أثارت مقاطع فيديو ترصد حفل زواج لفتاتين أردنيتين مثليتين الغضب والجدل في الأردن على نحو واسع، ما أعاد اتفاقية سيداو الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والمتهمة بإشاعة الانحلال الأخلاقي في الأردن إلى الواجهة مجدداً.
وتناقل أردنيون خلال الساعات الماضية مقاطع مصورة لفتاتين أردنيتين تشهران زواجهما بأحد المقاهي داخل العاصمة عمّان، وسط مطالبات للجهات المختصة بالتحقيق في هذه الحادثة. ويأتي ذلك وسط تحذيرات لعلماء دين ومتخصصين من أن الاتفاقية تدعو المرأة الأردنية إلى الانحلال والتمرد على أسرتها، بينما يرى طرف آخر أن ثمة بنوداً إيجابية في الاتفاقية، وأنها ليست شرّاً مطلقاً بالمجمل.
ووقّع الأردن على اتفاقية سيداو عام 1992، لكنه لم يصادق عليها في حينها، بسبب التحفظات في الشارع الأردني والبرلمان المخوّل بتمريرها.
مد وجزر
في عام 2017 أصدرت لجنة سيداو ملاحظاتها وتوصياتها للحكومة الأردنية، مرحبة بالتقدم المُحرز في مجال الإصلاح التشريعي، وطالبت بمراجعة وإصلاح كل القوانين الأردنية التي تميز ضد المرأة من خلال تعديلها، إضافة إلى تعديل الدستور وقانون الجنسية بهدف منح المرأة حق نقل جنسيتها إلى أبنائها.
وترى ممثلة اتحاد المرأة الأردنية في اجتماعات سيداو، الناشطة والحقوقية هالة عاهد، أن أبرز الأولويات للمرأة الأردنية هي حماية المرأة من العنف، بخاصة ما يتعلق بجرائم قتل النساء، والمطالبة بإلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، التي تعفي المغتصب من عقوبته في حال تزوّج المغتصبة، وإلغاء التوقيف الإداري بحجة الحماية. وتضيف أن من بين المطالب التي تؤيدها في الاتفاقية إنشاء دور إيواء النساء المهددات بالخطر، ومشروع قانون الحماية من العنف الأسري.
ويقول منير إدعيبس، المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، إن ثمة عوامل وصعوبات تحول دون تنفيذ الأردن الاتفاقية على نحو فعّال، وعلى وجه الخصوص التحديات الاقتصادية والديمغرافية والأمنية التي تواجه البلاد، نتيجة للصراعات المستمرة في المنطقة، لا سيما الأزمة السورية. إضافة إلى تنامي الأصولية، التي لها آثار سلبية على حقوق النساء.
بينما تؤكد اللجنة الوطنية لشؤون المرأة أن قرار الحكومة رفع التحفظات عن اتفاقية سيداو هو قرار في الطريق الصحيح، وينبغي تشجيعه ودعمه من قِبل كل المؤمنين بمفاهيم حقوق الإنسان من دون انتقائية، وبذلك يكون الأردن الدولة العربية الثانية التي ترفع التحفظات عن الاتفاقية بعد المغرب.
أمّا التحفظات التي سحبتها الحكومة فتتلخص في الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية، التي تنص على منح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بمنح جنسيتها لأطفالها، وبررت الحكومة ذلك بمخاوف سياسية وديمغرافية تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية. أمّا التحفظ الآخر فكان حيال المادة 15 التي تمنح الرجل والمرأة الحقوق نفسها في ما يتعلق بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.
علماء دين يحذرون
وتحت عنوان "الخطر القادم"، أصدر عدد من علماء الشريعة الإسلامية في الأردن بياناً يحذّر من "أخطار وسلبيات اتفاقية سيداو على الأردن والمجتمع".
وجاء في البيان أن قرار مجلس الوزراء الأردني برفع التحفظ عن البند رقم 4 من المادة 15 من اتفاقية سيداو المتعلق بمنح الأشخاص، رجالاً ونساءً، الحقوق نفسها المتصلة بحركة الأشخاص قرار خطير، ويسجل مخالفة صريحة لقوامة الرجل.
ويرى علماء الشريعة الذين وقعوا على البيان وعددهم 54، أن الخطورة في هذه الاتفاقية تكمن بجميع موادها وبنودها، لمخالفتها نصوص الشريعة الإسلامية، وهجومها الواضح على الدين والعقيدة الإسلامية.
المثليون في الأردن
ويخشى المئات من المثليين في الأردن الإفصاح عن ميولهم، بسبب رفض المجتمع الأردني المحافظ والقوانين التي تقف لهم بالمرصاد، إلا أن كثيراً منهم تجرؤوا في السنوات الماضية على إظهار هُويتهم غير آبهين بكل العقبات. ومن بينهم "خالد"، مؤسس أول مجلة أردنية تتناول قضايا المثليين، التي أطلقت عام 2007 واسمها my.kali.
وبلغت جرأة بعض المثليين في الأردن إلى حد تنظيم ندوة في العاصمة عمّان قبل سنوات بمناسبة "اليوم العالمي ضد رهاب المثلية"، بحضور السفيرة الأميركية في الأردن آنذاك، ما تسبب بحالة من الغضب وردود الفعل.
ووفقاً لاستشاري الطب الشرعي هاني جهشان، فإن المثلية الجنسية لا تشكل جرماً وفق القوانين لمن هم فوق الـ18، لكنها من الممكن أن تشكّل جريمة إذا ما تحوّلت إلى نشاط عام وعلني، وتحت بند "فعل منافٍ للحياء العام".
وفي عام 2019، أثارت رسومات لعلم قوس قزح، الذي يعتبر رمزاً من رموز المثليين، غضب سكان العاصمة عمّان بعد انتشاره على الجدران مرفقاً بصور للناشطة المصرية المثلية التي انتحرت أخيراً سارة حجازي.
وتنشط صفحة تحت عنوان LGBT Awareness in Jordan بدعوى التعريف بمجتمع المثليين.