Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غايانا بين نعمة النفط ونقمته

تتوقع أكسون موبيل أن يصل إنتاج حقل ليزا إلى 750 ألف برميل يومياً بحلول عام 2025

زيادة فنزويلا للإنتاج وتجاهل "أوبك" كان أحد الأسباب التي أسهمت في انهيار أسعار النفط عام 1998 (بي أكس هير)

لمَن فاتته تجربة دول الخليج مع النفط والدروس المستفادة منها، أو تجربة اليمن أو تجربة السودان، أمامنا الآن تجربة حيّة بدأت. "غايانا" وتُكتب في كثير من الأحيان "غويانا"، وأحياناً "جويانا"، قد تكون الحدود الأخيرة لعصر النفط كما يدعي بعضهم، ولكننا سمعنا هذه العبارة كثيراً في العقود الماضية. بغض النظر عمّا سيحدث في غايانا، فإن موضوعها يستحق المتابعة، ليس للتعلم من التجربة فقط، ولكن لمعرفة آثار زيادة إنتاجها في "أوبك" بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص. فزيادة إنتاج أميركا اللاتينية، بخاصة البرازيل وغايانا وسورينام وكولومبيا وفنزويلا عندما ستعود، ستلقي بظلالها على أسواق النفط العالمية. وما يُقال عن غايانا الآن ينطبق على سورينام.
وعندما نذكر فنزويلا فعلينا أن نتذكر أن عودة الإنتاج الفنزويلي سيجعل وضع فنزويلا شبيهاً بالعراق، إذ يصبح من الصعب بعد كل ما حصل فيها من انخفاض في الإنتاج في السنوات السابقة، أن تقوم بخفض الإنتاج وفقاً لاتفاقات مجموعة "أوبك بلس" عندما يحتاج الأمر، وإذا تغير الحكم في فنزويلا وعاد الأمر إلى الفئة التي كانت تسيطر قبل عام 1998، فإنهم سيسمحون بالاستثمار الأجنبي، وسيزيدون الإنتاج بقدر المستطاع، متجاهلين "أوبك" تماماً كما حصل في الماضي، إذ إن زيادة فنزويلا للإنتاج وتجاهل "أوبك" كان أحد الأسباب التي أسهمت في انهيار أسعار النفط عام 1998.

غايانا: معلومات عامة

غايانا البلد الوحيد الذي يتكلم الإنكليزية في أميركا اللاتينية كلغة رسمية، وتقع بين فنزويلا وسورنيام والبرازيل، وتطل على المحيط الأطلسي. ومثلها مثل كل المستعمرات البريطانية الصغيرة، بخاصة في جزر الكاريبي، تتمتع بتنوع سكاني كبير، حيث إن حوالى نصف السكان تقريباً ذوو أصول من شبه القارة الهندية، إلا أن فيها أفارقة وصينيين وأوروبيين، إضافة إلى السكان الأصليين. ومع ذلك فعدد سكانها لا يتجاوز المليون نسمة. الهنود جلبتهم بريطانيا عندما كانت تسيطر على الهند، والأفارقة جاءوا بهم عبيداً للعمل في المزارع الكبيرة وقتها.
النظام السياسي جمهوري ديموقراطي، الأمر الذي مهّد لفوز الدكتور محمد عرفان علي ذو الـ40 ربيعاً رئيساً للبلاد، وتسلّم منصبه رسمياً في بداية الشهر الحالي بعد رفض الحاكم السابق التنازل عن الحكم إثر خسارته في انتخابات مارس (آذار) الماضي، إلا أن ضغوطاً أميركية ودولية أجبرته على الانسحاب إثر قرار من المحكمة العليا يقضي بخسارته للانتخابات.
عيد الفطر وعيد الأضحى عطلتان رسميتان في غايانا، على رغم أن المسلمين يشكلون حوالي 17 في المئة من عدد السكان فقط، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1998.

اقتصادياً، تُعدّ غايانا من الدول الفقيرة ذات الديون العالمية الكبيرة. يعتمد اقتصادها على الزارعة واستخراج الموارد الأولية. وزراعياً عُرفت بإنتاج السكر والأرز، وتعدينياً عُرفت بإنتاج البوكسايت والذهب. وعلى رغم معدلات النمو الاقتصادي العالية خلال السنوات العشر الماضية، إلا أنه يتوقع أن تتمتع بواحدة من أعلى معدلات النمو الاقتصادي عالمياً بسبب تزايد صادرات النفط التي بدأت حديثاً، وأثّر ذلك في زيادة الإيرادات الحكومية والانفاق الحكومي.

حقل ليزا

بعد 16 اكتشافاً متتالياً في مربع ستابروك الحبري منذ منتصف عام 2015، أعلنت شركة "إكسون موبيل" بداية الإنتاج من حقل ليزا البحري في آخر العام الماضي، والذي يبعد عن الساحل 190 كيلومتراً.
وتشير آخر التقارير من "إكسون موبيل" إلى أن احتياطات مربع ستابروك تقدر بـ 8 مليارات برميل مكافئ، والذي يُعد من أكبر الاكتشافات النفطية عالمياً خلال السنوات الأخيرة. ويتوقع الخبراء أن ترتفع الاحتياطات مع حفر مزيد من الآبار وتطوير الحقل. ويؤكد هذا ما أعلنته شركة هيس الأسبوع الماضي، وهي شريكة لـ "إكسون موبيل" في المنطقة، عن اكتشافين آخرين في المنطقة.
وارتفع الإنتاج إلى 120 ألف برميل يومياً، ولكن متوسطه بلغ نحو 98 ألف برميل يومياً بسبب مشكلات فنية في أجهزة معالجة الغاز.

المرحلة الثانية من ليزا هي إنتاج 220 ألف برميل يومياً وتتوقع "إكسون موبيل" أنه بعد بناء خمس منصات عائمة أخرى فسيتم إنتاج 750 ألف برميل يومياً بحلول عام 2025. وتتمثل المشاكل الحالية بين "إكسون" والحكومة الغايانية في موضوع الحرق المتزايد للغاز، إذ إن الحكومة لا تريد حرقه.
وتشارك في الحقل ثلاث شركات أميركية وصينية، وهي "إكسون" 45 في المئة، "هيس" 30 في المئة، و"سينوك نيكسن" 25 في المئة. و"إكسون موبيل" المشغلة للحقل.

وتحصّل الحكومة الغايانية ريعاً قدره 2 في المئة، وتتقاسم الأرباح مناصفة، وهذا الريع هو من الأقل في العالم، ولذلك يُتوقع حدوث نزاع بين الحكومة والشركات في ما يخص هذه النقطة التي أثارت حفيظة بعض المنظمات الحقوقية العالمية، التي عدّت ما تقوم به "إكسون" وشريكاتها نهباً لثروات غايانا.

ويتضمن العقد مع الشركات شرطين يتطلبان تشغيل نسبة معينة من أهل البلد، الأمر الذي جعل الشركات توظف 1700 شخص من غايانا، كما أن هناك شرطاً آخر يتطلب أن تكون نسبة من المشتريات من داخل البلد، وقد التزمت الشركات بهذه النسبة، إلا أن البعض يتخوّف من أن موضوع "نسبة المشتريات" لا يعني أكثر من استيراد بعض التجار للمواد وبيعها لشركات النفط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


آثار كورونا
 

آثار كورونا في قطاع النفط العالمي تحتاج إلى كتاب، إلا أن أثره في غايانا يتركز في تأجيل الاستثمارات، وبالتالي تأجيل الإنتاج الذي كان مخططاً له، وبالتالي تأخر الإيرادات التي تحتاجها الحكومة بشكل كبير. فتشير التقارير إلى أن غايانا ستخسر مليار ونصف المليار دولار من إيرادات النفط سنوياً، إذا قررت شركة "إكسون" تأخير تطوير مشروع بييرا. ووفقاً لشركة ريستاد الاستشارية، فإن تأخير مشروع بييرا لمدة عام يعني تأخير المشاريع الستة التي تليه، الأمر الذي يعني تأخير الإنتاج عما كان مخططاً له. 

