Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يأتي لقاح كورونا بالتوقيت السياسي لرؤساء أميركا وروسيا والصين؟

مشهد سريالي عالمي عجيب: أنبوبة صغيرة مضادة لفيروس غير مرئي تتحكم بمصائر قادة دول عظمى

المنافسة الدولية المتعلقة باللقاح الكوروني تتعلق في جوهرها بالمنافسة على احتلال مكانة عالمية مرموقة (رويترز)

لم يُثر إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، أن بلاده أصبحت أول من يعتمد لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا المستجد، إعجاب العالم أو ذهوله كما حدث لدى إعلان الاتحاد السوفياتي إرسال أول قمر صناعي في مدار حول الأرض عام 1957. بدلاً من ذلك، قوبل إعلان بوتين بتشكيك واسع النطاق حول قدرات روسيا العلمية ومدى سلامة إجراءاتها الطبية.

هل فاز بوتين؟
لكن ادعاء بوتين أكد من دون شك، أن المنافسة الدولية المتعلقة باللقاح الكوروني تتعلق في جوهرها بالمنافسة على احتلال مكانة عالمية مرموقة ومتقدمة بين الأمم. إذ ستحقق الدولة التي تتمكن من ابتكار أداة لهزيمة فيروس كورونا المستجد انتصاراً معنوياً مدوياً؛ وهذا أمر مهم بالنسبة لبوتين، الذي ما فتئت شعبيته تتراجع في الداخل الروسي جراء الركود الاقتصادي الناتج عن العقوبات الغربية، إضافة إلى الخسائر الناجمة عن تفشي الجائحة، ناهيك عن الخطر السياسي الداهم الرابض على حدوده مع جمهورية روسيا البيضاء، التي تشهد ثورة شعبية رفضاً لنتائج انتخابات رئاسية مشكوك في نزاهتها فاز فيها حليفه ألكسندر لوكاشينكو، المتربع على رأس السلطة منذ عام 1994.

وتحوم الشكوك حول توقيت إعلان بوتين عن تحقيق الاختراق المتعلق باللقاح. ذلك أنه جاء قبيل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في روسيا البيضاء، التي وقّعت قبل 20 عاماً اتفاقية "دولة اتحادية" مع موسكو، إلا أن لوكاشينكو قاوم تنفيذها حتى اليوم. ولا يخفى على أحد رغبة بوتين في توسيع حدود إمبراطوريته غرباً، ففي تقرير له نُشر عام 2019، في هذا السياق، أوضح "معهد دراسات الحرب" ومقره واشنطن، "أن الكرملين يخشى تطور أي احتجاجات مستقبلية في روسيا البيضاء إلى ثورة تهدف إلى إلحاقها مع الغرب بعد رحيل لوكاشينكو عن السلطة". وأردف المعهد أن مخططات موسكو لا تتعلق فحسب بروسيا البيضاء، إذ يعتزم الكرملين تمتين قواعده العسكرية هناك لتوسيع تهديداته لحدود أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق. والأهم من هذا وذاك، أن بوتين يرى في قيام "دولة اتحادية" جديدة وسيلة لتمديد بقائه في السلطة بعد نهاية ولايته الأخيرة كرئيس لروسيا في عام 2024. انطلاقاً من هذه الخلفية يقول تيموثي فراي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا الأميركية لصحيفة "جابان تايمز"، حرص بوتين على أن يكون أول من يخرج في العالم بلقاح ضد فيروس كورونا، مما يمثل جرعة دعم سياسية قوية ومهمة في هذا التوقيت، الذي قد يشهد تدخلاً في روسيا البيضاء المجاورة.

حتى الصين

لكن روسيا لا تنظر وحدها إلى اللقاح بوصفه مخرجاً سياسياً. ففي الجهة المقابلة سارعت الصين، مهدُ ظهور فيروس كورونا المستجد، إلى وضع كامل ثقلها العلمي والبحثي لإحراز تقدم في سبيل تطوير لقاح مضاد. وتتباهى إحدى الشركات الصينية المملوكة للدولة، ويعمل بها 1000 باحث بأن موظفيها، بمن في ذلك كبار التنفيذيين، تلقوا جرعات تجريبية حتى قبل موافقة بكين على اختبار اللقاح على البشر.

ويبدو أن للرئيس الصيني تشي جيبينغ دوافعه السياسية الملحة تجاه إيجاد لقاح للجائحة. إذ وجدت بكين نفسها محاصرة خلال الشهور الماضية جراء الضغوط الدولية لتحميلها مسؤولية انتشار الفيروس، وتحمل تبعات الخسائر التي ألحقها في دول العالم. كما تعاني الصين الأمرين جراء الاضطرابات الديمقراطية في هونغ كونغ، والتصعيد الدبلوماسي في تايوان المجاورة، ناهيك عن الحشود البحرية الأميركية المضادة لتوسيع نطاق نفوذ بكين في بحر الصين الجنوبي. ومع حاجته إلى تحقيق انتصار سياسي مدوٍ عالمياً، لجأ الرئيس الصيني إلى عسكرة موضوع اللقاح، حيث طور باحثون تابعون لأكاديمية العلوم الطبية العسكرية، ما عدّهُ الخبراء، الترياق الأوفر حظاً للنجاح في البلاد وقاموا بتجنيد متطوعين للتجارب السريرية. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن وانغ جون تشي، خبير مراقبة جودة المنتجات البيولوجية لدى أكاديمية العلوم الصينية، أن بلاده "لن تكون في الصفوف الخلفية وراء الدول الأخرى في ما يتعلق باللقاح".

