Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجح الديمقراطيون في إظهار وحدتهم وقوتهم لاستعادة البيت الأبيض؟

المؤتمر الوطني يخشى خسارة أصوات المُحايدين وترمب الغائب الحاضر

غرفة التحكم في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي قبل بدئه في مركز ويسكونسن في ميلووكي (أ ف ب)

التعاطُف، واللياقة، والأدب، كلمات طنَّانة طَغَت على المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي في وصف جو بايدن ومقارنته مع الرئيس ترمب، فقد مثَّلت رغبة الديمقراطيين في التركيز على الجوانب الشخصية أولوية قصوى لهم في اليوم الأول من أيام المؤتمر، بينما جاءت قضية وحدة الحزب وتماسُكه في مرتبة تالية، في حين عكست كلمات أخرى القلق من عدم نجاح الحزب في إثارة حماسة الناخبين للاقتراع بأصواتهم دعماً للديمقراطيين في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ما يفسح المجال لفوز ترمب بدورة حُكم ثانية. فهل ستشهد الأيام الثلاثة التالية من المؤتمر تحوّلاً مهمّاً، وإلى أي مدى يمكن لجو بايدن وكامالا هاريس إقناع الناخبين المترددين بمشروع واضح المعالم يُظهر التناقض بين مشروعهما وأسلوب مُعالجة الرئيس ترمب للأزمة الصحية والاقتصادية الحالية؟

أهم التحديات

على الرغم من أن المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي يُعقد عبر الإنترنت للمرَّة الأولى في التاريخ، فإن التَّحدِّي الرئيس الذي يُواجهه هو أن يتحوَّل إلى وسيلة ناجحة لاستقطاب المُترددين والمُحايدين لتعزيز حماسة الناخبين تأييداً للحزب في انتخابات الثالث من نوفمبر، ولهذا ينتظر كثير من المُراقبين أن يضع كل من بايدن ونائبته هاريس رؤيتهما لكيفية حُكمهما حال فوزهما بالانتخابات، وأنه يتعيَّن عليهما تحديد وتوضيح التناقض الصارخ بين مشروع قيادتهما للبلاد وواقع قيادة الرئيس ترمب للولايات المتحدة، خصوصاً مع استمرار التهديد الذي يمثله وباء كورونا على الصحة العامة والاقتصاد الأميركي.

ولأن الانتخابات الرئاسية يفوز بها المرشح الذي يقدم الرؤية الأكثر قوة التي تُلبّي احتياجات الناس في المستقبل، فإن المؤتمر يُعد فرصة بايدن لإقناع الناخبين، ليس فقط بأن الرئيس ترمب قد فشل في مهمته، ولكن أيضاً بأن الديمقراطيين سيجعلون حياة الأميركيين أكثر أماناً وازدهاراً، غير أن المؤتمر لم يقدم أي إشارة عما يستطيع فريق بايدن - هاريس طرحه بشكل مختلف عن ترمب، ما قد يكون مؤشراً عن المسار الذي سيسلكه الحزب الديمقراطي حتى نهاية هذا الأسبوع، وهو التركيز على الفارق بين شخصية كل مرشح وتأكيد الوحدة بين صفوف الحزب.

استثارة العواطف

تضمَّن المؤتمر خطابات عديدة من شخصيات بارزة تنتمي إلى الماضي والحاضر، بالإضافة إلى مُقتطفات عن تجارب مواطنين أميركيين عاديين كانت في بعض الحالات مؤثرة للغاية ومُثيرة للعواطف، مثل قصة الفتاة التي فقدت والدها بسبب كورونا+ لأنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد، وظهور عائلة جورج فلويد الأميركي من أصل أفريقي، الذي قتلته الشرطة قبل أسابيع، فضلاً عن قصص شخصية مؤثرة عن الألم والمعاناة بين الأميركيين جراء كورونا والأزمة الاقتصادية، بينما لم تُقدِّم كلمات المتحدثين شيئاً مُذهلاً.

