Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السلطة الجزائرية تستعين بخزان "الشخصيات المعتزلة" لطرح بدائل لبوتفليقة

مسؤولون في الحزب الحاكم يشيدون بالجيش ويثمّنون دوره في ضبط المرحلة

طُرح اسم رئيس الحكومة الجزائرية السابق، مولود حمروش من قبل جهات عدة في المعارضة، كمرشح إما لتولي مركز في "هيئة رئاسية" في حال وافق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على مغادرة الحكم نهائياً أواخر الشهر المقبل، وإما كـ"أفضل مرشح" للرئاسة، وفق تعبير الأمين العام السابق لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم عمار سعداني، الناطق باسم الجناح الرافض لـ "حكم الاستخبارات" وفق ما يدّعي، في وقت يبدو أن ملامح "الإجماع التقليدي" في صناعة الرؤساء في الجزائر تتعزّز حوله.

وتردّد اسم مولود حمروش أكثر من مرة في نقاشات مغلقة بين وجوه في المعارضة، من دون تسويقه علناً، إذ يقترحونه كأحد بدلاء بوتفليقة في حال انسحب طوعاً في نهاية أبريل (نيسان) المقبل. وعلى الرغم من أن تكتل المعارضة يضم عدداً ضئيلاً من الأحزاب، إلا أنه بات يُتهم من قبل الحراك الشعبي بمحاولة ركوب موجة المسيرات بحثاً عن "شرعية" جديدة، إلا أن خريطة الطريق المطروحة للحل، والتي تتضمن أسماء مسؤولين سابقين، قد تعكس "صفقة" غير واضحة مع جهة قوية في السلطة.

لماذا عاد سعداني وباسم مَن يتحدث؟

وبعد ثلاث سنوات على اختفائه عن الساحة السياسية، عاد الأمين العام السابق لـ"جبهة التحرير الوطني" إلى الظهور الإعلامي. وبدا وفياً لخطابه المناهض لحكم الاستخبارات التي يطلق عليها تسمية "الدولة العميقة".

ودعا سعداني الذي كان رئيساً للبرلمان بين العامَين 2002 و2007، إلى ترك "بوتفليقة يكمل الشهر الذي يفصله عن نهاية عهدته الدستورية... أتركوه يدشن المسجد الأعظم الذي كان يحلم بتدشينه ويقف فيه ولو لحظة على كرسيه... هو مجاهد وشيخ كبير ومريض".

وقاد سعداني عملية تسويق خطاب "الدولة المدنية" بين العامَين 2013 و2016 حين تولّى الأمانة العامة لـ"جبهة التحرير الوطني". وعُرف حينها بانتقاداته الحادة لرئيس جهاز الاستخبارات السابق، الفريق محمد مدين (لقبه توفيق)، إذ كان يصفه بـ"صاحب القرار السياسي الذي صنع له أذرعاً في الأحزاب والوزارات والإعلام والقضاء"، ما فُهم يومها على أنه تسويق سياسي لخطاب العسكر، في وقت كان رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح يقود عملية تفكيك واسعة لجهاز الاستخبارات.

"إزاحة بوتفليقة بـ 5 دقائق"

وقال سعداني إن "المجموعة التي رشحت بوتفليقة لعهدة خامسة كلهم من الدولة العميقة (الاستخبارات)، إذ تسللوا إلى عمق الدولة من طريق أحمد أويحيى الذي هو عرابهم، وكنت قلت حينها إن هذا الأخير غير مرغوب فيه".

وغازل سعداني، رئيس أركان الجيش، مؤكداً أنه "أبقى هذا الباب مغلقاً وهو باب جهنم، ويمكن رؤيته في مصر، حيث لا تزال الفتنة قائمة إلى اليوم بعدما تدخلت المؤسسة العسكرية ونفذت انقلاباً". وأضاف أن "المؤسسة العسكرية كانت جمهورية بكل معنى الكلمة، فلم تقف ضد الحراك ولم تسمح للخارج بالتدخل وحمت البلاد من الفوضى، وكان بمقدور رئيس الأركان إزاحة بوتفليقة بمدة خمس دقائق".

