الجسد وحدوده مفهوم يختلف من ثقافة إلى أخرى. لطالما اعتبر البعض أنه من المسموح التعاطي مع الأطفال بطريقة تجعل أجسامهم شبه مباحة للأقارب والأصدقاء، من الأخذ بالأحضان والقبلات إلى مراقبة نمو الجسد، على الرغم من انزعاج الأطفال أحياناً.
بالطبع، ليست كل عاطفة تُظهر لطفل تكون محل شك، ولكن من المهم احترام رغبة الطفل وحيزه النفسي والفيزيائي، حتى من أقرب المقربين. والانتباه والمراقبة الدائمة لمعرفة إذا ما كان الطفل يتعرض لمجرد عاطفة أو لتحرش.
من يتحرش بالأطفال؟
التحرش بالأطفال هو الاتصال الجنسي بين طفل وشخص بالغ لإرضاء رغبات جنسية للبالغ مستخدماً قوته وسيطرته على الطفل. هذا في التعريف.
المعالجة النفسية ربى نحاس، منسقة برنامج التوعية في جمعية "حماية"، تقول لـ"اندبندنت عربية" إن العنف الجنسي هو كل فعل جنسي مع أو بدون لمس من قبل شخص راشد أو قاصر لديه سيطرة على الطفل.
وعند السؤال عن كيفية معرفة "بروفايل" المتحرش، يتضح أنه قد يكون أي شخص، وليس بالضرورة أن يكون مريضاً نفسياً، أو له ماض مشابه لما يقوم به. لذا، فالحذر واجب من أي شخص بعيداً كان أم قريباً.
وتشير ربى إلى أنه بحسب الحالات التي وصلت إلى جمعية "حماية" فإن 90 في المئة من التحرش بالأطفال ناجم عن العائلة الممتدة، العم والجد والخال وشريك الأم وأحياناً الأب أو الأخ. في أغلب الأحيان، يكون المتحرش ذكراً. وهذا لا يعني أنه لا يوجد حالات تحرش من النساء تجاه الأطفال.
تضيف أن المتحرش يراقب الولد ويتقرب منه تدريجاً، بعد أن يعرف ما الذي يحبه كي يستدرجه ويشعره بعلاقة مميزة، ويغريه ليثق به ويشتري له الهدايا، ويجعله يشعر أن لديهما سراً ويجب عدم إخبار أحد به. والطفل في أحيان كثيرة لا يشعر أنه يتعرض للتحرش، وإذا لم تتم توعيته فهو لن يفهم ما يحدث. وقد يستمر الأمر لفترات طويلة. وتعطي ربى مثلاً هو أن إحدى السيدات كان والدها هو من يتحرش بها، لكنها لم تفهم إلا بعمر العشرين أن ما كانت تتعرض له هو تحرش.
والراشد المتحرش يختار ضحيته، فلا يذهب إلى طفل قوي، إنما يبحث عمن لديه نقاط ضعف. وعندما نتحدث عن تحرش لا يعني اللمس فحسب، تقول ربى. فقد يكون تعريض هذا الطفل لمشاهدة أعضاء الراشد التناسلية أو مشاهدة أفلام إباحية أو مشاهدة لأمور جنسية لا تلائم عمره أو يطلب منه أن يخلع ملابسه..
لا أثق برجل
انتشر قبل فترة على وسائل التواصل فيديو لثلاثة شبان في إحدى القرى في لبنان يتحرشون بطفل عمره 12 عاماً، ويجبرونه على أفعال جنسية ويضحكون عليه. الأمر الذي لقي استنكاراً واسعاً، وطالب الناس بحبس المتحرشين وفضحهم، وهذا ما حصل.
ولكن ما يحصل من دون تصوير يكون أحياناً أفظع وأخطر. إذ ينتشر المتحرشون بالأطفال والكبار ولا دلائل تشير إليهم. وقد يكونون غرباء أو جيران أو حتى من أقرب المقربين.
وتخبر نهلا (30 عاماً) أن ما كان يحدث مع شقيقها الأكبر منها بخمسة أعوام لا تعده تحرشاً، "فلقد كنا صغاراً، نكتشف بعضنا بغياب أي شرح من قبل الأهل، وعندما كبرنا توقفنا عن الأمر تدريجاً وأصبح لكل حياته، ونحن لا نتحدث أبداً عن الأمر". وتخبر أنها في عمر العاشرة كان عمها يلامسها بطريقة غريبة، ويسألها أسئلة تتعلق بجسدها، ويطلب منها أن تكشف عن أعضائها، ويغضب إن لم تفعل.
تقول "كنت أرتعب في كل مرة يتركنا أهلي ليهتم بنا أنا وأخي وأختي الصغيرة". جل ما كانت تخشاه أن يحاول مع أختها. وتشير إلى أنها لم تكن تفهم ما يحصل، إذ كان يصرخ عندما ينتشي فتخاف منه أكثر.
وتخبر أنه على الرغم من عدم "اعتدائه الكامل" عليها، إلا أنها أصبحت تخشى الرجال كلهم ولا تثق بهم، خصوصاً المهذبين منهم، لأن عمها كان بالنسبة إلى الجميع "قمة في الأخلاق والشهامة". ولم ينتهِ كابوس نهلا إلا في عمر الـ16 عندما تزوج عمها وسافر.
تقول إن الندوب الداخلية لا تختفي، وإنها أخبرت زوجها بالأمر بعد نوبة هيسترية عندما سمح لابنتهما (7 سنوات) أن تنام لدى بيت أخيه. وتعتقد أنه ربما حينها فهم خوفها منه في الفترة الأولى للزواج. وعلى الرغم من أنه حاول إقناعها بأن أخاه مختلف ومن المستحيل أن يفعل ذلك، رفضت الأمر، واتفقا على أن تبقى ابنتهما معهما فحسب. تقول "لم يحمني أحد، أريد أن أحميها، وأنا أرشدها، وأجيب عن اسئلتها بحسب عمرها، وأسألها دوماً إن كان أحد قد لمسها".
تحرش الجد غير حياتها
في السياق ذاته، تشارك يسرا تجربتها آملة أن تكون مثالاً لمن يتعرض في طفولته للتحرش، وتأمل ألا يسكت عن المتحرشين، وأن يُفضحوا فوراً من دون أخذ أي شيء بعين الاعتبار.
تخبر يسرا أنها تعرضت للتحرش بعدما تطلق والداها وسكنت مع أهل أبيها الذي كان مسافراً، وكانت تنام مع جدتها وجدها في الغرفة ذاتها. بدأ جدها يتحرش بها وهي في عمر الرابعة وحتى عمر 12 سنة، وكانت تحاول الهروب فيصرخ بها.
عاشت في ظل هذا الخوف حتى انتبهت جدتها وأرسلتها إلى النوم ليلاً في بيت عمها وهي في عمر التاسعة، لكن يسرا كانت تقضي يومها في بيت جدها ولم يتوقف هذا التحرش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم تجرؤ يسرا على إخبار أحد، إلا أنها انتفضت منذ سنتين وقررت عدم السكوت عندما لاحظت أن جدها يحاول مع ابنة عمها "الخجولة البريئة"، كما تقول، فذهبت وأخبرت أم الفتاة التي واجهت هي وزوجها الجدة التي بدورها واجهت زوجها، فأنكر الأمر وحبس نفسه لأيام في الغرفة. وغض الجميع النظر لاحقاً عن الموضوع.
وتضيف أن عمتها لا تسمح لبناتها بالذهاب إلى بيت أهلها والبقاء هناك. وتظن يسرا أن عمتها تعرف عن جدها، وربما تعرضت هي الأخرى لمضايقاته. والكل يسكت بحجة "أننا عائلة محترمة ومعروفة، والكل يخاف من الفضيحة". ولكن، عمها بدل مدخل المنزل ولم يعد يسمح لبناته بزيارة أهله أيضاً.
وتروي يسرا لـ"اندبندنت عربية"، "يقال إن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش يفقدون جزءاً من ذاكرتهم". وما زالت تذكر أنها تعرضت للتحرش من رفيق جدها وزوج عمتها واثنين من آباء رفيقاتها في عمر السابعة والثامنة. وتخبر أنها لم تكن تفهم ماذا يجري وكانت تشعر بالألم والانزعاج والخوف.
أما أمها فعلمت بالأمر أخيراً، بعد توتر مع يسرا ذكرت فيه غضبها من أهلها، "قلت لها إن كل بشاعة في حياتي كان بسببهما هي وأبي، فشتمتني، لكنها عادت واعتذرت لأن ردة فعلها كانت بسبب صدمتها". أرادت الأم إخبار أشقاء يسرا التي رفضت لأنها تريد أخذ حقها بيدها، ولا تريد أن يأخذ أحد حقها.
لا تثق يسرا بالرجال، ولا تبني معهم صداقات، ولا تشعر بميول جسدية تجاههم على الإطلاق، وتعتبرهم "مكنة جنسية حتى الطفل يحركها، فكيف الفتاة"! حتى أنها لا تثق بأحد لا بأمها ولا بأبيها وإخوتها وتكره فكرة العائلة.
تقول إنه على الرغم من بشاعة التجربة، أصبحت أقوى، وتدافع عن المرأة، ولديها وعي بالنسوية. كما أنها لم تعد تسكت ولا تخاف من الفضيحة، حتى أنها ضربت قريباً لها حاول التحرش بها في بيت خالها بحجة أنها أرادت خلع الحجاب.
سموا الأعضاء بأسمائها
تقول المعالجة النفسية ربى نحاس، لحماية الطفل لا بد من بناء المهارات لديه، ومن خلالها يستطيع حماية نفسه. وهكذا يجب التنبه لأهمية الشرح للطفل وتوعيته بعمر 3 سنوات عن الأماكن الخاصة، فنخبره أن للفتاة أعضاء خاصة هي المؤخرة والصدر والعضو التناسلي الأنثوي، وللصبي المؤخرة والعضو التناسلي الذكري. وتقول إنه من المهم تسمية الأعضاء بأسمائها ليشعر الطفل أن الموضوع ليس تابو، وليشعر أن في إمكانه طرح أسئلته بسهولة والوثوق بأهله، ولفهم أن هذه الأماكن خاصة به ولا يُسمح لأحد رؤيتها أو لمسها باستثناء مقدم الرعاية له.
تكون الإجابات للأطفال بحسب أعمارهم، ففي عمر أكبر قليلاً ترى ربى أنه لا بد من التفسير للطفل عن اللمسة المريحة التي تجعله يشعر بالاطمئنان والراحة والحب، واللمسة غير المريحة التي تشعره بالانزعاج، مع الشرح أن لديه كامل الحق بقول لا للشخص المتحرش ورفض ما يفعل والتخلص منه بالهرب أو بالصراخ. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأسرار، فهناك أسرار يمكن كتمانها كمفاجأة عيد ميلاد نستطيع المحافظة عليها وعدم البوح بها، وأسرار أخرى مثلاً عندما يطلب من الطفل القيام بأمر مزعج أو غير مريح علينا إفهام الطفل بحقه بالرفض وعدم كتمان الأمر بل إخباره لمن يثق بهم.
تقول ربى إن الطريقة التي نشرح بها للطفل من شأنها تمكينه وإعطائه التوعية اللازمة لتكون لديه ثقة بنفسه وليست بهدف إخافته. وتعتبر أنه من المهم الإجابة عن أسئلة الطفل دائماً. وأنه في الفترة التي يستكشف فيها جسمه إن لم يحصل على أجوبة الأهل، فهو سيبحث عنها حتماً في مكان آخر.