ثالث الثلاثة

ومن جهة ثالثة، وكما بوتين وجيبينغ، كذلك هو حال الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وضعت طريقة تعامله المستخفة مع الجائحة في بداياتها، مصيره السياسي في خطر شديد. ويأمل الرئيس الأميركي انتزاع قصب السبق في موضوع اللقاح قبل موعد الانتخابات في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وهو تاريخ بات يمثل كابوساً لترمب. ففي إطار السباق إلى البيت الأبيض يحاول الرئيس الجمهوري فعل كل شيء يفضي إلى انتصاره، بما في ذلك "سرقة" إنجازات الآخرين.

فقد وجهت ألمانيا في مارس (آذار) الماضي اتهامات للرئيس الأميركي بمحاولة الاستيلاء على لقاح مضاد لفيروس كورونا يجري تحضيره في مختبرات شركة "كيور فاك" الألمانية. وانتقدت أحزاب ألمانية ترمب واتهمته بمحاولة تحقيق نصر خلال حملته الانتخابية من خلال محاولاته هذه. من ناحيته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن "الباحثين الألمان يلعبون دوراً أساسياً في تطوير أدوية ولقاحات، ولا يمكن أن نسمح لآخرين بالسعي لحيازة نتائجهم بشكل حصري". وجاءت تصريحات ماس بعد ما سربت صحيفة "دي فيلت" الألمانية معلومات مفادها أن ترمب يسعى لاجتذاب علماء ألمان يعملون على مشروع اللقاح من خلال عرض ملايين الدولارات عليهم أو الحصول على حقوق حصرية لإنتاج اللقاح من خلال الاستثمار في الشركة. وقال مصدر قريب من الحكومة الألمانية للصحيفة إن "اللقاح سيكون في هذه الحالة للولايات المتحدة وحدها".

وقد رد ناطق باسم الإدارة الأميركية على هذه الاتهامات قائلاً إن "واشنطن تحدثت مع أكثر من 25 مختبراً للأدوية"، وأكد أن "أي حل قد نتوصل إليه سنتقاسمه مع باقي العالم". ولكن تحقيقات الحكومة الألمانية أكدت في وقت لاحق أن رئيس مجلس إدارة "كيور فاك" تلقى دعوة شخصية من الرئيس الأميركي لزيارة البيت الأبيض في الثالث من مارس (آذار) لبحث "تطوير لقاح ضد كورونا المستجد بشكل سريع". المثير في هذه القضية أن "كيور فاك" أعلنت بعد أسبوع من هذه الحادثة عن استقالة رئيس مجلس إدارتها بشكل مفاجئ دون أن تعطي أي أسباب لذلك.

ويبدو أن "المحاولة الألمانية" ليست الوحيدة ضمن مخططات ترمب. فقد أعلنت شركة "سانوفي" الفرنسية لصناعة اللقاحات، منتصف مايو (أيار) الماضي، أنها ستؤمن لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا للولايات المتحدة "أولاً"، لأن هذا البلد استثمر مالياً لدعم أبحاثها وتحمل مخاطر اقتصادية، حسب الرئيس التنفيذي للشركة. لكن الموضوع تحول في فرنسا إلى قضية رأي عام واعتبره الفرنسيون انتهاكاً للسيادة الوطنية، مما وضع باريس في موقف حرج أمام الضغوط الشعبية التي طالبت بتأميم الشركة قبل أن تضطر "سانوفي" إلى التراجع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لضمان مقعد الرئاسة

ويرى الخبراء أن ترمب سعى مبكراً، خلال محاولاته تلك، إلى توظيف اللقاح المضاد للجائحة لصالحه في انتخابات الرئاسة. فاكتشاف اللقاح أو الاستحواذ عليه، قد يعيد له شيئاً من شعبيته المتآكلة جراء الأزمة وتقاعسه عن اتخاذ الإجراءات التي كان من شأنها الحد من خسائرها البشرية والاقتصادية. لذا فإن سعي ترمب لتوفير اللقاح لا ينبع من قلقه على صحة ملايين الأميركيين وإنما لضمان بقائه في الرئاسة.
ليس من الواضح في هذه المرحلة ما إذا كان بوتين قد هزم ترمب وجيبينغ بإنجازه الطبي. يقول بوتين إن وزارة الصحة الروسية أعطت موافقتها بعد أن خضع اللقاح المسمى "سبوتنيك 5" للفحوصات اللازمة. وإن إحدى بناته قد جرى تلقيحها. لكن الأمر سيستغرق وقتاً أطول لمعرفة المدة التي ستستمر فيها الحماية التي يوفرها اللقاح.
يقول دانيال فرايد، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون الأورو-آسيوية لوكالة "أسوشيتد برس" "من المحتمل أن يكون الروس بالفعل قد تمكنوا من إيجاد الترياق المطلوب، ومن شأن ذلك أن يشكل رافعة لبوتين في الداخل والخارج". لكن خبراء آخرين يرجحون أن تكون روسيا قد حصلت على مساعدة؛ فقد اتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الشهر الماضي قراصنة يعملون لحساب الاستخبارات الروسية بمحاولة سرقة معلومات حول لقاح مضاد لفيروس كورونا من مؤسسات بحثية أكاديمية وصيدلانية.
المشهد السياسي العالمي يبدو سريالياً أكثر من أي وقت مضى؛ ذلك أن أنبوبة صغيرة مضادة لفيروس غير مرئي، باتت تتحكم اليوم بمصائر قادة دول عظمى، يتحكمون بدورهم في رقاب مليارات البشر. إنه زمن العجائب، زمن كورونا.

المزيد من تحقيقات ومطولات