Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشكل زيارة الكاظمي واشنطن منطلقا جديدا للعلاقة بين البلدين؟

الجماعات المسلحة الموالية إيران أعلنت عزمها التصعيد واستهداف المصالح الأميركية

"أقلنا قائد شرطة البصرة وعدداً من مدراء الأمن بسبب عمليات الاغتيال الأخيرة" (أ ب)

تتزايد التساؤلات حول زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الولايات المتحدة الأميركية، وإمكانية أن تمثل منطلقاً جديداً للعلاقة بين بغداد وواشنطن، التي شهدت توترات عدة في الفترة الماضية، تحديداً بعد فترة حكم رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، بما مثلته من ربيع لسلطة الفصائل المسلحة الموالية إيران على العراق.

تصعيد فصائلي

ويبدو أنّ طرح ثلاثة أبعاد في التفاهمات مع واشنطن من خلال شراكات في مجال النفط والطاقة، وتفعيل الاستثمارات الاقتصادية، ومواجهة النفوذ الإيراني، قد يمثل بادرة لعودة حالة الاسترخاء في العلاقة بين البلدين، وهو الأمر الذي استفز الفصائل المسلحة الموالية إيران، التي تسعى لابتلاع الدولة ودفعها إلى إعلان نيتها التصعيد.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته الانسحاب التدريجي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، فضلاً عن تصريحاته في ما يتعلق بأن وجود عدد محدود من الجنود الأميركيين مرتبط بـ"المساعدة في حال أقدمت إيران على أيّ شيء"، سارعت الفصائل المسلحة بإعلان رفضها مخرجات الزيارة، ونيتها استهداف المصالح الأميركية في البلاد.

وأصدرت مجموعة من الفصائل المسلحة في العراق بياناً حول زيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن، جاء فيه "تفاجأنا أن زيارة الكاظمي لم تتضمّن تنفيذ قرار إخراج القوات المحتلة الأميركية بشكل كامل، ونعدُّ ذلك التفافاً على سيادة العراق وكرامة شعبه، والتفافاً على الدستور والقانون الذي يلزمه تنفيذ قرار مجلس النواب".

وأشار البيان إلى أن "عودة الكاظمي من غير تحقيق قرار الشعب والبرلمان والحكومة وما قطعه من وعد على نفسه معنا ومع القوى العراقية بأن يكون رجل دولة بحجم العراق، يدافع عن سيادة بلده ويُنهي الاحتلال الأميركي، فإن المقاومة العراقية ستستهدف كل المصالح الأميركية، وتزلزل الأرض تحت قواتهم المحتلة، ولن تنجو من استهداف نيراننا، مهما تحصّنت وابتعدت عن مدننا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شراكة مع واشنطن وعلاقة متكافئة مع طهران

إلى ذلك، أعلن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي جزءاً من نتائج زيارته واشنطن، مؤكداً في الوقت ذاته أهمية تعزيز العلاقات مع واشنطن، مقابل علاقة متكافئة مع طهران، وقال الكاظمي، في تصريحات خلال لقاء جمعه مع مجموعة من الصحافيين في واشنطن، "العراق بحاجة إلى تعزيز شراكته بالولايات المتحدة، وتحقيق مصالحه الاستراتيجية"، مشيراً إلى أهمية "علاقة متكافئة مع إيران من دون هبات مجانية، أو زيادة في الاستيراد".

وتحدث الكاظمي عن بدائل متعددة في ملف الكهرباء، مشيراً إلى أن "العراق سيختار العرض الأقل ثمناً"، ‏ولفت إلى أهمية "ترميم الأضرار الممنهجة التي تعرّضت لها المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال ولاية الحكومة السابقة"، مؤكداً تبنيه "برنامجاً إصلاحيّاً طويل الأمد"، وأضاف، "أنا لست ساحراً، بل مناضلٌ لتحقيق ما يمكن تحقيقه وفق المدة الزمنية المتاحة"، وتطرّق إلى ملف التحقيق باغتيال الباحث السياسي هشام الهاشمي وقتلة المتظاهرين.

