم السير أمراً مستغرباً، فكانت المرأة الأولى في لبنان التي تعمل كشرطية في بلدية. تقول، إنه لو عاد بها الزمن لاختارت الوظيفة نفسها التي أحبتها إلى أقصى حد، وتحدّت فيها المجتمع والأعراف، ككل امراة تختار مهنة جعلها المجتمع حكراً على الرجل.

توضح ماري، "عشقت عملي طوال 15 عاماً في تنظيم السير لما فيه من احتكاك بالناس. وبالرغم من أنه لم يكن سهلاً، وكان عليّ أن أثبت وجودي لأن كثيرين لم يتقبلوا آنذاك فكرة أن تنظم فتاة السير، بدت الفكرة غريبة ".

وبالرغم من التحديات، تشعر جدعون اليوم بعد بلوغها سن التقاعد، بفخر تجاه هذا الإنجاز الذي حققته كامرأة. لكن تتذكر فترة الحرب التي كانت الأكثر صعوبة لها، لأنها تعرضت لمضايقات كثيرة من أشخاص يتعمدون الأذى. وفي الوقت نفسه قدّم لها كثيرون الدعم، ومع الوقت استطاعت إثبات وجودها، وأصبح أولئك الذين كانوا يضايقونها يهابونها ويتجنبونها.

"أجمل اللحظات التي كنت أمضيها في الصباح عند تأمين السير للطلاب والمدارس على الطرقات. كانت رسالة جميلة ومقدسة تعني لي الكثير، حتى أن الطلاب كانوا يعودون لإلقاء التحية عليّ بعد سنوات، وحتى اليوم عندما أمر بالمنطقة، يلقي الجميع التحية عليّ، وثمة علاقة ممتازة مع زملائي السابقين".

تعترف ماري أن التحديات كانت كثيرة، وكثير من الفتيات اللواتي تقدمن للعمل في المجال لم يتحملن، لكنها أصرت على المتابعة وتحديداً في تنظيم السير، فرفضت الوظيفة الإدارية التي عرضت عليها بداية، ثم في مرحلة لاحقة عملت خلال عشر سنوات في مراقبة ورش البناء وفي مجالات أخرى مطلوبة من أي شرطي.

انطلاقاً من عملها هذا الذي تحدت فيه المجتمع، تدعو كل فتاة إلى عدم الخوف من التغيير ومن أي عمل كان، مهما بدا صعباً، خصوصاً في هذا النوع من العمل الذي يمكن أن تبني فيه مع الناس علاقة ثقة جميلة ومتينة.

لا يقتصر التمييز على أساس جندري بمجالات العمل على المجتمعات الشرقية بحسب الاستشاري والباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي، فحتى اللحظة نشهده في أوروبا والولايات المتحدة. قد تعمل المرأة مثلا بالقطاع العام في دوام فتتقاضى أجراً أقل، أما بالقطاع الخاص فقد يكون هناك تمييز واضح في معدلات الأجور.

أما في لبنان والدول العربية، فتطغى الصورة النمطية المتأثرة إلى حد كبير بالدين، إذ ربما تحدد مهام المرأة بكونها ربة المنزل التي تهتم بعائلتها بشكل أساسي، فيما الرجل هو الذي يعمل، وبالتالي أسهم هذا في تثبيت هذه الصورة النمطية وترسيخها.

لا ينكر حاماتي، أن هذا الواقع قابل للتغيير، وكثيرات عملن على ذلك برفضه والتمرد على الوضع والتقاليد. "العمل الأساس لإحداث التغيير هو على المرأة تحديداً، لتمكينها حتى تعمل على تغيير هذه الصورة النمطية. فنسبة كبيرة من النساء يضعن أنفسهن في قفص ولا يسعين إلى الخروج من إطار الصورة النمطية خوفاً من عدم توافر الفرص أو الإمكانات. في الوقت نفسه لا ننكر أن المسؤولية أيضاً على الرجل".

وبالتالي على المرأة أولاً أن تؤمن بقدراتها، وألا تنتظر أن يأذن لها الرجل حتى تخوض التحديات. فعليها أن تؤمن بذاتها وإمكاناتها لتفرض وجودها في المجتمع، لأنه ما من مجالات هي حكر على الرجال. المرأة هي التي تشق الطريق لنفسها، فتحدث التغيير الكفيل بترسيخ وجودها وكسر الصورة النمطية بعيداً مما هو متعارف عليه في المجتمع وفق الأعراف والتقاليد، وهي لا تحتاج إلا إلى الشجاعة لتحقق إنجازات في أي مجال كان، كما فعلت كثيرات حين تمردن على الأعراف، وخضن التحدي وأثبتن كفاءة، واستحققن الثقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير