Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان ومصر تحاصران أثيوبيا بموقف موحد  

  استطاعت أديس أبابا أن تدير التناقضات بين أميركا والصين لمصلحتها

رئيس الوزراء السوداني في ختام المباحثات مع نظيره المصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

ينظر مراقبون ومحللون سياسيون لزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للسودان على رأس وفد عال المستوى، بأنها تأتي لبحث موقف موحد يقود البلدين لتحقيق مكاسب وتقدم في المفاوضات مع أثيوبيا بشأن القضايا العالقة والخلافية بشأن سد النهضة، فضلاً عن بحث السيناريوهات المحتملة على الصعد كافة.

وهو ما أكد عليه البيان المشترك بين الجانبين في ختام المباحثات التي استغرقت زهاء 8 ساعات. 

وفي هذا الشأن، يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الدكتور الرشيد محمد إبراهيم، "في تقديري أن هذه الزيارة لا يمكن فصلها عن المسار التفاوضي لسد النهضة بعد إصرار الجانب الأثيوبي على استراتيجيته الخاصة بهذا الملف والتي تعتبرها مصر بأنها تمثل تهديداً مباشراً لأمنها المائي والقومي، بالتالي لا تدخر وسعاً للعمل على إيجاد تقارب مع السودان يؤدي إلى توحيد الرؤى والمواقف في مسألة التفاوض".

ويشير في حديث لـ "اندبندنت عربية"، إلى أنه بات واضحاً أن مسار التفاوض يربط بين مصر والسودان حتى أصبح هناك تقارب في المصطلحات باستخدام عبارة دولتي المصب وهو مصطلح يقصد به ربط المصير المشترك بين الدولتين في هذه القضية، فمصر تنظر للسودان كصديق محتمل لذلك تكون حريصة على تعزيز علاقاتها به في شتى الجوانب، وبالعكس ترى أثيوبيا عدو محتمل". 

ويضيف إبراهيم "بلا شك أن الجانبين السوداني والمصري بحثا تقييم الموقف الأثيوبي من خلال سير المفاوضات الجارية بين الدول الثلاثة، والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث في ظل إصرار أثيوبيا على فرض سياسة الأمر الواقع واستراتيجيتها المبنية على منظومة السدود على النيل الأزرق، خاصة وأن سد النهضة ليس هو السد الأول فهناك مشاريع مستقبلية تريد تنفيذها في هذا الخصوص".

 ولفت أنه يرى أن هناك تفاوت وتباين في موازين التفاوض، إذ أن أثيوبيا تظهر متماسكة في تعاطيها مع هذا الملف الذي جعلته ملفاً شعبياً، فضلاً عن كونه مشروع دولة، ذات توجه سياسيي في المقام الأول، بينما يأتي موقف السودان معضوب وأكثر هشاشة وتباعداً في ظل حكومة انتقالية تعاني من مشكلات عديدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مصر التي مرت منذ 2011 بظروف داخلية معقدة بسبب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأعقبها حكومة الرئيس السابق محمد مرسي، فحكومة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وبالتالي كانت الأوضاع الداخلية حاضرة في عملية التفاوض بشأن سد النهضة، الذي يمثل ملف مخابرات بالدرجة الأولى.

إضافة إلى أن لدى مصر مشكلة في التوجهات الخارجية بفتحها جبهة في ليبيا، بينما اتجهت أثيوبيا لتوقيع سلام مع جارتها اريتريا لضمان أمنها وسلمها ومواقفها، إلى جانب مخاطبتها التحالفات في المنطقة من خلال زيارة رئيس وزرائها أبي أحمد لدولة الامارات، ونيله جائزة نوبل للسلام. 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن أثيوبيا استطاعت في الوقت ذاته، أن تدير التناقضات بين أميركا والصين لمصلحتها، وظهر ذلك جلياً حين عرضت مصر ملف السد على مجلس الأمن الدولي الذي أرجعه، في إشارة بأنه لا يمثل تهديداً للسلم والأمن، وأن جميع الأطراف لها مصالح، بالتالي واضح أن الخيارات ضعيفة بالنسبة إلى مصر والسودان.

ويضيف "ومن وجهة نظري لا أنصح أن يرتبط السودان بأي من مصر وأثيوبيا، لأن الأمر يتعلق بمصالح وليس عواطف، منوهاً إلى أن مصر تبحث الآن عن السيناريوهات التي يمكن أن تحدث والتي قد تكون في شكل مواجهات محدودة بطريقة غير مباشرة، لكنه توقع أن تكون هناك تفاهمات بين السودان ومصر في المسائل القانونية". 

نتائج ايجابية 

في المقابل يؤكد أستاذ العلاقات العامة في الجامعة السودانية النور جادين في حديثه لـ "اندبندنت عربية" أن زيارة رئيس الوزراء المصري للسودان أوجدت ارتياحاً كبيراً في الشارع السوداني بالنظر لنتائجها والبيان المشترك في ختام المباحثات بين الجانبين، لافتاً أن المباحثات التي شملت مجالات عدة عمقت الثقة بين الدولتين وبين موقفيهما من سد النهضة الأثيوبي.

ويتوقع أن يشكل الموقف القوي المشترك ضغطاً سياسياً ونفسياً على الجانب الأثيوبي، وبالتالي من المنتظر أن يؤدي إلى نتائج إيجابية بتليين الموقف الأثيوبي في المفاوضات المقبلة بين الأطراف الثلاثة. 