وتساءلت المحللة السياسية هولي أوتربيان عما سيفعله بايدن من الناحية السياسية إذا تم انتخابه، في ظل التركيز على شخصيته وسُوء تعامل ترمب مع فيروس كورونا، ما يتماشى مع منهج بايدن الذي اعتمده حتى الآن وهو التركيز على القيم والأخلاق بدرجة أكبر من الخوض في لُبِّ القضايا الشائكة وكيفية معالجتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استقطاب المُتردّدين والمُحايدين

وبينما استُخدم وباء "كوفيد – 19" والاحتجاجات ضد عدم العدالة العرقية لملء بداية ووسط ساعتين كاملتين من العرض التلفزيوني الذي بثّته شبكات التلفزيون الرئيسة على مستوى الولايات المتحدة، كان هناك جزء كبير من الرسائل التي تم توجيهها نحو الناخبين المترددين والمُحايدين في محاولة لاستقطابهم للتصويت لصالح المرشح الديمقراطي بايدن، بدلاً من الاعتماد فقط على الناخبين المُخلصين للحزب الديمقراطي حسب ما تقول ستيفاني موراي في موقع "بوليتيكو" الإخباري.

وعكس خطاب ميشيل أوباما زوجة الرئيس السابق التي حظيت بكل الاهتمام، قدراً من المخاوف إزاء عدم قُدرة الحزب على الدفع بهؤلاء الناخبين إلى صناديق الاقتراع، ودعت المتخاذلين عن التصويت عام 2016 إلى الخروج هذا العام للإدلاء بأصواتهم، لأن ترمب فشل في التعاطي مع متطلبات اللحظة على حد وصفها.

أقوى الكلمات

اعتبر مُراقبون كلمة ميشيل أوباما أقوى الكلمات، ولا سيما حين وبَّخت ترمب في أكثر من موضع وحددت مزايا بايدن كما عرفته، ودعت بقوة الناخبين إلى التحرك للتصويت، سواء بشكل شخصي، أو عبر البريد، وكانت نبرة خطابها صريحة وقاسية في بعض الأحيان بشأن افتقار ترمب لمؤهلات القيام بالمهمة كرئيس، على حدِّ وصفها، معتبرة أنه الرئيس الخطأ، ومع ذلك عكست هذه الكلمة مخاوف الديمقراطيين من تقارب أصوات المؤيدين لكل من بايدن وترمب، وهو ما كشفت عنه دعوتها حين قالت "علينا التصويت بأعداد لا يمكن تجاهلها"، ففي حين ركز معظم المتحدثين على الناخبين المتأرجحين، بادرت ميشيل أوباما إلى مطالبة غير المهتمين بضرورة التصويت، في إشارة غير مباشرة لليسار التقدمي داخل الحزب.

هل نجح ساندرز؟

فعل بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ الذي مثَّل التيار التقدمي لليسار خلال الانتخابات التمهيدية، ما احتاج إليه فريق بايدن خلال كلمته الحاسمة في المؤتمر من أجل توحيد صفوف الحزب، ولضمان ألا يظل أكثر المتحمسين له في منازلهم يوم الانتخابات، وأقرَّ بالاختلافات مع بايدن، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية، لكنه ركَّز على اتفاقهما على حلول وسط، مؤكداً أن ترمب يمثل تهديداً أساسيّاً للديمقراطية، لدرجة أن الاختلافات بين الديمقراطيين لم تعُد تستحق التركيز عليها في ظل التهديدات الأكبر.

ولهذا، وجَّه ساندرز نداءً مُباشراً للغاية لمؤيديه للانضمام إلى دعم بايدن، مؤكداً أنه سيعمل مع المُعتدلين والمُحافظين، غير أن مؤيدي ساندرز قد يعتبرون خطابه تقليديّاً في هذا الموقف، كما أن بعض مُعجبي ساندرز ليسوا راضين عما قاله حاكم أوهايو السابق جون كاسيك بأن بايدن لن يميل إلى اليسار، الأمر الذي يُثير قدراً من الشكوك عن مدى استجابة مؤيدي ساندرز لمطالبه.

جمهوريون يدعمون بايدن

مثَّل ظهور شخصية جمهورية لدعم بايدن هي حاكم ولاية أوهايو السابق جون كاسيك، جزءاً من الاصطفاف الذي يأمل الديمقراطيون أن يُحدث تأثيراً لدى الناخبين الجمهوريين المعتدلين الذين يشعرون بخيبة أمل من الرئيس ترمب، فقد ظلَّ كاسيك من أكثر مُنتقدي الرئيس ترمب منذ أن ترشَّح لمنصب الرئيس في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2016، ورسالته هنا أنه يتخطَّى الالتزام الحزبي بسبب خشيته من الانقسام الذي يراه داخل البلاد، وأن الانتماء الحزبي ينبغي ألا يحدد صوت العضو، بل بوسع أي ناخب أن يصوت لمرشح آخر غير مرشح الحزب.

