Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيون يحملون آمالهم إلى دبي التي يعتبرونها "بيروت الجديدة"

يجد شباب لبنان في دول الخليج ما فقدوه في بلادهم من أمان واستقرار

بعد ثلاثة أيام على الانفجار الضخم الذي دمّر أجزاءً كبيرة من بيروت، استقلّ علي حمّود الطائرة متجهاً إلى دبي. عندما ارتفعت قليلاً، نظر بأسى من نافذتها إلى الركام المنتشر في كل مكان متحسراً على بلد ترك فيه عائلة وأصدقاء وحياة مليئة بسلسلة طويلة من خيبات الأمل.
وقرّر حمّود المهندس التقني (30 سنة) مغادرة المدينة التي ولِد وتربّى فيها للعيش والعمل في إمارة دبي بعد الانفجار الذي قضى على آخر آماله في حياة مزدهرة وآمنة. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية بعيد وصوله إلى الإمارات هذا الاسبوع، "الأمر ليس سهلاً أبداً، لكن كان عليّ أن أغادر. أشعر أنني خنت المدينة التي أحب حتى الموت، لكن لم يبق لي شيء هناك إلا الكآبة". وأضاف الشاب الذي خسر عمله قبل سنة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان "الآن أستطيع أن أبدأ مسيرة مهنية، وأن أعيش بسلام وأُعين عائلتي عبر إرسال الأموال".

الفساد المستشري

وعلى غرار كثيرين من أبناء وطنه الباحثين عن الأمن والاستقرار، تقدّم حمّود بطلب عمل في دبي لينضم إلى آلاف اللبنانيين الذين أسهموا في بناء إمارة تحوّلت على مر السنين الى وطن جديد يذكّرهم بتاريخ مزدهر في بيروت لم يعرفوه إلا من خلال روايات آبائهم وأمهاتهم.
وتسبّب عصف الانفجار في عنبر يحتوي على 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت يوم الثلاثاء 4 أغسطس (آب) الحالي، بتدمير أحياء برمتها في المدينة الغنية بالتاريخ والمعروفة بمطاعمها وحياتها الليلية الصاخبة.
وألقى الانفجار الضوء على الفساد المستشري والاستهتار وقلة المسؤولية المتفشية بين أفراد الطبقة الحاكمة في لبنان، بعدما تبيّن أن المسؤولين اللبنانيين كانوا على علم بوجود "قنبلة موقوتة" في قلب بيروت وبين سكانها لأكثر من ست سنوات.
وقال حمّود إن هدفه الأول بعد وصوله إلى دبي "التغلب على الشعور بالندم الناجم عن مغادرتي".


"سرقونا والآن يقتلوننا"

لكن حتى قبل الانفجار، كان لبنان في حالة من الانهيار غير المسبوق، فالبلد الشرق أوسطي يعاني منذ أشهر من أزمة اقتصادية عميقة هي الأكثر فداحة منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وسط معدلات تضخم مرتفعة جداً وقيود صارمة على سحوبات الودائع المصرفية زادت من معدّلات الفقر وتسبّبت بغضب وتظاهرات في الشارع.
ويحكم لبنان المتعدّد المذاهب والأديان نظام محاصصة طائفية وسياسية تتمسك به طبقة سياسية لم تتغير منذ عقود، ومن أركانها أمراء الحرب الأهلية الذين خلعوا ملابسهم العسكرية وتسلّموا المناصب السياسية.
ويتّهم لبنانيون كثر الطبقة الحاكمة بالفساد والعجز والسرقة وتفضيل مصالحها الشخصية على مصلحة البلد الذي يسكنه نحو ستة ملايين شخص، ما حرم لبنان الذي شهد خلال السنوات الأخيرة حرباً بين إسرائيل و"حزب الله"، المدعوم من إيران ويحتفظ بترسانة عسكرية ضخمة، واغتيالات، وأزمات سياسية حادة، بسبب الفشل في تطوير الخدمات والبنى التحتية، لا سيما قطاع الكهرباء، وكل مشاريع التنمية.
وقال فراس رشيد (31 سنة) المقيم في دبي منذ عام 2016 والذي يعمل في مجال المبيعات "لا يمكن أن تتخيل كمية الغضب التي تعتريني. سرقونا والآن يقتلوننا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تشويه المدينة

ومنذ انتهاء الحرب الأهلية، خسرت بيروت التي لطالما عُرفت بجامعاتها ومستشفياتها شيئاً فشيئاً هويتها التي طبعتها قبل عام 1975 وجعلتها عاصمة الحريات السياسية والاجتماعية والترفيه.
وغادر على مر السنوات مئات آلاف اللبنانيين من أطباء ومهندسين ومدرّسين وغيرهم بحثاً عن حياة أكثر استقرار في دول الخليج وأوروبا وغيرها.
ويقول مسؤولون لبنانيون إن نحو 350 ألف لبناني يعيشون ويعملون في الخليج، من بينهم نحو مئة ألف في الإمارات وحدها غالبيتهم في دبي.
وقال فراس شديد "لماذا دبي؟ نقود سياراتنا في مسارات محددة هنا، ولا نخشى أن يرفع عنصر في ميليشيات ما السلاح بوجهنا، ونتمتع بالخدمات، ونحصّل رواتب عالية". وتابع الشاب "لطالما تحدث أهلي عن كيف أن بيروت كانت محطة استقطاب في الستينيات والسبعينيات، وهذه دبي اليوم".

حلم شاب

في كتابه "قصتي"، روي حاكم دبي، رئيس حكومة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زيارته الأولى إلى بيروت قبل أن تحيل الحرب الأهلية "باريس الشرق" خراباً.
وكتب "كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، وأسواقها الحديثة في بداية الستينيات مصدر إلهام لي، وحلماً تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يوماً ما". ومنذ ذلك الوقت، أصبحت دبي مقصداً للعديد من العرب الذين مزّقت بلدانهم الحروب والنزاعات، وقضى ملايين الأردنيين والفلسطينيين والمغاربة وغيرهم سنوات طويلة وهم يبنون مستقبلهم في تلك الإمارة.
يحنّ اللبنانيون بالتأكيد إلى التاريخ الذي تتنفسه بيروت في كل شارع وحيّ، إلى النموذج الإنساني الفريد والمنوّع، إلى تراثٍ ثقافي وانفتاح جعلاها مقصداً للسياح من كل أنحاء العالم خلال مراحل الازدهار، لكن اليوم، تجد غالبية هؤلاء في الإمارة الخليجية استقراراً مالياً وسلاماً ضروريَين للاستمرار.
وقال اللبناني حمّود "دبي ستكون بيروتي الجديدة".

المزيد من العالم العربي