خلفت سيول اجتاحت 14 ولاية سودانية من مجمل 18، أضراراً جسيمة في الأرواح والممتلكات، إذ لقي 30 شخصاً مصرعهم، وانهار 3045 منزلاً، فضلاً عن تأثر 50 ألف شخص بأضرار بالغة مادية وجسدية، ما دفع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان وضع الجيش في حالة تأهب، و تصرف لجنة طوارئ الفيضانات والسيول، حيث لم تشهد البلاد مثيلها خلال الـ 30 سنة الماضية.
فيما أعلن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السودانية عبد الله حمدوك عن اتخاذ حكومته إجراءات طارئة لمواجهة موسم الخريف الذي يُتوقَع أن تزداد فيه معدلات المياه.
وشكلت حكومة السودان غرفة طوارئ عليا برئاسة والي ولاية الخرطوم، وأخرى في هيئة الطرق تعملان على مدار الساعة، وتصحبان كل الجهات الرسمية المعنية لمواجهة أحداث السيول والفيضانات التي تجتاح هذه الأيام معظم ولايات البلاد، في ظل انعدام البنية التحتية السليمة، الأمر الذي عرض سكان المنازل المتضعضعة لمخاطر بالغة بسبب انهيارها، إذ لا تكاد تخلو الشوارع والميادين داخل أحياء المدن كافة من برك وتجمعات للمياه.
معالجات استراتيجية
بينما حدّدت وزارة البنى التحتية والمواصلات في ولاية الخرطوم، متطلبات تفادي كوارث السيول والفيضانات السنوية بإيجاد معالجات جذرية واستراتيجية ومستقبلية للسيول في ولايات البلاد كافة، تتمثل في أساليب حصار المياه، وإنشاء السدود للإفادة منها في الزراعة، وتوليد الكهرباء وغيرها، إضافة إلى مراعاة عدد من الشروط والمواصفات لإنشاء مجاري المياه من ضمنها الحالة الجيولوجية للأرض، وميولها والمساحات الافتراضية، والقنوات التي توصل مياه الأمطار لمجرى النيل.
حمّل والي ولاية النيل الأبيض اسماعيل وراق في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، حكومة الرئيس السابق عمر البشير مسؤولية ما يحدث من أزمات عامة في البلاد، وبخاصة تبعات ما تشهده البلاد حالياً من سيول وفيضانات، لعدم اهتمامها طيلة الثلاثين عاماً الماضية بالبنى التحتية المتمثلة في إنشاء شبكات للصرف الصحي، ومجارٍ وقنوات دائمة لتصريف الأمطار، وتشييد الطرق الرئيسة والفرعية داخل المدن والأحياء بمواصفات ذات جودة، وغيرها من الإجراءات الضرورية لدرء الآثار السالبة جراء الأمطار والسيول التي تواجه معظم ولايات السودان سنوياً.
ولفت أن ولايته تعد من بين الولايات التي تضرر سكانها من هذه الكارثة، وبدأت حكومته بإجراءات إسعافية عاجلة لمساعدة المتضررين بإيوائهم، وتقديم الدعم والمعونات الغذائية، لكنه أكد أنه سيعمل فور انتهاء موسم الأمطار على معالجة القصور، الذي حدث في هذا الشأن حتى لا تتكرر هذه المخاطر والكوارث مرة ثانية.
فرق مراقبة
كانت وزارة الري السودانية أشارت في بيان لها أن وارد مياه النيل الأزرق عند محطة الديم على الحدود السودانية الأثيوبية بلغ 700 مليون متر مكعب، متجاوزاً تصرف الفيضان البالغ 609 مليون متر مكعب بـ91 مليون متر مكعب.
وأوضحت أن مناسيب نهر النيل الأزرق في ارتفاع في عدد من المواقع على امتداد النهر داخل السودان بسبب هطول أمطار غزيرة في الهضبة الإثيوبية. في حين بلغ منسوب الفيضان في محطة الخرطوم 9 سنتيمترات، وفي عطبرة ظل المنسوب مستقراً فوق منسوب الفيضان بـ11 سنتيمتراً.
من جهة ثانية، أكد الدفاع المدني السوداني أن لديه فرقاً مختصة تقوم بمراقبة منسوب نهر النيل، وتفعيل نقاط للارتكاز في المناطق التي قد تتأثر بارتفاع منسوب المياه، في وقت تسببت الأمطار الغزيرة (الأيام الماضية) في انهيار سد بوط الذي يقع في ولاية النيل الأزرق جنوب شرق السودان، ما أدى إلى تدمير منازل 600 عائلة تقطن تلك المنطقة. وبحسب متابعات فرق وزارة الري السودانية، فإن سد بوط كان يحوي خمسة ملايين متر مكعب من المياه القادمة من وديان جبال الإنغسنا.
كما حذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان من استمرار هطول الأمطار حتى مساء اليوم، بمعدلات متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية تشمل أجزاء من ولايات كسلا، والقضارف، والجزيرة، والنيل الأبيض، وكردفان الكبرى، وشمال ووسط وجنوب وشرق دارفور، مناشدة المواطنين الساكنين في تلك المناطق بخاصة المكشوفة، اتخاذ الحيطة والتدابير اللازمة لتفادي حدوث سيول وفيضانات تعرض حياتهم وممتلكاتهم للخطر.
أزمة متجددة
هذه ليست المرة الأولى التي يتأثر فيها السودان جراء السيول والفيضانات، التي تكثر في موسم الأمطار التي تقع بين شهري يونيو (حزيران)، وأكتوبر (تشرين الأول)، إذ تشهد البلاد سنوياً فيضانات كبيرة تؤدي إلى هدم وتدمير الآلاف من المنازل، فضلاً عن مصرع وإصابة الآلاف.
لكن معظم المتضررين من هذه الفيضانات هم من الفقراء، الذين يسكنون القرى، ومعظمهم يقيمون في منازل بنيت من الطين، وهي غير مهيأة للصمود في مواجهة تلك السيول.
ويرجع المختصون في مجال البنى التحتية، أسباب تكرار، وتجدد أزمة السيول والفيضانات كل عام، إلى عدم الجدية في اتخاذ الخطوات والإجراءات المناسبة قبل بدء موسم الأمطار من خلال وضع خطط استراتيجية للحد من الآثار السلبية التي يتعرض لها المواطنون، من وقوع ضحايا، وانهيار منازل، وفقد ممتلكات خاصة وعامة، إضافة إلى ما تخلفه هذه الأمطار من مشكلات صحية، وبيئية، وانتشار البعوض والذباب وغيرها من الحشرات الضارة.