الصادرات

وأرسلت "إكسون" أول إنتاجها إلى الولايات المتحدة، حيث بلغ متوسط واردات الولايات المتحدة من غايانا 35 ألف برميل يومياً، ولكنه انخفض بعد ذلك إلى نحو 20 ألف برميل يومياً بعد بدء التصدير للصين وبعض الدول الأوروبية. واختلف الخبراء في سبب إرسال الشحنات إلى الولايات المتحدة في وقت كانت تعصف فيه كورونا بالطلب على النفط، إذ يرى بعضهم أن إكسون تحاول تجربة النفط في مصافيها لدراسته ومعرفة خصائصه، بينما يرى آخرون أنه بديل جيد للنفط البرازيلي، إلا أن الواضح أن أغلب النفط سيصدر إلى الصين.

نعمة أو نقمة؟

هناك خلط كبير بين ما يُسمى "بالمرض الهولندي" و"نقمة النفط"، وحتى تعبير "نقمة النفط"، وتسمى أحياناً "لعنة النفط"، يجب التمييز فيه بين "المرض الخليجي" و"نقمة النفط" بشكل عام، ذلك أن وضع دول الخليج يتميّز عن غيره، ولا مجال هنا لشرح كل منهما إلا أن "المرض الهولندي" لا ينطبق على دول الخليج، و"المرض الخليجي" أكبر وأعمّ من "المرض الهولندي".

الخوف الآن أن يضرب "المرض الخليجي" الاقتصاد في غايانا بسبب تماثل الوضع مع دول الخليج قبل طفرة السبعينيات، والتشابه كبير، فالثروات كبيرة وعدد سكان قليل وبلد فقير وخبرات ومهارات قليلة، مع انعدام وجود بنية تحتية، إلا أن الوضع أسوأ بسبب ارتفاع مستوى الديون.

مشكلة عدم توافر العمالة الماهرة وعدد السكان القليل يعني وجود عمالة وافدة بأعداد كبيرة، الأمر الذي سيؤثر في تركيبة البلد السكانية والتناغم السائد بين المجموعات العرقية والدينية الأساسية فيها، إلا أن أكبر خطأ ترتكبه الحكومة في ظل الخلاف السياسي السائد، هو لجوء السياسيين إلى سياسات إنفاق كبيرة على الإعانات والمشاريع الحكومية الضخمة، والخطأ الأكبر أن تلجأ إلى مزيد من الديون عن طريق رهن عوائد النفط المستقبلية في مقابلها.
فكرة الإعانات يجب أن تبقى محدودة جداً، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية الرئيسة، والانتباه إلى موضوع العمالة الوافدة والخبرات.

ونظراً إلى أن غالبية السكان من المهاجرين، ووجود قانون للهجرة، فيمكن قصر الهجرة على المهارات والخبرات المطلوبة. باختصار، يمكن لغايانا أن تستفيد كثيراً من التجارب الخليجية خلال العقود الخمسة الماضية لتفادي "المرض الخليجي".
المشكلة في "نقمة النفط"، فآخر شيء تريده غايانا هو أن تتحول إلى نسخة من فنزويلا أو نيجريا أو أنغولا، وبالتالي فإن الخوف الآن من أن تتحول غايانا من دولة فقيرة تتمتع بالديموقراطية إلى بلد أفقر يحكمه ديكتاتور يستأثر ومن معه بثروات البلاد النفطية وغير النفطية.

المزيد من آراء