ولم يكن كاسيك العضو الجمهوري البارز الوحيد الذي يؤيد بايدن، إذ انضمت إليه ثلاث شخصيات جمهورية معروفة هي سوزان موليناري عضوة مجلس النواب السابقة عن ولاية نيويورك، فضلاً عن كريستين ويتمان التي كانت أول امرأة تتولى منصب حاكم ولاية نيوجيرسي، وميغ ويتمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "هيلويت باكارد"، والتي ترشَّحت على البطاقة الجمهورية لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا عام 2010.

ترمب الغائب الحاضر

في الوقت الذي انطلق فيه المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عبر الإنترنت، كان الرئيس ترمب الغائب الحاضر بشكل واضح، من خلال حضور قوي مُتزامن من المؤتمر الديمقراطي بوجوده شخصيّاً في الولايات المُتأرجحة التي تُعد ساحة القتال الرئيسة في الحملة الانتخابية، ففي حالة ولاية مينيسوتا، كسر ترمب قاعدة رئيسة سابقة حسب ما يقول المؤرخ مايكل بيشلوس، وهي اعتياد المرشحين للرئاسة الابتعاد عن الأضواء في المؤتمر الوطني لخصومهم، وتوقف ترمب مرتين داخل مينيسوتا قبل أن تحل طائرته في ويسكونسن، وهي الولاية التي كان من المُفترض أن يعقد فيها الديمقراطيون مؤتمرهم قبل أن يصبح عبر الإنترنت.

وفي ويسكونسن اعتبر ترمب أن ما يقوم به ليس إلا نوعاً من الاحتجاج الودي، وليس جزءاً من حملته الانتخابية، لكنه سخر من الديمقراطيين لتسجيلهم بشكل مُسبق بعض خطاباتهم في المؤتمر، مؤكداً أن خطابه خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرر الأسبوع المقبل، سيكون على الهواء مباشرةً من البيت الأبيض، مُعبِّراً عن ثقته المُطلقة بفوزه بالانتخابات واحتفاظه بالبيت الأبيض، وأعلن أمام مئات من مؤيديه أن الشيء الوحيد الذي يجعله يخسر الانتخابات هو أن تكون العملية الانتخابية مُزوَّرة.

وطوال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي سيظل ترمب فاعلاً في جولاته الانتخابية في محاولة لخطف الأضواء من خصومه وطرح خطابات مُناهضة للحَدِّ من تأثيرهم، إذ من المقرر أن يزور اليوم الثلاثاء ولاية أريزونا للتركيز على أمن الحدود، وفي يوم الأربعاء الذي من المقرر أن تقبل فيه السيناتور كامالا هاريس ترشيح حزبها لمنصب نائب الرئيس، سيلقي نائبة الرئيس مايك بنس خطاباً في حملته الانتخابية، وفي يوم الخميس الذي يُختتم فيه مؤتمر الديمقراطيين، سيُلقي ترمب خطاباً انتخابياً قُرب من سكرانتون بولاية بنسلفانيا مسقط رأس خصمه جو بايدن.

هل من مفاجآت؟

بعيداً عن كلمات كبار الشخصيات المشاركة في المؤتمر خلال الأيام التالية، ومنها كلمات مهمة لكل من بيل كلينتون وباراك أوباما وجون كيري وتشاك تشومر، وغيرهم، فإن أهم ما يشغل الديمقراطيين هو التصويت خلال المؤتمر على برنامج حزبهم المكون من 91 صفحة، ويتضمن السياسات التي أوصت بها لجنة عمل مشتركة برئاسة أعضاء من حملتي جو بايدن وبيرني ساندرز حول مجموعة من القضايا، منها تلك المتعلقة بالبيئة، مثل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وخفض تلوث الغازات الكربونية من محطات الطاقة، والعدالة الجنائية والحد من الحماية القانونية لرجال الشرطة الذين يرتكبون انتهاكات حقوقية، ودعم برامج الرعاية الصحية لغير المقتدرين.

ومن دون تقديم أي مفاجآت أو برامج قوية مُقنعة للناخبين، فقد يفقد المؤتمر الديمقراطي بريقه، ويستخدمه الحزب الجمهوري الذي سيعقد مؤتمره الوطني الأسبوع المقبل في توجيه سهام قاتلة من شأنها أن تؤثر على التقدم الذي يتمتع به بايدن حالياً في استطلاعات الرأي، وهو آخر شيء يرغب به الديمقراطيون.

المزيد من تحلیل