ويضاف جادين "صحيح أن تشدد الجانب الأثيوبي كان له أهداف وأجندة داخلية أثيوبية، لكن أيضاً ضعف التنسيق بين الجانبين المصري والسوداني شجع أثيوبيا للضغط على كل من مصر والسودان، لذلك أن الوضع قد تغير بعد مباحثات الأمس، إذ اكتشف الوفدين السوداني والمصري أن المصالح بين البلدين في المياه وغيرها أكثر وأهم بكثير من المناورات والتوترات التي تضر بمصالح الدول الثلاث".

ويبين جادين أن لقاء الوفد المصري في ختام زيارته برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان يأتي في اطار التأمين والتأكيد على زيادة التنسيق والتكامل بين البلدين في المجالات كافة الاقتصادية والأمن الإقليمي، وتنسيق موقف الدولتين في المحافل الدولية والإقليمية. 

وتوقع أن ينسجم الموقف الأثيوبي بعد هذه الزيارة مع موقف الجانبين المصري والسوداني، ما يؤدي إلى التوقيع على الاتفاق النهائي بين الدول الثلاثة حول الأجندة الخاصة بتنظيم ملء السد وتشغيله وتوزيع مياهه بما يحفظ حقوق كل الدول ذات العلاقة. 

قصر نظر 

من جهة ثانية، يشير الباحث السياسي المقيم في أثيوبيا هاشم علي حامد لـ "اندبندنت عربية"، إلى أن أهم معالم زيارة رئيس الوزراء المصري للخرطوم تتمثل في أن مصر استدركت تقصيرها تجاه علاقاتها بالسودان والتي توصف أدبياً بالممتازة، لكن فعلياً ليس هناك اهتمام من الجانب المصري يوازي علاقات الجوار والتاريخ المشترك وعلاقات المصاهرة والتداخل بين الشعبين، معدداً جوانب التقصير في مجال المساعدات العينية أو السياسية في ظل العقوبات الأمريكية للسودان لأكثر من 20 عاماً، أو مشاريع استثمارية مشتركة تعمل على رفعة الاقتصاد السوداني المنهار. 

ويتابع "في اعتقادي أن الجانب المصري شعر من خلال الموقف السوداني الذي يعتبرونه سلبياً من ناحية عدم انحيازه تجاه مصر في قضية سد النهضة، بأن هناك قصر نظر في السياسة المصرية تجاه السودان، بالرغم من الجوار والتعايش والهموم المشتركة وما يمثله السودان من أدبيات في الوعي المصري"، لافتاً أن ما أشارت إليه الخارجية المصرية من احياء لمشاريع تعاون يأتي في إطار تقويم مصر لعلاقاتها بالسودان. 

ويرى حامد أن توقيت زيارة رئيس وزراء مصر للسودان التي تأتي في ظل فشل الأطراف الثلاثة المعنية بسد النهضة في التوصل لاتفاق بشأن نقاط الخلاف، يعد مناسباً للتنسيق في المواقف المشتركة بين الجانبين بالنظر لمجريات الأحداث خاصة فيما حدث من تجميد للمفاوضات بسبب اعتراض دولتي المصب (مصر والسودان) على تغيير أثيوبيا أجندة المفاوضات التي كانت محددة بملء وتشغيل السد، والمشاريع المستقبلية على النيل الأزرق، إلى تقاسم المياه بين دول حوض النيل، فضلاً عن أن الزيارة أحدثت أيضاً اختراق في سياسة السودان وموقفه المتعاطف نوعاً ما مع أثيوبيا. 

ويعتقد أن هذه الزيارة بالرغم من أنها جاءت متأخرة فيما تحمل من أهداف، إلا أن السودان يظل في موقف اختبار لسياسته وعلاقته بكلا الدولتين (مصر وأثيوبيا) اللتين تربطهما به علاقات ذات خصوصية.

ويضيف حامد، "لكن في نظري أن موقف السودان الذي كان داعماً منذ بداية مشروع سد النهضة لحقوق دول حوض النيل في الاستفادة المشتركة، وكذلك أثيوبيا كونها دولة منبع، سيظل ثابتاً في موقفه الداعم للمشروع لفوائده العديدة، ولما تمثله علاقته بأثيوبيا من أهمية. متوقعاً بعد زيارة رئيس الوزراء المصري أن يزيد من اهتمامه بالضغط على الأثيوبيين لكي يلينوا من موقفهم المتشدد تجاه القضايا المعلقة بشأن السد". 

آلية للتنسيق

وأشار بيان مشترك في ختام المباحثات بين الجانبين السوداني والمصري بالخرطوم والتي ترأسها كل من رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إلى التأكيد على التفاوض للتوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا حول ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحفظ حقوق ومصالح الدول الثلاث، استناداً لاتفاق إعلان المبادئ 2015، ومبدأ الاستخدام العادل والمنصف للمياه، وعدم إحداث ضرر، ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة. 

ووفقاً للبيان، فإن الجانبين ناقشا قضية سد النهضة، وأكدا على أهمية التوصل إلى آلية فاعلة وملزمة لتسوية النزاعات، وآلية للتنسيق بين السودان ومصر وإثيوبيا، بما يضمن سلامة تشغيل المنشآت والمشاريع المائية التي تتأثر بسد النهضة، فضلاً على ضرورة عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قبل التوصل إلى اتفاق مرض للأطراف الثلاثة.

المزيد من متابعات