Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزاع أرمينيا وأذربيجان ليس أولوية لأميركا والصراع بلا أفق واضح للحل

تقارير عن أسلحة روسية وتركية وإسرائيلية تشعل النزاع المستمر منذ عقود

كشفت الإدانة التقليدية من الإدارة الأميركية للتصعيد العسكري بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورنو قره باغ ومطالبتها الطرفين بالتهدئة والتفاوض، عدم أولوية النزاع في جنوب القوقاز بالنسبة إليها على الأقل في الوقت الحالي، فيما أشارت التحركات الروسية والتركية وما أشارت إليه تقارير أميركية عن تدفق سلاح روسي وتركي وإسرائيلي إلى أذربيجان وأرمينيا أن الصراع المستمر منذ عقود سيظل يطفو على السطح ويخبو وفقاً لحسابات معقدة وفي غياب أفق واضح لحسم نزاع مستمر منذ عقود. 

فما الذي فجر الصراع من جديد وهل سينتهي بسرعة كما حدث في المرات السابقة أم أن هناك عوامل جديدة قد تزيد النزاع سخونة وتوقع معه المزيد من الضحايا؟

ليست أولوية أميركية 

مثلت مطالبة الخارجية الأميركية أرمينيا وأذربيجان وقف الأعمال العدائية فوراً، واستخدام روابط الاتصال المباشر القائمة بينهما لتجنب مزيد من التصعيد، وتجنب الخطابات والإجراءات التي تزيد من حدة التوتر على الأرض، إلى أي مدى أصبحت الولايات المتحدة غير معنية بصراع لا يمثل أولوية للدبلوماسية والمصالح الأميركية في الوقت الحالي على الأقل الذي تتفاعل فيه معركة انتخابية رئاسية ساخنة وربما غير مسبوقة في التاريخ الأميركي. 

ويشير مراقبون في واشنطن إلى أنه نادراً ما يعلق كبار المسؤولين الأميركيين على الأزمة، و يقول بول سترونسكي الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن إدارة الرئيس دونالد ترمب لم تصدر بعد سياسة بشأن منطقة جنوب القوقاز، ما يخلق فراغاً تبدو معه القوى الأخرى مثل إيران وروسيا حريصةً على ملئه، كما يُظهر عدم وجود ردود فعل على مستوى رفيع من واشنطن إزاء أحداث العنف الأخيرة أن الولايات المتحدة لا ترى القوقاز تمثل أولوية بالنسبة إليها. وفي ظل حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الساخنة، يبدو من المرجح أن تستمر رغبة الدبلوماسية الأميركية في عدم الانخراط بقوة في الأزمة الحالية. 

سبب الصراع الجديد

 في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية الشهر الماضي، لاحظ نيل هاور وهو محلل أمني، أن الإخفاقات العسكرية لحكومتين في أذربيجان خلال الصراع مع أرمينيا تسببت في الإطاحة بهما خلال التسعينيات ومن ثم، كان تصعيد الاحتجاجات في 14 يوليو (تموز) الماضي تجربة مقلقة بشكل خاص للرئيس إلهام علييف الذي يحكم أذربيجان منذ عام 2003، الأمر الذي ربما يفسر الهجوم الأذربيجاني الحالي على أنه محاولة من علييف لتحقيق الاستقرار في حكومته من خلال السعي لتلبية المطالب القومية للتصعيد والنصر العسكري، وفي الوقت ذاته صرف الانتباه عن المشكلات الداخلية في أذربيجان.

في المقابل فإن موسكو تحاول الضغط على باكو لتخفيف التصعيد لأن الهجوم الأخير يضعف صدقية الردع العسكري الذي توفره روسيا لحليفتها أرمينيا، وهو على ما يبدو كان محور اتصالات أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيريه الأرميني والتركي عبر الهاتف. 

وبصرف النظر عما إذا كان الهجوم الجديد يمكن أن يحقق نجاحاً عسكرياً، حقيقياً أو متصوراً لحكومة علييف، فإن تجدد القتال يمثل ضربة لآمال السلام في المنطقة ويُعرض المجتمعات المدنية لقصف المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة. 

تطورات متسارعة

وأعادت التطورات العسكرية المتسارعة في الإقليم والاتهامات المتبادلة بين البلدين حول من يقف وراء التصعيد الأخير، القلق من ارتفاع وتيرة الصراع في منطقة أخرى من العالم، بالنظر إلى أن طبيعة وحجم المعارك التي اندلعت كانت أكثر حدة من المناوشات الحدودية المعتادة كل فترة بين الجانبين، حيث استخدمت الحكومتان لغة عسكرية تصف الأحداث بأنها حرب، في حين أن آخر تصعيد كبير بينهما كان قد وقع عام 2016.

وكان اشتباك قد اندلع في يوليو (تموز) الماضي قتل فيه عشرات الجنود من الجانبين، غير أن محللين سياسيين يقولون إنه تم تجاهله من وسطاء عملية التسوية الدبلوماسية، وهم فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، الذين كانوا مشتتي الانتباه، ويختلفون بشكل متزايد حول قضايا أخرى، ما أدى لاحتدام هذا الصراع شبه المنسي إلى أن تجددت المعارك. 

في المواجهات السابقة، بالغ الطرفان في تقدير نجاحاتهما وحجم انتهاكات أعدائهما لاتفاقيات وقف إطلاق النار، على الرغم من أن احتمال نشوب حرب أوسع كان واضحاً على الدوام.

وتركز العمل العسكري في إقليم ناغورنو قره باغ الانفصالي، وهو جيب أرمني انفصالي في أذربيجان فيما أدت التوترات العرقية والمظالم التاريخية في المنطقة الجبلية شمال تركيا وإيران إلى إشعال الصراع حوله منذ عقود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تاريخ من الصراع 

وظلت الدولتان الصغيرتان في آسيا الوسطى وهما أرمينيا التي تضم 3 ملايين نسمة وأذربيجان التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة، عالقتان في صراع دموي على مدى 32 عاماً حول مصير إقليم ناغورنو قره باغ المتنوع عرقياً، الذي يضم غالبية أرمينية تم تصنيفها إدارياً كمنطقة حكم ذاتي في أذربيجان خلال الحكم السوفياتي، لكن قبل تفكك الاتحاد السوفياتي بثلاثة أعوام بدأت الاشتباكات العنيفة حول وضع الإقليم عام 1988.

وكان القتال في إقليم قره باغ وحوله، من أكثر الصراعات شراسة بين 1991 وحتى 1994 عقب تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث أدت الحرب العرقية بين الأرمن والأذربيجانيين إلى مقتل ما يتراوح بين 20 إلى 30 ألف شخص من العسكريين والمدنيين، وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار عام 1994 ولكن من دون تسوية نهائية.

الأمر الواقع 

تدعم القوات الأرمينية جمهورية ناغورنو قره باغ التي تسميها أرمينيا (آرتساخ) بحكم الأمر الواقع، وهو ما لم تعترف به باكو عاصمة أذربيجان، ولهذا لم تتوقف القوات الأرمينية والأذربيجانية قط عن المناوشات على الحدود، بل تصاعدت إلى حرب حدودية قصيرة في عام 2016، وفي كل مرة تتوسط فرنسا وروسيا والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار.

لكن موسكو التي تتوسط في اتفاقات وقف إطلاق النار، تبيع أسلحة لكل من الجانبين، غير أن وجود قاعدة عسكرية روسية في أرمينيا يجعلها تميل لتفضيل مصلحة أرمينيا، كما أن الأرمن الذين يعيشون في الشتات وبخاصة داخل فرنسا والولايات المتحدة قدموا مساعدات إلى إقليم قره باغ، بما في ذلك تمويل بناء طريق استراتيجي داخل الجبال لربط أرمينيا بالإقليم.

ولأن القوات الأرمينية تتحصن جيداً في المناطق الجبلية تاريخياً، فقد حافظت على مواقعها في معظم المناوشات مع أذربيجان، ومع ذلك فقد ساعد أذربيجان اعتمادها على ثروتها النفطية الكبيرة في شراء أنظمة عسكرية متطورة العام الماضي بمليارات الدولارات بحسب موقع مجلة "فوربس" الأميركية. 

