Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خفايا فرملة حركة استقالات نيابية لبنانية واسعة كانت "في الجيب"

بري دخل على الخط وأعاد خلط الأوراق في الحكومة والمجلس النيابي

النائب أكرم شهيب متحدثاً بعد لقائه جعجع في معراب يوم الإثنين 10 أغسطس الحالي (صفحة رئيس حزب القوات اللبنانية على فيسبوك) 

تبلّورت فكرة الاستقالة من مجلس النواب اللبناني خلال الأيام القليلة الماضية لدى أكثر من كتلة سياسية وأكثر من نائب مستقل، لا سيما ممن كانوا في صفوف "قوى 14 آذار" التي ولِدت عام 2005، لمناهضة سيطرة حزب الله والنظام السوري على لبنان، كنتيجة طبيعية لـ"زلزال بيروت"، وإذ بعدد النواب المستقيلين يقتصر على ثمانية، بينما تراجع ثلاثي "القوات اللبنانية" و"الحزب الاشتراكي" و"تيار المستقبل" عن قرار الاستقالة.

بعد الحسم تبدّل الموقف

أوّل مَن طرح خيار الاستقالة كان رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع في اتصال مطوّل أجراه الأحد الماضي، مع رئيس الحكومة السابق، زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، عقب الاجتماع الموسّع الذي عُقِد في السادس من أغسطس (آب) الحالي، بين رؤساء الأحزاب اللبنانية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، مقر السفارة الفرنسية في بيروت. وحسب المعلومات، لم يمانع الحريري، لكنه قال لجعجع "إذا بيمشي جنبلاط بمشي"، أي "إذا وافق جنبلاط أنا أيضاً أوافق".

وأوفد جعجع إلى "بيت الوسط" (مقر الحريري) الوزير السابق ملحم رياشي، إذ ناقش معه الاستقالة مطوّلاً من دون أن تُحسم من قِبل الحريري الذي بقي يردد أن "الاستقالة في الجيب فلننتظر". في هذا الوقت حدث تواصل بين "الاشتراكي" و"القوات"، إذ نقل النائب أكرم شهيب رسالة من جنبلاط إلى جعجع، خلال اتصال أجراه برياشي، مفادها أن "نواب الحزب التقدمي الاشتراكي لا يمانعون بحث خيار الاستقالة، لكن فلنبحث بتفاصيلها معاً". وعليه كانت زيارة الوفد النيابي الاشتراكي إلى معراب (مقر جعجع)، الذي انتهى بالاتفاق على استقالة نواب القوات والاشتراكي والمستقبل بعدما جرى تواصل مع الحريري. وكشفت المعلومات أن الاتفاق قضى بأن تجري الاستقالة في الوقت ذاته من المقرات الثلاثة، "بيت الوسط"، "كليمنصو" (مقر جنبلاط في بيروت) ومعراب، وهو ما دفع جعجع إلى إعلان موقف كبير سيُتخذ خلال الساعات المقبلة، فما الذي تغيّر؟

بري يدخل على الخط

من معراب، انتقل وفد الاشتراكي إلى "بيت الوسط" للاتفاق مع الحريري على الإخراج المناسب للاستقالة في الشكل والمضمون، انطلاقاً من النقاط التي اتفق عليها مع رئيس "حزب القوات". لكن وقبل أن يصل الوفد إلى "بيت الوسط"، أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري الحريري بأن استقالة الحكومة صارت حتمية، بالتالي لا داعي لاستقالتهم من المجلس.

ونجح بري، الذي كانت حساباته تتمحور حول إنقاذ الموقع الشيعي الأول في الدولة (رئاسة البرلمان)، في دغدغة مشاعر الحريري بإمكانية عودته إلى السراي الحكومي، وإبلاغه بأن حزب الله لن يفرض "فيتو" على اسمه.

