Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تردي الأوضاع الاقتصادية يدفع سكان غزة إلى استخدام أفران الطين

63 في المئة من أهل القطاع يلجؤون للدين لتغطية نفقاتهم المعيشية

بينما كان مهند النجار منهمكاً في خلط الطين الأحمر تحت أشعة الشمس، ليسد فيها ثغرة صغيرة في حائط بيته، مرّ عليه جاره يشتكي من صعوبة الحياة في قطاع غزّة، ويتأفف من طلبات منزله التي لها بداية من دون نهاية، "أنبوبة الغاز فارغة، ولا طعام في الثلاجة اليوم، كثيرة هي المصاريف"، قال الجار، ثمّ تنفس الصعداء، وأكمل "عندما رأيتك تجهز الطين الأحمر، اعتقدت أنك تصنع أفران الطين، كحل بديل ولتوفير مصاريف الغاز".

هذه العبارة، أعادت ذاكرة مهند 20 سنة، حين كان يعمل برفقة جده على صناعة أفران الطين، لسكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة، ليستخدموها في طهو طعامهم وتحضير مشروباتهم.

68 في المئة من أسر غزّة لا تستطيع إعادة تعبئة أنبوبة الغاز

همّ مسرعاً نحو عجينة الطين، وأضاف لها مزيجاً من القش وبعض الإسمنت، وبدأ في صناعة أوّل فرن، وما هي ثلاث ساعات تقريباً إلا وأنجزه، وفي اليوم التالي لم يستغرق معه إلا دقائق وأتى زبوناً ليشتريه.

ليس غريباً ذلك، فتدهور الأوضاع الحياتية والمعيشية في قطاع غزّة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، دفعت الناس إلى العودة للحياة البدائية، من أجل توفير لقمة العيشة بأقل الإمكانات المتاحة.

ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن 68 في المئة من أُسر القطاع، لا تستطيع تغطية نفقاتها الشهرية (مستلزمات البيت الأساسية من غاز وفاتورة الكهرباء والماء والمأكل والملبس)، وتعود الأسباب للأزمات المركبة التي تعيشها غزّة.

ثلاثة أفران بـ 21 دولاراً

ولدى مهند خبرة في صناعة أفران الطين، ويقول "تعلمت هذه الحرفة من جدي، الذي هاجر من مدينة بئر السبع عقب احتلالها من إسرائيل عام 1948، لكن تركتها لعدم حاجة الناس للأفران بسبب التطور".

ولا يستخدم مهند في صناعة هيكل الأفران سوى الطين الأحمر، ثمّ يبني مخزن الحطب (مكان مخصص لوضع الأخشاب المشتعلة) من الحديد الناقل للحرارة، ويضيف "أضع على رأس الفرن فرش غاز، ليستخدمه الناس بدلاً من البوتاغاز".

ويشير مهند إلى أنّه عند الانتهاء من تجهيز الفرن يضعه في مكان مكشوف للشمس ليجف ويصبح جاهزاً للاستخدام، وفي العادة، يبيع حوالى ثلاثة أفران طين يومياً، وتبلغ تكلفة الواحد حوالى سبعة دولارات، ويوضح أنّه يعتمد على حرفته هذه كمصدر دخل أساس في ظلّ عدم وجود أيّ فرصة عمل توفر له لقمة العيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكثر من مليون غزاوي بلا عمل

وتشير بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى أن أكثر من مليون نسمة في قطاع غزّة (من أصل مليونين) عاطلون من العمل، وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 72 في المئة بين سكان القطاع.

هذه النسبة كبيرة فعلياً، وهي التي دفعت أسر القطاع إلى التفكير الجدي في التعامل مع الأزمات، وتقليل مصاريفهم، من طريق اللجوء إلى الكثير من أساليب الحياة القديمة، التي أعادت عهد أفران الطين التي تدخل ضمن التراث الفلسطيني.

ويقول مهند، "أن يعود سكان غزّة لاستخدام أفران الطين، مؤشر إلى أنّ أوضاع الناس الاقتصادية في الحضيض، وغير قادرين على تلبية متطلبات حياتهم اليومية".

اللجوء إلى الدَين

ويقول مدير العلاقات العامة في جهاز الإحصاء الفلسطينية مروان الشيخ إن 79 في المئة من أسر قطاع غزّة تقترض المال أو تشتري بالدَين لتغطية نفقات الطعام الشهرية.

وفكرة اللجوء إلى الدَين في توفير لقمة العيش، يؤشر إلى أن سكان القطاع غير قادرين على تلبية بقية المتطلبات الأساسية في المنزل، وهذا ما دفعهم إلى اللجوء إلى أفران الطين.

وفي غزّة تحتاج الأسرة المكونة من خمسة أشخاص لأنبوبة غاز كلّ شهر، ثمن إعادة تعبئتها بالغاز من جديد يزيد على 25 دولاراً، في حين يشير الشيخ إلى أن 41 في المئة من الأسر في القطاع انخفضت نفقاتها الشهرية على المواد الغذائية، ما يعني أنها باتت غير قادرة على توفير لقمة العيش، وباتت تلجأ إلى أساليب أخرى لتلبية متطلباتها الحياتية.

استخدام فرن الطين يوفر 100 دولار شهرياً

وينسجم ذلك مع حديث مهند الذي يضيف، "لاحظت إقبال الناس على شراء أفران الطين، ليستخدموه في حياتهم اليومية، هناك توفير فعلي بدل الغاز، يقارب 100 دولار يوفرها رب الأسرة، ليحاول استغلالها في مناح حياتية أخرى ذات ضرورة ملحة".

وباتت أوضاع قطاع غزّة أشد صعوبة، بعدما شدّدت إسرائيل حصارها وأوقفت الكثير من الدول المانحة دعمها لسكانه، وقلّصت المؤسسات الدولية مشاريعها التشغيلية، وما زاد الطين بلة الإغلاق الشامل فيه بعد تفشي كورونا. (وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2020 بالأسوأ في غزّة).

ومعلوم ان كورونا أثّر كثيراً في الأوضاع في غزّة، خصوصاً مع إعلان حال الطوارئ والإغلاق الشامل، الأمر الذي أدى إلى فقدان العمال نظام المياومة، مصدر رزقهم. ويشير المسؤول في جهاز الإحصاء الفلسطيني مروان الشيخ إلى أن 73 في المئة من معيلي الأسر توقفوا عن عملهم في فترة الإغلاق.

وفي غزّة، يحصل حوالى 63 في المئة من الأسر على كوبونات الطعام، ويقول وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني إن 105 ملايين أسرة فيه تستفيد من مخصصات التنمية الاجتماعية، التي تصرف كلّ ثلاثة أشهر بمبلغاً قدره لا يزيد على 500 دولار أميركي.

هذه العوامل كلها، جعلت الطلب على أفران الطين يزيد، بديلاً عن أفران الغاز والكهرباء، ويشرح مهند قائلاً، "تطهو العائلات بواسطته، وتسخّن الماء للاستحمام، وقريباً سوف يستخدم للتدفئة في فصل الشتاء، ثمّة توفير كبير في المصاريف يلاحظه معيلو الأسر عند استخدامه".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد