لا بد أنه من المغري بالنسبة لأعداء جونسون السياسيين، داخل حزبه وفي المعارضة، التساؤل عما إذا كان عصره القصير والبهيج والمروع أحياناً قد اقترب من نهايته. ومع تراجع آخر في الاتجاه المعاكس، هذه المرة حول ارتداء الكمامات، يمكن أن تتحول العودة إلى المدارس في إنجلترا إلى فشل ذريع شبيه بمهزلة نتائج الامتحانات، أو مثل تطبيق التعقب والتتبع (لحالات كورونا) "المتفوق عالمياً". كما قد يكون محرجاً مثل العديد من المبادرات الحكومية الأخرى المتعثرة في الأشهر الأخيرة (كتوفير وجبات مدرسية مجانية وفرض رسوم إضافية لخدمة الصحة الوطنية). وهكذا قد يكون من الصعب بالفعل معرفة مدى فائدة بوريس جونسون بالنسبة للمحافظين.
وكي لا ننسى، لا بأس بالتذكير أن جونسون قد أنفق بالفعل قدراً هائلاً من رأس ماله السياسي في محاولة إنقاذ مستشاره دومينيك كامينغز، وأهدر النوايا الحسنة المقدمة على كل مستويات بنية حزب المحافظين، ما يجعله الآن ربما بلا فائدة. فبعد ما فاز في الانتخابات العامة (قبل ثمانية أشهر فقط) بأغلبية ساحقة، وهزم جيريمي كوربين ونفذ البريكست (نوعاً ما)، يبدو جونسون الرجل فجأة وكأنه عديم الوزن. وقد أصبح ضعيفاً وهشاً على نحو مدهش، وغير قادر على الخروج من مستنقع كوفيد-19. لطالما عُرف حزب المحافظين بعدم التردد في إطلاق النار على زعمائه الفاشلين، بغض النظر عن إنجازاتهم السابقة، إذ أجبر كل من تيريزا ماي وإيان دنكان سميث وإدوارد هيث وحتى مارغريت تاتشر علناً على الاستقالة. وفي عام 2005، كان مايكل هوارد آخر من استقال بمحض إرادته، وعليك أن تعود إلى عام 1937 حتى تجد زعيماً محافظاً سابقاً له استقال من تلقاء نفسه هو ستانلي بالدوين، الذي كان سعيداً تماماً وراضياً بالتقاعد وفي وئام مع خليفته وحزبه وآفاقه.
لقد خسر حزب المحافظين من التأييد في الأسابيع الأخيرة إلى حد يكفي لجعلهم لا يشعرون بالارتياح للقيادة الراهنة، خصوصاً وأنّ الانتخابات التالية هي دائماً أهم من سابقاتها. ومع ذلك، ما زال يحافظ على تقدم طفيف، ويعود الفضل في ذلك إلى الشعور المستمر بعدم الثقة في حزب العمال وليس إلى الثقة في المحافظين. وتبدو تصنيفات كير ستارمر، زعيم حزب العمّال، الشخصية جيدة مقارنة بمستوى تأييد جونسون. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستوى تأييد نيكولا ستارجن في اسكتلندا، حيث يجب خوض معركة سياسية مختلفة وكسبها بالنظر إلى أن الناخبين باتوا أكثر تقلباً هذه الأيام.
وهناك حتى بعض الشائعات الغريبة المتداولة التي تقول إن جونسون نفسه ربما يفكر في التنحي قريباً، لقدرته على الإحساس باتجاه الأمور ولأن متعة المنصب قد ولت بالنسبة له.
من ناحية أخرى، يعود البرلمان للعمل، ما يعني استئناف التآمر. ولطالما أدمن المحافظون الشقاق، ويبحثون باستمرار كما يبدو عن قناة جديدة يمكن من خلالها إشباع رغباتهم التدميرية. وبالنسبة للنجاح الذي نعموا به خلال تسلمهم السلطة لعقد من الزمن، فإنه كان خارج إرادتهم. ويمكن القول بأن غريزة عدم الولاء لدى حزب المحافظين حديثاً باتت كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، من المحتمل أن يبقى جونسون بخير لبضعة أشهر أخرى. فمن المرجح أن يحل المنتقدون عن ظهره نتيجة مجموعة من العوامل هي استقالة سالي كوليير رئيسة "مكتب شؤون المؤهِلات وتنظيم الامتحانات" (أفكوال)، وكذلك تحذير الفرصة الأخيرة لوزير التعليم غافين ويليامسون، علاوة على الخطط لإعادة هيكلة الجهة المعنية بتنظيم الامتحانات. علاوة على ذلك، يفيد العلم بأن المدارس لن تصبح بؤراً لانتشار الفيروس في المجتمعات. وعلى كل حال، فإن جميع عمليات الإغلاق المحلية الطارئة قد حدثت أثناء إغلاق المدارس.
وعلى المدى الطويل أيضاً، يبدو الوضع آمناً نسبياً بالنسبة لجونسون، إذ من غير المتوقع إجراء انتخابات عامة حتى عام 2025 تقريباً. وبحلول ذلك الوقت، يُحتمل في الأقل أن يكون كورونا وبريكست قد صارا مجرد ذكريات سيئة، وستبدو السياسة مختلفة تماماً عن اليوم. كما أن الاقتصاد حينئذ لا بد له من أن يكون آخذاً بالتحسن، وإن كان بشكل ضعيف، مدعوماً بانتعاش عالمي، إذا كان محظوظاً.
لكن سيكون المدى المتوسط، أي الفترة التي تتراوح بين ستة أشهر وسنة، هو الأكثر خطورة على رئيس الوزراء وحزبه. وقد تتكاتف فيه موجة ثانية محتملة من كورونا مع الفيضانات والإنفلونزا لتوجه معاً ضربة رباعية إلى بلد مريض سلفاً. وفي حال حدوث إغلاق (حجر عام) وطني آخر متزامن مع اضطراب هائل جرّاء خسارة التجارة مع أوروبا، ستفرد الأخبار الرئيسة عناوينها العريضة للنقص في الإمدادات وتفشي البطالة وعمليات الإخلاء وانهيار المالية العامة. وقد يعتبر أعداء جونسون التوقيت حينها مناسباً لجعله يواجه أحلك ساعاته (التي جناها في الغالب على نفسه) قبل أن يحاولوا التقاط ما تبقى. ويمكن بعد ذلك أن يُترك وشأنه لكتابة مذكراته، وتزيين حكاياته بأي حقائق يختارها.
© The Independent