عاشت البصرة أوضاعاً مضطربة خلال الأيام الماضية، إذ ودّعت تحسين أسامة ورهام يعقوب بعد اغتيالهما من قبل الميليشيات ونجح البعض في الإفلات بأعجوبة بعد إصابتهم بجروح، لا سيما عباس صبحي ولوديا ريمون. ويرى الناشطون أن البصرة تعيش حالياً تحت حكم الميليشيات التي تمارس سطوتها على المدينة بالسلاح وتقتل بكواتمها كل من له آراء تقف ضدّ الميليشيات المرتبطة بإيران.
التهديد يلاحقنا بشكل مستمر
يضطر النشطاء إلى تغيير أماكن سكنهم أو السفر وترك البلاد بعد أن تطالهم وعوائلهم التهديدات، فلا حلّ أمام مَن يشهر السلاح ويتحرّك بحرية عابراً كل الحواجز الأمنية والسيطرات إلّا الاختفاء. ويرى الناشط من محافظة البصرة منتظر الكركوشي أن مفردة "التهديد" أصبحت ملازمة لصفة الإعلامي والناشط المدني في البصرة حتى باتت تشكّل روتينهم اليومي، ويوضح لـ"اندبندنت عربية" أننا نتلقّى تهديدات بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الأخرى". ويضيف أننا بالغالب نتجاهل هذه التهديدات ولا نأخذها على محمل الجد، فلا سبيل لدينا سوى التعايش مع الوضع واستمرار عملنا المعارض لسطوة السلاح وفرض سلطة الدولة ومحاربة الفساد، مردفاً أن التهديدات في السنوات الأخيرة أخذت منحى آخر عن طريق مراقبة منازل الناشطين والفاعلين في التظاهرات وتتبّع تحركاتهم.
البصرة ووضعها الخاص
في هذا السياق، يرى الكركوشي أن الخلافات السياسية في بغداد تدفع بالغالب ثمنها البصرة لأسباب عدّة، أولها، مكانتها الاقتصادية، ففيها صراع نفوذ للسيطرة على الموارد المالية، والأمر الثاني، أن البصرة تُعدُّ أكبر قاعدة جماهيرية للأحزاب، وتنشط فيها الميليشيات، كما أن وضعها كمدينة حدودية مع ثلاث دول جعلت منها محطّ نزاع، وأداة للضغط بين الكتل السياسية، فجميع الاحتجاجات تنطلق من البصرة، ولا يمكن أن يتحقّق الاستقرار في العراق من دون الاستقرار في البصرة، فعندما تنحدر الأوضاع الأمنية في المدينة الاقتصادية التي تموّل الدولة سيسوء وضع العراق، ولذلك يعتبر أن البصرة هي "أداة الأحزاب التي تتقاتل في ما بينها".
أما الصحافي والناشط في حقوق الإنسان علي المكدام، فيرى أن المحافظة ومناطق الجنوب في العموم يكثر فيها السلاح المتفلّت والميليشيات، وأي شخص يهدّد نفوذ إيران سيتم إسكاته، فالميليشيات التي تمثل (اللادولة) ترسل رسائلها للدولة بأنه بإمكانها أن تهدّد الأمن الداخلي وهي في الوقت ذاته ترسل رسائل لكل ناشط "أن سعركم هو سعر طلقة المسدس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستغرب حسن الحلفي، أحد شبان المدينة توجيه الكواتم إلى البصرة فقط لأنها تطالب بأبسط حقوقها، لا سيما الماء الصالح للاستعمال وليس للشرب، موضحاً أن أهل المدينة طالبوا بإقالة المحافظ أسعد العيداني ولكن شبانهم يتلقّون الرصاص الحي لمطالبتهم بالعيش بسلام ومحاربة الفساد.
حملات التسقيط تسبق عمليات الاغتيال
ومن جهتهم، يرى الناشطون أنهم غالباً ما يحاربون بحملات تسقيط منظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل جيوش إلكترونية، لتعطي المبرّر للاغتيال أو تقليل التعاطف مع الجريمة على أقل تقدير. ويرى الناشط ناجي عسل أن التهم جاهزة لنا، فالأحزاب الإسلامية تتّهمنا "بالبعثية والجوكرية وعملاء السفارات وتلقّي الدعم الخارجي"، وكل هذه اتّهامات لتوجيه أسلحتهم وتبرير عمليات الاغتيال.
أما الناشط الحقوقي ياسين عبد الواحد التميمي، فيوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "كل من يطالب بتوفير فرص العمل والخدمات وإنهاء نفوذ الأحزاب الدينية، لا سيما المقرّبة والمدعومة من إيران، تُوجّه له تهمة جاهزة وهي العمالة لأميركا، أو أنه بعثي".
ويضيف أن "هذه التهم تُلصق بكل متظاهر يحتج ضدّ الفساد والطائفية، ويطالب بحصر السلاح بيد الدولة وحلّ الميليشيات، مردفاً أن أي ناشط أسهم بفضح ممارسات الأحزاب الدينية في العراق وأجنحتها المسلحة الميليشاوية، ودعم التظاهرات الرافضة لنظام المحاصصة والفساد الحكومي يُتهم بأن لديه أجندات خارجية، ومدعوم من السفارات وهي الحجّة لتصفية الناشطين".
الرصاصة الأولى
أما منتظر الكركوشي، فهو يعتقد أن الرصاصة الأولى التي وُجهت لحسين أسامة ورهام يعقوب كانت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وحملات التشويه، فهذه الحملات تعزلنا عن المجتمع لاستباحة قتلنا.
ولدى عدي الزيدي، عضو اللجنة المنظمة للتظاهرات، الكثير من الأحاديث حول التهديدات التي تعرّض لها، فيقول "تم اعتقال ابني وتعذيبه، وأُخذت منه اعترافات أنه ينتمي لحزب البعث والسفارة الأميركية"، ويستغرب من هذه التهم ويتساءل، كيف مَن عاش في العراق أن يُتّهم بالعمالة وكيف مَن جاء على ظهر الدبابة الأميركية ويعمل مع السفارة الأميركية، يُعتبر وطنياً؟ ويضيف، أليس من الأولى أن تُوجّه لهم الاتهامات بالعمالة، "ولولا أميركا لما دخلوا العراق، فهم عملاء للسفارتين الأميركية والإيرانية".
مرارة ويأس
يتحدث الناشطون بمرارة ويأس عن إمكانية ملاحقة قتلة زملائهم، فهم يقولون إن الحكومة تكتفي بإقالة المسؤولين الأمنيين من دون محاسبتهم، الأمر الذي يجعلهم يفلتون من العقاب، ولن يتم الكشف عن الحقائق، فالمتورط باغتيال المتظاهرين في الناصرية جميل الشمري أُقيل ولم يحاكم، كذلك الحال مع القائد السابق لشرطة البصرة رشيد فليح، وهذا ما جعل البيان الصادر عن ناشطي المدينة يطالب بضرورة تغيير رئيس الاستئناف فيها وقضاة الجنايات لعدم إكمالهم مجريات المحاكمات التي تخصّ الاغتيالات التي جرت.
إن لم تكن هناك خطة واضحة للأمن، ستبقى كواتم الميليشيات تلاحق أصواتاً سلمية تحاول خلق بلاد جديدة من ركام الطائفية والفساد.