طهران وممرات تفاهمات بغداد وواشنطن

وتستمر الجماعات المسلحة بإدارة حالة من التصعيد ضد أهداف متنوّعة، بينها المنطقة الخضراء ومطار بغداد والقواعد العسكرية الأميركية، فضلاً عن هجمات متكررة على أرتال عسكرية متعاقدة مع التحالف الدولي، وهو الأمر الذي يراه مراقبون "رسالة مكررة"، تهدُف من خلالها الجماعات المسلحة الموالية إيران إلى إثبات وجودها وقوتها، وتأكيد رفضها أي تفاهمات بين بغداد وواشنطن لا تمرّ من خلال طهران، خصوصاً مع تسريبات تحدّثت عن رفض الكاظمي نقل أي رسائل من إيران إلى الإدارة الأميركية خلال استقباله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني، قبيل زيارته واشنطن.

في السياق، يقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، "استمرار القصف والتصعيد رسالة مباشرة من تلك الفصائل المسلحة، ومن خلفها إيران، بأن أي تسوية محتملة في العراق يجب أن تمر من خلالها"، مبيناً أن "هذا الاحتمال لن يكون وارداً مع إدارة ترمب التي لا تعتمد سياسة التسوية مع تلك الجهات على غرار إدارة أوباما".

ويضيف، لـ"اندبندنت عربية"، "واشنطن طرحت على الكاظمي برنامج عمل ومنهج لإدارة الدولة"، مبيناً أن "تعزيز العلاقات المشتركة بين الجانبين مرتبط بمدى موافقة وانسجام الكاظمي مع رؤية واشنطن"، ويشير إلى أن "الفصائل المسلحة تتبنى نظرية، مفادها بأن عرقلة مساعي الحكومة العراقية في صياغة تفاهمات مع واشنطن سيحفّز الأخيرة على الانسحاب، وهو ما تعوّل عليه تلك الفصائل من خلال الضغط على الكاظمي بوسائل متعددة"، معبراً عن اعتقاده أن "رفض العراق الاستراتيجية الأميركية سيؤدي إلى عواقب وخيمة قد تصل إلى حدود تبني خيار تغيير النظام بشكل كامل من قِبل إدارة ترمب".

تجفيف منابع تمويل الفصائل المسلحة

ويشير مراقبون إلى أن أهداف الفصائل المسلحة من التصعيد، بحجة الوجود العسكري الأميركي، لا يعدو سوى محاولة لعرقلة أي جهد حقيقي لترسيخ سيادة البلاد وإحكام السيطرة على دفة العلاقات الخارجية بعيداً عن نفوذها، وهو الأمر الذي يشير إليه الصحافي أحمد الزبيدي بالقول "آخر ما تريده الفصائل المسلحة هو حسم ملف الوجود العسكري الأميركي، فهو المبرر الوحيد في الوقت الراهن لإبراز العضلات واستعراض القوة، لإثبات ضعف الدولة مقابل مدى نفوذها"، ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "الكاظمي حاول من واشنطن تأكيد حسم ملف وجود القوات الأميركية، لقطع الطريق أمام الفصائل المسلحة التي تستخدم هذا الملف ذريعة لتنفيذ هجمات في العراق، وفي المقابل، صعّدت الفصائل من لهجتها وعملياتها حتى قبل الإعلان الواضح عن نتائج المباحثات".

واحتل البعد الاقتصادي الحيّز الأكبر من المباحثات العراقية الأميركية في واشنطن، التي تمخّضت عن توقيع اتفاقيات عدة مع شركات أميركية لتطوير الطاقة وتفعيل الاستثمارات ودعم الاقتصاد العراقي، فضلاً عن تمويل قطاع الكهرباء.

إلى جانب ذلك، يحاول قادة الفصائل ربما التلويح عبر تلك الرسائل بـ"عصا الكاتيوشا" في وجه الاستثمارات الأميركية التي تروّج لها الحكومة كواحدة من أهم نتائج زيارة الكاظمي الولايات المتحدة الأميركية، ردّاً على تحركات الحكومة لضبط الحدود وتجفيف منابع تمويل تلك الجماعات، وضرب نفوذها الاقتصادي، كما يرى مراقبون.

وفي هذا السياق، يقول الزبيدي "أحداث البصرة تشير بشكل واضح إلى حجم التحدي الذي يواجه الحكومة والشارع على حدّ سواء، من قِبل أطراف وفصائل نافذة تحكم سيطرتها على مفاصل حيوية من خريطة البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية عبر المال والسلاح".

حماية أمن البصرة

ويبدو أن الأحداث الأخيرة في محافظة البصرة دفعت رئيس الحكومة العراقية إلى إيلاء اهتمام بالغ بهذا الملف، ويرى مراقبون أن تزامن تلك الحوادث مع زيارته واشنطن، يعطي انطباعاً أن غاية تلك الجماعات إحراج الكاظمي وإظهاره رئيس وزراء ضعيفاً وغير قادر على حسم التحديات الأمنية، فضلاً عن كونها تمثل ردّاً على حملة الكاظمي على أحد أهم مصادر تمويل الجماعات الموالية إيران المتمثل بالمنافذ الحدودية.

وفور عودته إلى بغداد، توجّه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى محافظة البصرة على رأس وفد أمني كبير، وأفادت وسائل إعلام محلية بأن "وفداً يضم قادة أمنيين بارزين يرافق الكاظمي في زيارته، وسيعقد من هناك اجتماع مجلس الأمن الوطني".

وكان الكاظمي قد قال في تغريدة على "تويتر"، بوقت سابق، "أقلنا قائد شرطة البصرة وعدداً من مديري الأمن بسبب عمليات الاغتيال الأخيرة، وسنقوم بكل ما يلزم لتضطلع القوى الأمنية بواجباتها"، وأضاف، "التواطؤ مع القتلة أو الخضوع لتهديداتهم مرفوض، وسنقوم بكل ما يلزم لتقوم أجهزة وزارة الداخلية والأمن بمهمة حماية أمن المجتمع من تهديدات الخارجين عن القانون".

حملة تصعيد متوقعة

ويتوقع سياسيون أن تدير بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة الرافضة نتائج زيارة واشنطن، حملة تصعيد تستهدف إثارة أزمات جديدة أمام حكومة الكاظمي، وقال عقيل الرديني، القيادي في "ائتلاف النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في تصريح صحافي، "توجد أزمات سياسية وأمنية وغيرها، ستكون في انتظار رئيس الوزراء عند عودته من واشنطن، بسبب رفض نتائج الزيارة من قِبل بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة"، وأضاف، "ربما يكون هناك تصعيد كبير في عمليات قصف واستهداف الأهداف والمصالح الأميركية في العراق. لكن في الوقت نفسه، هذا يعتمد على الكاظمي في تعامله مع تلك الأطراف، وقدرته على تهدئة تلك الجهات".

في المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" المقرّب من إيران، كريم عليوي، "نتائج زيارة واشنطن لم تحقق الأهداف الوطنية المطلوبة من الكاظمي، خصوصاً في ما يتعلق بإخراج القوات الأميركية المحتلة، ما سيدفع البرلمان إلى استجواب رئيس الوزراء، لعدم تطبيقه قرار البرلمان الذي صوّت عليه مطلع العام الحالي، بإخراج القوات الأميركية من البلاد، الذي يعد قراراً ملزماً تطبيقه"، وتابع "بقاء القوات الأميركية في العراق فترة طويلة، سيدفع إلى تصعيد العمل العسكري من قِبل بعض الفصائل ضدها، خصوصاً أن الوجود الأميركي يعتبر احتلالاً"، وحمّل رئيس الوزراء "مسؤولية أي تصعيد في المشهد الأمني".

ويبدو أنّ المواقف التصعيدية التي تتخذها الفصائل المسلحة الموالية إيران، تنطلق من مخاوفها في أن تفضي التفاهمات الأميركية مع حكومة الكاظمي إلى تقويته، ومنحه شعبية كبيرة قبيل الانتخابات المقبلة، ما يفتح أمامه مسارات عدة، لتفكيك النفوذ والسلطة التي تتمتع بها تلك الجماعات داخل العراق.

المزيد من العالم العربي