Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموسيقى الكلاسيكية... محاولة لترويض "الوحش" (1)

عن المميزات والأشكال من السيمفونية إلى الأصوات وتصنيفاتها

أوركسترا لندن السيمفونية (غيتي)

يتهيّب الناس الموسيقى الكلاسيكية مع أنها في رقة النسيم. وصحيح أنها ليست موسيقى بسيطة يتمايل الجسد مع إيقاعاتها ويدندن بألحانها كما يفعل مع الشائع من الأغاني، لكن هذا لا يضعها على نقيض مع الطرب. وهي ليست للنخبة فقط لأنها متاحة للجميع وتأتي بالمجان مع معظم ما يستمع إليه المرء سواء على الراديو أو التلفزيون أو المسرح أو السينما. وفي هذه الحلقة الأولى (من اثنتين) نلقي بنظرة عامة إلى هذا "الوحش" نستبين بها ماهيته لأن هذه هي أولى الخطوات نحو ترويضه.

ثلاث مميّزات

زمنياً، تُعرّف الموسيقى الكلاسيكية (الغربية) بحقبتها الذهبية. وهذه هي الفترة الواقعة بين اثنين من كبار عباقرتها... بدءاً بيوهان سباستيان باخ وانتهاء بلودفيغ فان بيتهوفن، أي بداية القرن السابع عشر إلى الربع الأول من التاسع عشر. وثمة ثلاث سمات رئيسية تميّز هذه الموسيقى عما عداها من الأشكال الموسيقية الأخرى لدى مختلف الأمم وهي:

أولاً: أنها خلقت لنفسها أبجدية أتاحت تدوينها على الورق في ما يعرف باسم "النوتة" (أو النوطة). فأضحت "حروفها" الموضوعة على خمسة أسطر في كل مرة تفيد بموضع النغمة على السلم الموسيقى وأيضاً الزمن الذي تستغرقه تبعاً لسرعة الإيقاع المدوّنة أيضاً على صدر النوطة. وهكذا صار بمقدور هذا الابتداع - على بساطته - توثيق المؤلفات الموسيقية في زمن جد بعيد من تكنولوجيا التسجيل الصوتي.

ثانياً: أنها تجمع نغمات معينة في الزمن والمساحة نفسيهما في ما يسمى "الهارموني" (أو التناغم). وهذا اكتشاف وليس اختراعاً. فالنغمة هي النغمة. وبينما اكتفت بقية الثقافات الأخرى برص النغمات الواحدة تلو الأخرى (لأن الأذن تنفر من نغمتين أو أكثر تأتيان في الوقت نفسه خبط عشواء)، اكتشفت الغربية أن ثمة عملية حسابية بسيطة في كل سلم موسيقي تتيح الجمع بين نغمات معينة تصل إلى أربع (وخمس أحياناً) وتسمى "الكورد" وتُكسب الموسيقى حلاوة وطلاوة، لأنها تخدع الأذن وتخيّل لها أن ما تسمعه نغمة واحدة محببة بسبب عمقها وثرائها.

ثالثا: أنها مؤلفة لآلات موسيقية تسمى مجتمعة "الأوركسترا". وتتشكّل هذه من الوترية (وهي الأساسية) مثل الكمان والتشيلو والهارب، والنفخ مثل الفلوت والكلارينيت والأوبوا، والنفخ النحاسية مثل الترمبة والترمبون، وذات اللوح مثل البيانو والسيليستا، إضافة إلى آلات ضبط الإيقاع كالطبول وغيرها. ويعتمد عدد العازفين في أي أوركسترا على العمل الموسيقي نفسه ومكانه. فمثلاً يمكن أن يصل عددهم ما بين خمسين ومئة في حالة الأوركسترا السيمفونية، وما يقل عن خمسين للكونشيرتو وما بين اثنين وخمسة وعشرين لموسيقى الصالونات وهكذا دواليك.

أشكال رئيسية

عرضنا في مقالة سابقة الأشكال الرئيسية التي تتخذها الموسيقى الكلاسيكية، ويناسبنا هنا أن نعود إليها لأن الصورة لا تكتمل إلا بها. وهذه الأشكال هي:

السيمفونية

هي أهم أشكال الموسيقى الكلاسيكية. وهي معزوفة للأوركسترا المعروفة باسمها وتتألف من أربعة أجزاء تسمى "حركات". وأول هذه أشبه بملخص للعمل كله، وتكون حركة ثانيها بطيئة على عكس الثالثة السريعة. أما الحركة الرابعة فتكون مثل الأولى في سرعتها وتأتي بالسيمفونية ككل إلى ختام يتسم عادة بالعلو إذ تشارك فيه جميع آلات الأوركسترا، ولذا قيل في وصف العمل السيمفوني الجيد إنه "جمال البداية وقوة النهاية". وأخيراً فإن المتبع هو تسمية السيمفونية بمرتبتها في سلسلة إنتاج مؤلفها والسلم الموسيقي الذي أُلّفت عليه. فيقال، مثلاً، "السيمفونية رقم 2 لسيرغي رحمانينوف في سلم مي الصغير"، وهذا نظام ابتدعه الناشرون لتسهيل معاملات البيع والشراء.

استمع لسيمفونية بيتهوفن الخامسة في سلم دو الصغير، مع أوركسترا فيينا الفيلهارمونية:

 

الكونشيرتو

يشابه السيمفونية في أنه يقع في حركات (ثلاث في معظم الحالات وإن بلغت أربعاً أحياناً)، لكنه يختلف عنها في أنه مؤلف لآلة موسيقية معينة، على الأغلب الكمان أو البيانو وإن لم يكن حكراً عليهما. وبينما تكون السيمفونية مؤلفة للأوركسترا عامة، تصبح مهمة هذه الأخيرة في حالة الكونشيرتو هي مصاحبة الآلة المختارة في حلها وترحالها، إضافة إلى أن الأوركسترا تكون أصغر من حيث العدد في أغلب الأحوال.

استمع إلى كونشيرتو البيانو رقم 1 في سلم سي الصغير لتشايوفسكي يؤديه لانغ لانغ:

 

السوناتا

مقطوعة لآلة واحدة (البيانو أو الكمان في الأغلب) أو لأوركسترا صغيرة. سادت بشكل أساسي في عصر الباروك في أوروبا (القرن السابع عشر). وكانت في ذلك الوقت تعني "الموسيقى الصرف" تمييزاً لها عن "الأغنية" (الكانتاتا).

استمع لسوناتا الكمان رقم 3 في سلم ريه الصغير ليوهانس برامز تؤديها كلارا – جومي كانغ:

 

موسيقى الصالونات

مؤلفة لأوركسترا صغيرة بحيث يحتويها صالون المنزل من أصحابه إلى ضيوفهم. وهكذا لم تكن في ذلك الزمان للعامة وإنما لعلية القوم الأثرياء في حفلاتهم الخاصة. وهي تتخذ من هذه "الحميمية المنزلية" أهمية اجتماعية أكثر من كونها خروجاً على المألوف في ما يمكن أن يقال عن الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام.

استمع لحركة شوبيرت الثالثة في خماسية التراوت للبيانو في سلم لا الكبير كمثال لموسيقى الصالونات:

 

الرباعي الوتري

هو الرباعي المكون من كمان رئيسي وآخر ثانوي مصاحب وفيولا (الكمان الكبير) وتشيلو. وهو تشكيل وجد له مكانة خاصة في موسيقى الصالونات بفضل أنه العدد الأقل من أفراد الأوركسترا الذي يمكن أن يحتويه صالون في منزل خاص. وأهم ما يمكن ذكره هنا هو أن باستطاعة هذا الرباعي "تقليد" أعمال أوركسترالية كبيرة بتوفيره أربعة أصوات من الهارموني المطلوب في الموسيقى الكلاسيكية.

استمع لرباعية ماندلسون الوترية في سلم لا الكبير:

 

الأوبرا

الأوبرا (والمتفرّع منها) هي الوجه الغنائي الآخر لعملة الموسيقى الكلاسيكية لأنها تجعل من الصوت البشري أهم عناصرها وتضع صدحه في مرتبة أعلى من موسيقى الآلات. وهي، في المقام الأول، أحد أشكال المسرح. لكنها ليست "مسرحية" أو حتى "مسرحية موسيقية". وهذا لأنها تتميز عن هاتين الأخيرتين فى أن أحداثها لا تتم من دون موسيقى وحوارها بأكمله غناء ولا شيء سواه. وعلى هذا الأساس فلها في العادة مؤلفان: موسيقي وشاعر. كما أنها لا تكتمل إلا ببعض العناصر الأساسية مثل المناظر والأزياء وبالطبع التمثيل إضافة في بعض الأحيان إلى الرقص وبخاصة الباليه. وعلى رغم كل ذلك فهي تصنف جزءاً لا يتجزأ من الموسيقى الكلاسيكية الغربية لأنها في آخر المطاف موسيقى وغناء وإن اتخذت من الدراما معطفاً لها. ولتبيان هذا فإننا نقول- عندما نتحدث عن أوبرا "عايدة" مثلاً- إنها لجوسيبي فيردي (مؤلف موسيقاها) ولا نقول إنها لأنتونيو غيسلانسوني (كاتب أغانيها). ومن أفرعها "الأوبريتا" وهي أوبرا مصغّرة، و"الآريا" وهي الأغنية الأوبرالية القائمة بذاتها.

تصنيف الأصوات الأوبرالية

طوّرت الأوبرا تعريفات معينة للصوت الغنائي للنساء والرجال ومدى حركته على لوحة مفاتيح البيانو نورد هنا أبرزها:

السوبرانو

أعلى الدرجات التي يمكن أن يصل إليها الصوت النسائي، ولهذا السبب فإن صاحبته تتمتع بدور البطولة الرئيسي وتطير بفضله إلى أعلى سماوات الشهرة في عالم الأوبرا. فهو يمتد على مدى 15 نغمة ابتداء من "دو الوسط". ومن بين أشهر المغنيات السوبرانو على الساحة الدولية الإسبانية مونتسرات كبايي والأميركية جيسي نورمان واليونانية ماريا كالاس. استمع إلى هذه الأخيرة هنا:

 

الميتسو سوبرانو

يختصر عادة إلى "ميتسو" وهو ثاني أعلى الدرجات التي يمكن أن يصل اليها الصوت النسائي إذ يقل بدرجتين على السلم الموسيقي من السوبرانو. ولهذا السبب توكل إلى صاحبته الأدوار المساندة سواء كانت من الشخصيات الخيّرة أو الشريرة.

استمع هنا إلى إيلينا غارانكا في أوبرا "كارمن" كمثال:

 

الكونترالتو

هذا هو الصوت النسائي الأعمق القادر على الوصول إلى درجات أدنى من السوبرانو والميتسو إذ ينزل قراره إلى الـ"فا" تحت دو الوسط. وبهذا فهو يعادل بالضبط مدى الكونترتينور في الأصوات الرجالية ويعتبر نادراً لهذا السبب نفسه.

الكونترتينور

أعلى الأصوات الرجالية (ويعادل الكونترالتو النسائي) إذ يمتد من الصول تحت دو الوسط وعلى مدى 11 عتبة فوقها. ولتقريب الصورة فإن الرجال الذين يغنون بصوت "اصطناعي" أقرب لصوت نسائي يسمى "فولسيتو" أو "المزيّف" (مثل باري غيب مغني فرقة البوب الشهيرة Bee Gees) يقعون في هذه الفئة. وقديماً في إيطاليا كان العديد من المغنين الصبيان يُخصون حفاظاً على جمال أصواتهم، وعندها يسمون الكاستراتي (المخصيّون).

استمع هنا إلى تسجيل نادر لأليساندرو موريسكي الذي يقال إنه آخر المخصيين:

 

التينور

إذا كان دو البطولة الأوبرالي النسائي من نصيب السوبرانو، فإن الرجالي يعود إلى التينور. وهذا صوت يمتد من الدو تحت الدو الوسط إلى الدو فوقها، وأصحابه هم النجوم الساطعة في دنيا الغناء الأوبرالي. وبين الأشهر من هؤلاء لوتشياني بافاروتي وبلاسيدو دومينغو وهوزيه كاريراس. وقد شكل هؤلاء فرقتهم المعروفة باسم "التينور الثلاثة" والتي أصابت بعروضها الحيّة (على مدى عشر سنوات بين 1995 و2005) شعبية لا تقل عن تلك التي تتمتع بها فرق الروك آند رول والبوب. ومن أسطع النجوم التينور اليوم الإيطالي أندريه بوتشيللي.

استمع إليه هنا مع السوبرانو الإنجليزية سارة برايتمان وهما يغنيان "حان وقت الوداع":

 

الأصوات الغليظة

الأصوات الغليظة تبدأ من الباريتون الذي يأتي تحت التينور مباشرة ويمتد من الصول الواقعة عشر درجات أسفل الدو الوسط إلى الصول الذي يعلو عليها. وفي إيطاليا، موطن الأوبرا وصانعة قاموس المصطلحات الموسيقية، يعتبر تيتا روفو (1877–1953) الباريتون الأعظم في تارخ الغناء الأوبرالي.

استمع إليه هنا:

 

وهناك البيس باريتون الذي يأتي أسفل الباريتون نفسه وأحد أشهر الأصوات من هذا الطراز يعود إلى الألماني هانتس هوتر (1909–2003).

استمع إليه هنا:

 

أما أغلظ الأصوات الأوبرالية على الإطلاق فهو الباسو بروفوندو وتجد له مثالاً في غناء الأميركي إيريك هالفرسون هنا:

في الحلقة المقبلة نتناول حفنة من أشهر الأسماء في دنيا الموسيقى الكلاسيكية وبعض أعمالهم بيد، وباليد الأخرى بعض أشهر الأعمال الأوبرالية.

المزيد من ثقافة