Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بيت الجمال" رواية الوجه المظلم لبوغوتا

الكولومبية ميلبا إسكوبار تدخل عالم الجريمة والفساد من خلال انتحار فتاة

مشهد من مدينة بوغوتا الكولومبية (رويترز)

ثمة أمور لافتة للنظر في رواية "بيت الجمال" للكاتبة الكولومبية ميلبا أسكوبار (ولدت في كالي الكولومبية عام 1976)، الصادرة ترجمتها عن المركز الثقافي العربي (المغرب/ لبنان). إنها الرواية الأولى المترجمة للعربية للروائية ميلبا، وهي روايتها الثانية في منجزها الأدبي، وهي الرواية الفائزة بالجائزة الوطنية للرواية الكولومبية.  

القشور النسائية

"كلير دلفارد" تعمل معالجة نفسانية في بوغوتا، وهي ابنة مهاجر فرنسي هاجر إلى كولومبيا لإنشاء مصنع فولاذ. وهي الراوية التي تنفر من المكان الذي عادت إليه في عام 2013، بعد دراستها وإقامتها الطويلة في فرنسا.

منذ الخطوات الأولى تصدم كلير القارئ بكراهيتها الحداثة المغشوشة في العاصمة، والتي لم تستطع أن تغير سوى قشور الأشياء، بينما الثقافة الذكورية والمجتمع الذكوري ما زالا مهيمنين على كل التفاصيل.

في أول سطر من الرواية نقرأ "أكره الأظافر الإصطناعية بألوانها الفاقعة، والشعر الأشقر المصبوغ، وتنانير الحرير البارد، والأقراط اللامعة، في الساعة الرابعة عصراً. لم يسبق لنساء، بهذا العدد الهائل قط، أن بدَون كمتحولات جنسياً، أو مومسات متنكرات في هيئة نساء محترمات... أكره فرط العطر لدى هؤلاء النسوة، المبالغات في الماكياج، إلى حد يبدون فيه كصراصير المخبز...". فنظن أن الرواية تذهب ضد تلك القشور التي تغلف النساء الكولومبيات في العاصمة، لتجعلهن راكضات خلف الموضة والتجميل، ومتشابهات في الشكل والغباء. أو تذهب ضد العقلية النسائية في التبرج من أجل إرضاء الرجال. وهذا فخ محكم من أسكوبار للقارئ، فمع مسير الرواية نجد أنها تذهب إلى مكان آخر، ليس ضد النساء؛ بل ضد الذكورية التي تخنق النساء، وتريد لهن أن يكن ضعيفات كعبيد، ومرغوبات كمومسات.

كلير تعيش حياتها هناك كسائحة بورجوازية، رغم أنها ابنة المكان، ولكن ذلك النمط، الحياة كسائحة، يجعلها على مسافة من الحياة، التي تجري حولها، والمجتمع الذي تعيش فيه في "الجهة الشمالية من بوغوتا"، حيث تجري أحداث الرواية كلها تقريباً.

كارن وبيت الجمال

تعمل كلير كمعالجة نفسانية ويوماً بعد يوم تصير شخصية معروفة في بوغوتا، خاصة مع استعادتها لعلاقاتها مع الصديقات القديمات اللواتي صرن في مواقع مختلفة، ومتزوجات من شخصيات مختلفة، منها شخصيات سياسية وتجارية.

في إحدى جولات المشي لكلير تنتبه لوجود "بناية بيضاء ذات أبواب زجاجية" تسمى "بيت الجمال"، لنعثر على الشخصية المحورية الأساسية في هذه الرواية وهي "كارن بالدس"، التي تركت طفلها لدى أمها وخالها في مدينة كارتاخينا، وتعمل في بوغوتا كاختصاصية تجميل، وتريد جمع المال لجلب ابنها "إميليانو" إلى بوغوتا.

تجري أحداث الرواية بشكل هادئ واستعادي للتعريف بكارن وأمها وخالها، وكذلك عن عمل كارن في التجميل، وعن جمالها الذي أخذته من أمها التي كانت ملكة جمال في صباها، إلى الوقت الذي تأتي فيه صبية صغيرة بلباس المدرسة الثانوية إلى كارن في "بيت الجمال"، وتطلب منها تحويلها إلى دمية صغيرة، لتكون جاهزة للقائها الحميمي في تلك الليلة. ولكن تلك الصبية "صابرينا غوثمان" تموت في اليوم التالي، والتشخيص الطبي يقول إنها ماتت منتحرة.

الفساد والجولة المليونية

تفقد الرواية هدوءها منذ تلك اللحظة؛ لتتحول إلى رواية بوليسية لمعرفة كيفية انتحار، أو لمعرفة قاتل، الصبية الصغيرة غوثمان، والظروف التي مرت بها خلال وبعد موتها.

خلال ذلك نعثر على طبقات متنوعة من الفساد في المجتمع الكولومبي الراقي. الفساد الذي يتناول رجال أعمال طارئين، ليسوا سوى واجهات لأعضاء برلمان ووزراء.

فضح الفساد وعالم الجريمة والذكورية هما مراد هذه الرواية المثيرة، ولكن في مقابل "بيت الجمال". ليعثر القارئ على هذا التضاد الصارخ بين الجمال والقبح. بين الجمال برقته وعطوره وشبابه وأنفاسه الحلوة، والقبح بدمويته وعنفه وقسوته وروائح المخدرات والأنفاس الكريهة.

عندما يقرأ القارئ مصطلح "الجولة المليونية"، ونقدمها هنا كأحد الأمثلة عن الفساد الذي تلاحقه الرواية، يظن أنها رحلة وصول شخص ما إلى طبقة الأغنياء أصحاب الملايين. بينما الجولة المليونية هي طريقة في السرقة، تعتمد على اختطاف شخص في سيارة، غالباً ما تكون سيارة أجرة، وإجباره على تسليم كل ما يملك، بما في ذلك بطاقته البنكية ورقمها السري، ثم التجول به في المدينة، تحت الضرب والتنكيل، لحين انتهاء أفراد العصابة من الذهاب إلى البنك، أو أي أماكن أخرى، لسحب مدخرات المخطوف. وإذا قاوم المخطوف، أو حاول الهرب، فسيقتل بدم بارد، كما حصل مع الأميركي "جون تول". وهكذا "أصبح اليوم مجرد استقلال سيارة أجرة كالقفز من علو خمسة طوابق" (الصفحة 202).

النساء المسحوقات

تسعى كارن بيزو إلى جلب ابنها من عند أمها، ولكن صاحب البيت، بالاشتراك مع آخرين، يقوم باغتصاب كارن وهي عائدة من العمل، ويطردها من البيت بعد أن يقوم بسرقة كل مدخراتها، التي جمعتها خلال الأشهر الماضية. كانت هذه نقطة تحول في حياة كارن، التي صارت تعمل في الدعارة، ضمن مؤسسة دعارة خاصة للطبقة الراقية التي تعيش في شمال المدينة، ولتكتشف أن ثمن ليلة واحدة يعادل أجرها لأشهر في بيت الجمال.

"إداواردو راميلي" أحد عشاق كارن، وهو يعمل في شركة أدوية تنهب الدولة في مجال الصحة، وهو كذلك الكاتب الشهير الذي تكتب له زوجته كتبه. طوال ثلاثين عاماً تنزوي زوجته في المنزل لتكتب له كتبه، التي بلغت سبعة عشر كتاباً، بينما هو يوقع الكتب باسمه ويجري المقابلة الإعلامية، ويربح كثيراً من المال لقاء كتبه التي لم يكتبها. وهو الذي سيغير معالم جريمة مقتل "غوثمان" من جريمة قتل إلى انتحار، لحماية ابن شريكه المتنفذ وعضو المجلس النيابي، ليلقى راميلي مصرعه فيما بعد، بعد أن تثابر عائلة غوثمان على معرفة مصير ابنتهم.

رواية "بيت الجمال" تتدفق بسلاسة قاطعة لأنفاس القارئ، متخذة أساليب متعددة للسرد، منها حكايات الزبائن لفتيات التجميل، وحكايات فتيات التجميل والقواعد الصارمة في "بيت الجمال"، وكذلك مذكرات كارن التي تكتبها في السجن بعد اتهامها بجرائم قتل متعددة، على الرغم من أنها بريئة من كل ذلك.

هي رواية "كارن بالدس" التي أصرت أسكوبار على كتابتها، وهي تصرح بذلك ضمن متن الرواية نفسها، من أجل إيراد الحقائق المذهلة على فساد ووحشية وتعسف قواعد المجتمع الذكوري، أو الأبوي، وتعسف الجمال وهشاشته مقابل ذلك. وأسكوبار لا تهادن خلال روايتها هذه في الوقوف إلى جانب المرأة التي تُستغل جسدياً ونفسياً وعاطفياً.

"بيت الجمال" هي رواية حول العنف الجنسي والدعارة والعنصرية والفساد والذكورية المنتشرة في كل مكان. هي رواية اجتماعية انتقادية، لا يخفف من قوة جمالها الأدبي ذلك الطابع البوليسي الذي صار ميزة كتابة في كثير من الثقافات. وذلك الجمال السردي سارع في ترجمة هذه الرواية إلى كثير من اللغات، لتلاقي أسكوبار شهرة كبيرة في أوروبا كما في أميركا اللاتينية.

المزيد من ثقافة