Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وراء موقف ترمب من حرائق كاليفورنيا حسابات انتخابية

إن تقسيم الولايات المتحدة المصطنع إلى "ولايات حمراء" و"زرقاء" قد أوقع ضرراً رهيباً وغير أخلاقي في بلادنا لا سيما في ظل حكم ترمب

هل تدفع كاليفورنيا ثمن عدم تأييدها ترمب في الانتخابات؟ (غيتي)

أغرق صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي سيلٌ من صور سماء برتقالية وحمراء اللون تتصاعد فيها أعمدة الدخان في وقت يصارع الساحل الغربي للولايات المتحدة موجة تاريخية من حرائق الغابات. وشبّهت هذه الصور بـ"نهاية العالم" وأعادت إلى الأذهان مشاهد من فيلم بلايد رانر 2049. وأجهزت النيران على قرابة خمسة ملايين فدان من الأراضي، وقتلت 35 شخصاً على الأقل وما زال العشرات في عداد المفقودين. وفقاً لدراسة أجرتها جامعة كولومبيا، تضاعفت مساحة الأراضي التي تشب فيها حرائق في كاليفورنيا سنوياً خمس مرات منذ عام 1972. وبينما تلقي هذه الأزمة الضوء على آثار تغيّر المناخ الكارثية- التي وصفها ترمب في الماضي بالـ"خدعة"- تشير في الآن ذاته إلى مشكلة خلقتها آلية من الدستور نفسه: وهي المجمع الانتخابي electoral college.

زار ترمب كاليفورنيا مؤخرا بعد طول انتظار وبعدما تجاهل الحرائق بشكل كبير طوال أسابيع وحمّل مسؤوليتها إلى "إدارة الغابات" بدل تغيّر المناخ. وسعت إدارته إلى منع كاليفورنيا من تحديد معايير الانبعاثات، كما ألغت العمل بمئة قانون فيدرالي متعلق بالبيئة. وإلى ذلك، حين اشتعلت الغابات سابقاً، هاجم ترمب كاليفورنيا علناً، وتمادى في هجومه حدّ إطلاق تهديد بسحب المساعدات الفيدرالية منها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ونوفمبر 2018.

وزعم كبير موظفي وزارة الأمن الداخلي السابق مايلز تايلور أن موقف ترمب يسيّره استياؤه بسبب السياسة: "طلب منّا (ترمب) أن نكفّ عن إعطاء المال لأشخاص احترقت منازلهم بفعل حرائق الغابات بسبب سخطه من عدم دعم سكان ولاية كاليفورنيا له ولأن الولاية لم تكن من قواعده السياسية [مؤيدة له]".

لا تفحص النيران لوائح الشطب أولاً كي تتأكد إن كانت على وشك الإجهاز على بيوت جمهوريين أو ديمقراطيين، بل إن بعض البلدات المعزولة التي تصوّت لصالح الجمهوريين تتلقى ضربة قاسية جداً الآن. لماذا يتخذ رئيس الولايات المتحدة موقفاً عدائياً كهذا من مواطنيه وسط أزمة مناخية؟ لأن بعض الولايات مثل كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن لا تعطيه أصواتاً انتخابية- بكل بساطة.

ولّد نظام المجمع الانتخابي electoral college البائد وصفة مثالية لحكم الأقلية. وضع الآباء المؤسسون هذا النظام في البداية كي يمنعوا تركّز قوة الانتخاب ضمن الولايات الحرّة التي ألغت تجارة الرقيق ويعيقوا تلاعب الزعماء الشعبويين الديماغوجيين بالناخبين قليلي الاطّلاع. لكن ما أفرزه هذا النظام هو انتخاب شعبوي ديماغوجي يقتات على ناخبين قليلي الاطّلاع وعلى زيادة تمثيل الولايات الريفية في السلطة الفيدرالية.

بعد خسارته التصويت الشعبي أمام هيلاري كلينتون بفارق 3 ملايين صوت تقريباً (في الانتخابات الماضية)، فاز الرئيس ترمب بالمجمع الانتخابي بعدد أقلّ من 80 ألف ناخب في ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان. إن غياب التصويت الشعبي national popular vote على المستوى الوطني قسّم هذه البلاد بشكل متباين بين ولايات حمراء وأخرى زرقاء، مع أن الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء يعيشون في كل الولايات. كما خلق بيئة تتيح للرؤساء التركيز على الضغط باتجاه إقرار سياسات تفيد الولايات التي تصوّت لهم وتسمح لهم بالترويج لحملاتهم بشكل أساسي في الولايات القليلة التي يمكنها حسم نتيجة الانتخاب نحو أحد الاتجاهين.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد عبّر أشخاص من مختلف الاتجاهات بمن فيهم الصحافي ماثيو تشابمان الذي يميل إلى اليسار والمحامي المحافظ جورج كونوي، عن استنكارهم لهذا الموضوع. وهي مشكلة فعلية يجب التصدي لها وإلا سيواصل الرؤساء المقبلون استغلالها. لم يتصرف أي رئيس آخر في التاريخ الحديث وكأنه رئيس الولايات الجمهورية الأميركية بهذا الشكل المفضوح أكثر من دونالد ترمب. فهذا الموقف العدائي من كاليفورنيا ليس أمراً عادياً بل هو أسلوب عمل ترمب.

حين اكتسح إعصار ماريا بورتوريكو، جاءت استجابة ترمب له أضعف من تلك التي خصّ بها الأعاصير التي ضربت فلوريدا وتكساس. وفي الحقيقة، هاجم الرئيس مراراً وتكراراً مسؤولي وسكّان بورتوريكو على حد سواء (وهم مواطنون أميركيون)، معتبراً أنهم "استغلاليون" يعيشون على حساب الآخرين. في الواقع، لا تتمتع بورتوريكو بنفوذ انتخابي، لكن ترمب لم يتصرف بالطريقة ذاتها تجاه الولايات الحمراء. 

وفيما تعزى استجابة ترمب الأولية الفاشلة لكوفيد-19 إجمالاً إلى رغبته في عدم بثّ الخوف في سوق الأسهم، تشير بعض الدلائل إلى أن سبب عدم تصرفه بشكل فوري وطارئ هو أن الجائحة سدّدت ضربتها الأقوى بدايةً إلى الولايات الزرقاء. ودبّت خلافات متكررة بينه وبين حكام الولايات الديمقراطيين مثل حاكميْ واشنطن جاي إنسلي ونيويورك أندرو كومو كما هاجم الاقتراحات المطروحة لتمويل الولايات واعتبرها "إنقاذاً للولايات الزرقاء". لكن ترمب لم يتصرف بالطريقة ذاتها مع الولايات الحمراء حين زاد معدّل تفشي الوباء فيها خلال الصيف.  

وفي يوليو (تموز)، نقلت صحيفة واشنطن بوست أن ترمب "ضجر" من الاستجابة للجائحة ولم يتفاعل معها من جديد سوى حين قال له مستشاروه إنها تؤثر في "جماعتنا" وفي الولايات المتأرجحة: "بدأ كبار المستشارين يعرضون على ترمب خرائط وبيانات تظهر ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا في أوساط "جماعتنا" في الولايات الجمهورية، بحسب ما قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة. كما تقاسموا معه التوقعات المتعلقة بارتفاع انتشار الفيروس في الولايات المهمة سياسياً في منطقة وسط الغرب- بما فيها ميشيغان ومينيسوتا وويسكونسن، بحسب تعبير المسؤول.

بخصوص استعمال كلمة "جماعتنا"، يجب القول إنه حين تكون رئيس الولايات المتحدة الأميركية، فكل الشعب جماعتك. لكن للأسف، يبدو أن دونالد ترمب يرى كل شيء من منظار الصفقات. إن لم تنتخبوه، فلا تنتظروا أن يهتم بقضاياكم، بالتالي ماذا سيجني من عدم تصويتكم لصالحه؟ إن المصلحة الشخصية للرئيس مهمة، ونحن الآن أمام رئيس ينظر إلى الأميركيين كأصوات انتخابية وليس كأرواح بشرية.

قبل إصلاح نظام المجمع الانتخابي أو استبداله بالتصويت الشعبي الوطني عن طريق تعديل دستوري، لن يكون لدى الرؤساء المقبلين الذين تنتخبهم أقلية في بعض الولايات، أي حافز حقيقي كي يهتموا بمصالح الأميركيين في كل الولايات وبشكل متساوٍ. وفي الأثناء، ربما بإمكاننا محاولة الامتناع عن انتخاب المزيد من الدجّالين الجهلة الأنانيين غير الأخلاقيين لتولّي أقوى منصب على وجه الأرض. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء