Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفلسفة تقود إلى الإيمان أم الإلحاد؟

مناظرة سعودية أثارت جدل "العقل والعلم" بوصفهما جانيين ومجنياً عليهما

تتحرك رياح السعودية ليس على الصعيد السياسي فقط وإنما كذلك آلتها الثقافية لتساير التغيير الواسع الذي يطال حتى الفكر والأدب، فبعد إصدار الناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي كتابه "العقل المؤمن، العقل الملحد" لم يتوقف السجال على الردود في الصحف والمنصات الاجتماعية، بل تحول لمناظرة بين المؤلف مع أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة الملك سعود الدكتور راشد العبدالكريم، بُثت مباشرة على قناة وزارة الثقافة التي نظمتها في "يوتيوب".

وأثارت المناظرة موجة من التفاعل الذي تابع حجاجاً فكرياً خاضه الغذامي والعبدالكريم على هامش موضوعَي الإلحاد والإيمان والأسئلة الكبرى التي تبحث: هل للكون خالق؟ ولماذا جاء الكون للوجود؟ وما مصيرنا بعد الموت؟ فيما تابع المحاضرة قرابة 5 آلاف مشاهد طوال أكثر من ساعة أدارها الإعلامي عبدالعزيز العيد.

وأبرزت المناظرة جانباً من السجال الفكري الذي يصطبغ به المشهد المحلي وتلاقي الأفكار المحلية مع المشاريع الفلسفية العالمية، كما أظهرت وجه المثقف الذي ينافح عن فكرته بحثاً عن حلول، إذ يشكل كتاب المناظرة جزءاً من سلسلة أعمال جدلية، اعتاد الغذامي إصدارها على التوالي. 

ويأتي تنظيم المناظرة ضمن سلسلة من اللقاءات الحوارية الافتراضية التي تستضيف نخبة من المثقفين السعوديين والعرب لمناقشة قضايا فكرية متنوعة لمد جسور التواصل مع الجمهور، وإثراء المشهد الثقافي المحلي بلقاءات نوعية تلقي الضوء على قضايا متنوعة، وتعزز الحوار بين المبدعين والمؤسسات الثقافية والجمهور من مختلف الشرائح.

أسئلة وشكوك

طرح عبدالله الغذامي في بدء مداخلته تلخيصاً لفكرة الكتاب الذي حمل عنوان "العقل المؤمن العقل الملحد... كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد؟"، مضيفاً أنه وقف على سبعة فيزيائيين وعلماء وفلاسفة عصريين، وناقش كلاً منهم الآخر في القضية، ليمتحن العقل البشري بعقول معترف بها في الثقافة وهي عقول كبرى تنوعت بين من آمن ومن كفر، متوصلاً إلى أن "العقل والإيمان محايدان بدليل أن العقل نفسه استخدم لتبرير الإلحاد والإيمان، والفلسفة استخدمت مبررة لهما كذلك، أما الشخص غير المحايد فهو الإنسان وليس العلم أو العقل".

وتدخّل راشد العبدالكريم بالقول إن لديه نقطة جوهرية لم يراعِها الغذامي في ما يتعلق بالمصطلحات وضبطها، واستخدام مفاهيم فلسفية وشرعية يصعب على القارئ فهم مقصوده منها، "فالشك على سبيل المثال يورد ضمن الشك المنهجي أو المعرفي أو اللاأدري أو الوسواس، ولم يبين لنا مراده في كل سياق"، فيما يرى أن الكتاب غيّب العقل المؤمن، محتجاً بالقول إن الإيمان لا يحتاج لبرهان فلسفي بل يحدث في القلب فجأة.

ودافع الغذامي بأن الشك يشبه الفرضية العلمية فنحتاج للتعامل مع هذه الأسئلة التي تنتجها النفس البشرية، وعلينا أن نسلم بأنها موجودة، ومبتغاي التوصل إلى كيفية التعامل معها، مشيراً إلى أن "الجيل الشاب يطرح أسئلة مشروعة نحتاج للتعامل معها كما أن الإيمان يحتاج إلى برهان لمن لا يؤمن، ويحتاج للدفاع عنه بوسائل العصر وهي العلم والفلسفة، ومشروعي التعامل مع أسئلة الجيل الشاب وتهوينها وليس تهويلها والتخويف منها".

ورأى العبدالكريم أن الشك يهجم على الإنسان من دون إرادته، والشك المنهجي قد يكون حقيقياً، ونحتاج إلى تصنيف الشك فليس كل سؤال نابع عن شك، مضيفاً أن "الكتاب وقع في مغالطة إما أن نقبل بالشك والإلحاد أو نقبل التفكير الفلسفي وكأنه لا يوجد خيار آخر وهو الثالث الإيمان، وغالب الناس مؤمنون ولا يحتاجون إلى البرهان الفلسفي".

ما بعد الدروينية والتطور

وذكر راشد العبدالكريم أن الغذامي تقبّل النظرية الداروينية من دون تفصيل في أي أطوارها بينما يحمّل المؤمنين مسؤولية العودة للتراث وإعادة تفسيره، متهماً اياه بتقوية جانب الملحدين بما يعتقد العبد الكريم أنه "سيؤدي لزيادة الشك حتى لدى المتشككين".

وردّ غريمه بأنه التزم في الكتاب بنظرية التطور لدى كولنز، "وإذا أردنا الاستناد إلى آراء المفسرين التراثيين فإنهم من يتبنى نظرية التطور كما تورد كتبهم وتفسيرهم للقرآن عند الطبري والقرطبي، في تفسيرهما الآية الأولى من سورة الانسان "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً".

واعترض العبدالكريم بأنه لا يمكن الجمع بين الخالق وبين نظرية التطوريين اجمالاً، طارحاً سؤالاً عن إيمان الغذامي بخلق آدم، ما استثار غضبه ملمحاً إلى أن المناظرة لم توضع لمثل هذه الأسئلة وأنه يفضل ترك المناظرة على التعرض لها.

وأكد الغذامي أن التطور والداروينية أمر مختلف، وأن كولنز يقدم خلاصة لما تطورت إليه النظرية في عصرنا، ووصل إلى التوفيق بين النظرية والنصوص الدينية لديهم.

وتشبث العبدالكريم بالقول إن الكتاب يمارس التهوين من الشك خصوصاً أن الدكتور لا يعرّف الشك اصطلاحاً، وذكر أنه قرين الإيمان، "ثم أحال إلى حل النظر الفلسفي وهو أمر غير صحيح، لأن أكثر ما يثير الشكوك الإدمان في النظر الفلسفي، وشكوى الفلاسفة من ذلك شائع"، مختتماً بأن الشكوك أنواع وطرح السؤال لا يعني الشك، بل طلب المزيد من المعرفة أحياناً، والمساواة بينهما مخالف للنهج المعرفي.

وذهب الغذامي إلى أن التهويل هو الخطر، وليس التهوين، "لأننا إذا هوّنا المرض على المريض سنساعده على العلاج"، داعياً إلى التوقف عن ذلك، مبيناً أن الشك موجود والكل يعرف حضوره في النفس البشرية، بينما الشكوك أصبحت وساوس بسببنا، وهي اسئلة تحتاج لتعامل واقعي وتهوين.

ردود فعل

‏‏‏وتفاعل الأستاذ بجامعة الملك سعود سابقاً الدكتور حمزة قبلان المزيني بأن "الإلحاد" صار موضة للوعظ عند "الوعاظ" الجدد بديلاً للقصص المختلقة التي كان الوعاظ السابقون يروِّعون بها الناس كأحوال الموتى الذين يستمعون الأغاني، وغير ذلك مما اعترف بعضهم علانية باختلاقه، ويأتي بريق استخدام "الإلحاد" لكونه تنطُّحاً للعلوم الحديثة ولأشهر العلماء المشتغلين بها!، ويرى أن المناظرة بين الأستاذين الكريمين أثبتت أنه لا بديل عن التواصل البشري المباشر.

ورصد المزيني أن الأستاذ الدكتور راشد العبد الكريم "مع احترامي له لم يأتِ بجديد فقد كرّر الموقف المعهود من حيث علاقة العلوم الحديثة بالإيمان وأنها تمثل بصورتها عند المشتغلين بها نقيضاً ضرورياً لذلك الإيمان، أما الأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي فقد ركز على أن العلوم الحديثة والفلسفة محايدة في قضايا الإيمان والإلحاد والتوقف (اللاأدرية)، أما الذين يؤمنون أو يلحدون أو يتوقفون من العلماء والفلاسفة فهم يتخذون تلك المواقف لأسباب أخرى غير الصدور عن إلزامات العلوم أو الفلسفة".

ثم أوضح الدكتور عبدالقادر الحربي أن اللقاء حتى وإن كان مختلفاً ولم نعتده "إلا أني لا أدري كيف يمكن تصنيفه كمناظرة فقد بدأ بمغالطة الدكتور العبدالكريم وهي مغالطة "المنحدر الزلق" وجل وقت الدكتور الغذامي ذهب لكي يوضح وهم "المنحدر الزلق". اللقاء حوى مغالطات منطقية ودور المقدم كان هامشياً ولم يتدخل ليوضح تلك المغالطات".

وبيّن محمد الزبيدي أن المناظرة كانت بين عقلين "منفتح على ثقافة وعلوم الآخر ومغلق على ذاته وثقافته"، وأن موقف الدكتور راشد من الفلسفة لا يبتعد كثيرا عن موقف ابن تيمية من الفلسفة والمنطق، أما موقف الدكتور الغذامي فكان أقرب إلى الواقعية وملامسة حاجة إنسان هذا العصر وربما كل عصر. "فهناك حالات يكون فيها الإيمان معدوماً أو ضعيفاً أو قوياً ولعل في الفلسفة حلاً لخلق الإيمان أو تقويته، أما كون الفلسفة طريقاً إلى الكفر أو الإلحاد فهذه مغالطة أوردها الدكتور راشد لأن ذلك يعتمد على الإنسان ذاته لا الفلسفة كما قال الدكتور الغذامي".

المزيد من ثقافة