وعليه تريث الحريري، إذ باتت ضمن حساباته إمكانية استفادته من الضغط الدولي الحاصل لتغيير المشهد الداخلي واستعادة المبادرة، فتريث معه جنبلاط و"ضربوا فرامات" (أي أوقفا حركتهما)، وعدلا عن الاستقالة، فما كان أمام جعجع سوى تعليق استقالته أيضاً، لقناعته بأن استقالة نواب "القوات اللبنانية" وحدهم لن تؤدي إلى النتيجة المطلوبة في التغيير الجذري من خلال إسقاط المجلس النيابي، وتغيير الأكثرية النيابية عبر انتخابات نيابية مبكرة، بينما استقالة القوات والاشتراكي والمستقبل معاً كان يمكن أن تفقد البرلمان ميثاقية التمثيلَين الدرزي والسُّني، وتنزع بالتالي أي شرعية شعبية عن المجلس الحالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هل طلب ماكرون من جعجع والحريري وجنبلاط عدم الاستقالة؟

وفي معرض البحث عن أسباب تراجع القوات والاشتراكي والمستقبل عن الاستقالة، التي يؤكد أكثر من مصدر أنها كانت في الجيب، يتحدّث البعض عن دور لعبه الرئيس الفرنسي في هذا الخصوص، وآخر تولاه وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال زيارته بيروت، إذ نصح القادة الثلاثة بعدم الاستقالة.

وكشفت مصادر مطلعة أن ماكرون وبعد يومين من مباحثاته في بيروت، عاد وأجرى اتصالات بكل من الحريري وبري وجعجع وجنبلاط وزعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية ورئيس "حزب التيار الوطني الحر" جبران باسيل. وحسب ما تردد، فإن ماكرون طلب من جنبلاط والحريري وجعجع عدم الإقدام على الاستقالة، بانتظار عودته في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، واعداً باستنهاض كل الوضع السياسي.

في المقابل، نفت مصادر مقرّبة من جعجع أن يكون الرئيس الفرنسي طلب منه عدم الاستقالة، جازمةً أن موضوع الاستقالة لم يكن موضع بحث خلال الاتصال الهاتفي المطوَل بينهما. وأوضحت المصادر ذاتها أن الحديث تركّز بينهما على الحكومة الجديدة التي أكد ماكرون أنها يجب أن تكون حيادية ومستقلة بكل ما للكلمة من معنى، أي أن لا يُمثَل حزب الله فيها مباشرةً.

كما سأل ماكرون عن إمكانية عودة الحريري على قاعدة "الأقوى في طائفته" على غرار الموقعين الماروني والشيعي في رئاستَي الجمهورية ومجلس النواب، عندها بادر جعجع إلى تأكيد أن الحكومة لن تغيّر شيئاً، وأن الحل انتخابات نيابية مبكّرة، فسارع ماكرون إلى الإجابة "أوافقك الرأي، لكن الانتخابات لتحصل ستحتاج إلى أكثر من أربعة أشهر، فهل الوضع الداخلي المتأزّم يمكن أن ينتظر كل هذا الوقت؟"، وأضاف ماكرون "يمكن تشكيل حكومة تحضّر لانتخابات نيابية مبكرة".

ماذا يريد "حزب الله"؟

في المقابل، لن يتخلّى حزب الله عن أيٍّ من المواقع أو المكاسب التي يملك القرار فيها داخل السلطة السياسية، وفق مصادر مطلعة، معتبرةً أن ما حدث في مجلس النواب والدور الذي لعبه بري في إنقاذ رئاسة المجلس والإسراع في قبول استقالة النواب خير دليل على ذلك. ما يعني أن "الحزب" سيتشدد أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، لمواجهة أي تغيير إن كان على مستوى رئاسة الجمهورية أو المجلس النيابي أو حتى في التشكيلة الحكومية.

ورفع حزب الله "لا" مدوية في وجه سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام، بينما لن يمانع عودة الحريري، في محاولة لاستيعاب الضغط الدولي وكسب الوقت ريثما تهدأ الأمور.

وفي السياق سيستفيد حليفه "التيار الوطني الحر" من هذا التشدد للحفاظ على مواقعه في السلطة بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى المكتسبات في التشكيلة الحكومية. وكشفت مصادر مطلعة أن التيار عاد ليتمسّك مجدداً بحقيبتَي الطاقة والخارجية. فهل يؤدي الضغط الدُّولي الذي يقوده ماكرون والمدعوم من الدول الأوروبية والعربية وأميركا إلى تغيير في لبنان يؤسس لمرحلة جديدة إنقاذية؟ المتفائلون قليلون حتى الآن. فلننتظر.

المزيد من العالم العربي