إلا أن أبرز ما ورد في كلام سعداني كان أنه "يمكن حزب جبهة التحرير الوطني أن يقدم ثلاثة أسماء لخلافة بوتفليقة، هم رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، أو رئيس الحكومة السابق مولود حمروش". وختم كلامه بالقول "شخصياً أقدّم حمروش، الذي مارس المسؤوليات

وهو أقدمهم وله صفة مجاهد، وبالتالي يمتاز عن الآخرين بهذه الصفات. لذلك أنا من الذين يميلون إلى ترشيح مولود حمروش".

وكان بلخادم أمين سر بوتفليقة، قبل عزله و"إذلاله" في برقية رئاسية نُشرت في وكالة الأنباء الجزائرية. أما عبد المجيد تبون، فأُبعد بعد شهرين فقط على توليه قيادة الحكومة (خريف العام 2017)، حين دخل في صراعات مباشرة مع رجال أعمال مقربين من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، أبرزهم رجل الأعمال النافذ، علي حداد.


حمروش... "قبعة جبهة التحرير"

اعتزل حمروش السلطة نهاية العام 1989، حين أشرف على وضع أول دستور تعدّدي في الجزائر. ولم يظهر إلا في محطات قليلة، إذ أسهم في نشاطات محدودة قبيل الانتخابات الرئاسية للعام 2014 فُهِم منها أنه كان ينوي خوض السباق الرئاسي. وردّد حمروش حينها أنه "من الصعب تحقيق وفاق وطني من دون تزكية من مؤسسة الجيش".

ورأى الصحافي فاروق معزوزي أن "قوة مولود حمروش تكمن في أنه يحظى بدعم أقدم التيارات السياسية المتجذرة جماهيرياً، وهو التيار الأمازيغي من خلال جبهة القوى الاشتراكية، والتيار الإسلامي ممثلاً بالجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، كما

أنه ابن التيار الوطني بعضويته في جبهة التحرير الوطني". وأضاف معزوزي أن "لا نفور بينه وبين المؤسسات الإعلامية ورجال الصحافة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار"، متسائلاً "هل يمر حمروش، طوعاً أو كرهاً هذه المرة، أمام المؤسسة العسكرية التي يرفض أن يترشح ضد رغبتها؟".

"تيار الحمارشة"

ويحظى حمروش بدعم تيار واسع داخل "جبهة التحرير الوطني" يُسمى "تيار الحمارشة"، كما ظل صديقاً وفياً للمجاهد الراحل، حسين أيت أحمد، مؤسس جبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض في الجزائر). وتشارك الرجلان في مبادرات سياسية تزامنت مع ثورات الربيع العربي، رفقة الراحل عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، الشخصية الإصلاحية التي تحظى بتقدير القوى الديموقراطية.

من هو حمروش؟

يوظف المدافعون عن حمروش، ورقة مشاركته في الثورة التحريرية الجزائرية، بين العامَين 1958 – 1962. كما أنه من الشخصيات المقربة من الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، إذ كُلِّف بمنصب مدير البروتوكولات.

وتولى حمروش في فترة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، منصب رئيس الحكومة في سبتمبر (أيلول) 1989 خلفاً لقاصدي مرباح واستقال في يونيو (حزيران) 1991، ليخلفه سيد أحمد غزالي.

كما يستعين مناصروه، بوصفه "رجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية"، إذ قاد تعديلات دستور العام 1989، الذي أنهى فترة حكم الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني)، وفتح المجال أمام التعددية الحزبية للمرة الأولى منذ استقلال الدولة.

في المقابل، يعيب خصومه عليه اختفاءه عن النقاشات السياسية في البلاد منذ ذلك التاريخ، مردّدين أنه "ينتظر اتصالاً هاتفياً من جهات عليا قبل أن يؤدي أيّ دور". كما وقع حمروش في تناقضات بين العامين 2014 و2019، إذ كان يلمّح إلى عدم إمكان حدوث أي إصلاح في البلاد من دون موافقة من المؤسسة العسكرية، لكنه عاد في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليقول إنه لا يؤمن "بأيّ حلّ يكون من طريق إقحام الجيش"، معتبراً أن "مثل هذا الخيار أظهر محدوديته". وأضاف أن التدخل في السياسة "قد يكون سيئاً بالنسبة إلى الجيش ويهدّد تماسكه وقد يطمس علاقته بالمجتمع، ويضعف مفاصله وتنظيمه وانضباطه. وأكثر من ذلك، فإنه يجبر عناصره، لا سيما الضباط منهم، على التمسك بإيديولوجيات ما يجعله جزءاً من الصراعات الداخلية".

المزيد من العالم العربي