سوق سلاح 

 مع تصاعد التوتر بين حين وآخر، أصبحت أذربيجان وأرمينيا سوقاً للسلاح، حيث أشار موقع المجلة الأميركية وكذلك مجلة "فورين بوليسي"، إلى إمكانية أن تكون طائرات درون مسيرة إسرائيلية الصنع قد سهلت على وجه الخصوص بعض النجاحات التكتيكية لأذربيجان، ووفرت بشكل ملائم لقطات فيديو للضربات التي وجهتها الطائرات لقطع عسكرية أرمنية على الأرض التي يمكن استخدامها لدعم خطابات النجاح العسكري لأذربيجان كما حدث في الاشتباكات الأخيرة. 

ولم تكن روسيا غائبة عن هذه السوق، إذ إنها زودت طرفي الصراع بأسلحة قوية مثل المدفعية الصاروخية الحرارية TOS-1 كما باعت موسكو للأطراف المتحاربة دبابات T-90 وأرسلت طائرات الهليكوبتر المدرعة Mi-35M لأذربيجان، فيما أعطت صواريخ إسكندر E الباليستية لأرمينيا ما وضع صناعة النفط في أذربيجان تحت مرمي هذه الصواريخ. 

دور تركي 

أما تركيا فقد دعمت أذربيجان علناً في الاشتباك الأخير مع أرمينيا، في وقت كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد استند إلى العقيدة الإسلامية المشتركة والروابط العرقية لتبرير مساندة أذربيجان، بينما يبدو منجذباً بشكل متزايد إلى المغامرات الأجنبية مثلما فعل في ليبيا وسوريا في محاولة لاستعادة النفوذ الإقليمي السابق للإمبراطورية العثمانية.

وفيما تشير مزاعم غير مؤكدة بأن تركيا ربما جندت مقاتلين من سوريا ونقلتهم جواً لدعم القوات الأذربيجانية في ناغورنو قرة باغ، وهو ما تنفيه أنقرة، إلا أن هناك مؤشرات أخرى على أنه من الممكن أن تكون تركيا قد دعمت هجوم أذربيجان بطائرات درون ذات قدرات عالية، قامت بعمليات استطلاع، أو حتى توجيه ضربات جوية باستخدام ذخائر دقيقة التوجيه. 

صراع مجمد

 يعد الصراع في ناغورنو قره باغ، أحد ستة صراعات تُعرف باسم الصراعات المجمدة في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق، التي وقعت في إطار سلسلة من العنف العرقي أو بسبب المنافسة بين القوى العظمى. وتوجد هذه الدول الست المستقلة بحكم الأمر الواقع على مساحات أراضي صغيرة في جورجيا وأوكرانيا ومولدوفا وأذربيجان، ولكنها في الغالب غير معترف بها دولياً. 

ويتميز إقليم قره باغ عن المناطق الأخرى بعمق العداء العرقي بين الجانبين، ولأن روسيا لعبت دور الوسيط في النزاع أكثر من كونها محرضاً، فقد ظلت المنطقة هي منطقة الصراع المجمدة الوحيدة التي لم تحتلها القوات الروسية.

وإضافة إلى مخاطر الكراهية العرقية المحلية بين المسيحيين الأرمن والأذربيجانيين المسلمين، فإن موقع المرتفعات الجبلية الجميلة في إقليم ناغورنو قره باغ يضعه على مفترق طرق حيث يتأثر بالسياسات القابلة للاشتعال في الشرق الأوسط وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. 

روسيا وتركيا 

لقد تعاونت روسيا وتركيا، وهما القوتان المتنافستان في جنوب القوقاز خلال السنوات الأخيرة بشكل مبدئي على تهدئة التوترات في الإقليم، حيث دعمت روسيا أرمينيا، فيما ساندت تركيا أذربيجان، لكن علاقة موسكو وأنقرة تتأرجح بين حين وآخر بسبب الحرب الأهلية في سوريا وليبيا. 

وكانت أرمينيا قد انضمت إلى كتلة اقتصادية مدعومة من روسيا، بينما انضمت أذربيجان إلى الحكومات الغربية ومصالح صناعة النفط، وحافظت بذلك على ابتعادها النسبي عن موسكو، ويقول مراقبون إن انخفاض أسعار النفط العالمية التي تعد مصدراً رئيساً للإيرادات في أذربيجان بعد طفرة نفطية طويلة ربما كانت عاملاً محتملاً في اندلاع العنف مرتين هذا العام. 

ويعترف بالإقليم دولياً كجزء من أذربيجان ولكن من يحكمونه هم من الأرمن العرقيين.

© The Independent

المزيد من تحلیل