عاشت الجزائر على وقع مسيرات الجمعة المطالبة بالتغيير ورحيل النظام منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، إثر إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه إلى ولاية خامسة، غير أن الجمعة الخامسة انتهت على وقع تهديد المحتجين بالتصعيد في حال استمرار السلطة في تجاهل الشارع، من دون أن يكشف أي طرف عما يعتزم المحتجون القيام به خلال الأيام المقبلة. لكن ما يلفت الانتباه في ما تعيشه الجزائر اهتمام فرنسا بقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح في وسائل إعلامها.
تسعى الجهات التي تقف خلف الحراك الشعبي إلى الحفاظ على الأمور تحت السيطرة لتهيئة الأجواء بغية تحقيق انتقال سياسي. غير أن صراع الأجنحة داخل النظام الجزائري يهدد بنسف سلمية التحركات، على اعتبار أن تحرك الشارع كان بإيعاز من جناح ضد آخر.
موقف قائد الأركان
بعد رسالة الرئيس بوتفليقة، ثم خطاب قايد صالح، وما تبعهما من ردود أفعال سياسية وإعلامية لاحتوائهما على رسائل مشفرة وصفت بالخطيرة، على اعتبار أن الأولى كشفت عن تمسك جماعة الرئيس بالاستمرار في الحكم، بينما خرج خطاب الجيش، في الثانية، بمواقف تؤكد انحيازه إلى الشارع والحراك الشعبي، جاء الدور على الأحزاب الحاكمة التي انفجرت من الداخل، إثر إعلان بعض قادتها وكثير من مناضليها الانضمام إلى الحراك الشعبي والتبرؤ من الرئيس بوتفليقة.
في كواليس السلطة الجزائرية، يُطرح السؤال علانية بشأن الموقف الذي سيتخذه رئيس الأركان لمواجهة رغبة المحيطين ببوتفليقة في الحفاظ على دوره الفاعل في محور السلطة. وفي تقرير نشره موقع "موند أفريك" الفرنسي، فإن صنّاع القرار يصارعون في ظل الغموض الذي يكتنف المشهد من أجل تحديد شروط خلافة بوتفليقة، باستثناء قائد أركان الجيش، الذي قد يقلب الموازين لمصلحته. وتساءلت الصحيفة الفرنسية: "من هو الحاكم الفعلي للجزائر؟". وأوضحت أن الإجابة عن هذا السؤال الملح لم تحصل بعد، إذ إن السلطة الجزائرية مبهمة ومقسمة وغامضة.
فرنسا مهتمة بقائد الأركان
تتابع فرنسا الوضع في الجزائر باهتمام، وبشكل خاص قائد الأركان. إذ رد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الجمعة 22 مارس (آذار)، على سؤال مَن يُسيّر الجزائر، بالقول إنه "الرئيس بوتفليقة". وأضاف في إجابته عن سؤال آخر هو هل كان الفريق أحمد قايد صالح هو من يُسيّر الجزائر، أنه "لا يزال الرئيس بوتفليقة".
وأكد لو دريان أن فرنسا لن تتدخل في السياسة الداخلية للجزائر، مشيراً إلى أن الجزائر تمر في لحظة مهمة، وهناك حراك عميق يطمح إلى حوار ديمقراطي.
وزّع النظام السياسي المعقد في الجزائر مراكز السلطة. إذ يعتمد النظام السياسي الجزائري منذ الاستقلال على ديناميكيتين حاسمتين لموازنة القوة. الأولى تتمثل في أن الرئيس استمد الجزء الأكبر من صدقيته من الذاكرة الجماعية لحرب التحرير من أجل الاستقلال ومشاركته فيها، أو ما يسمى في الجزائر بالشرعية الثورية.
أما الديناميكية الثانية فتتمثل في تقاسم السلطة بين "جماعة تلمسان" في غرب الجزائر، و"جماعة الشرق"، ولكلتيهما نصيب دائم من السلطة، بما يحقق التوازن داخل الحكومة وكذا المعارضة. إذ تتناوب الائتلافات الحاكمة بين مختلف الأطراف مع مرور الوقت.
برزت هاتان الديناميكيتان في تقاسم السلطة بقوة خلال فترة حكم بوتفليقة. فالتحالف بين الرئيس، الذي يمثل "جماعة تلمسان"، وقائد أركان الجيش، الذي يتزعم "الجماعة الشرقية"، استولد قوة هرمية، تترابط فيها مصالح الجيش والرئاسة وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية.
قايد صالح وبوتفليقة كانا حليفين
وعلى الرغم من كل الصراعات على السلطة، فإن الجماعتين تمتنعان عن استعمال العنف، بل نقلتا الصراع إلى الشارع للفصل بينهما. حتى الآن، يبدو أن الفائز في هذه الحرب الباردة هو قايد صالح، لكنه لا يزال غير قادر على التصرف في ما يتعلق بعملية اختيار الرئيس المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الجزائري كان يستمد قوته من تحالف المؤسسة العسكرية ممثلة بقيادة الأركان من جهة، وهيئة الاستخبارات من جهة أخرى. وعلى الرغم من تقليص بوتفليقة دور المؤسسة العسكرية ونفوذها في مسألة حسم منصب الرئاسة، فإن دور هذه المؤسسة لا يزال الأقوى، ولا يمكن حسم المسألة من دون موافقة الجيش. فإذا كانت دول العالم تملك جيوشاً، فإن الجيش في الجزائر له دولته. فوجوده سابق على وجود الدولة، وهو الذي بناها في العام 1962.
وبعد حل استخبارات الفريق محمد مدين، المعروف بـ "الجنرال توفيق"، أصبح الجيش محاوراً رئيساً بين جماعة الرئيس والجهاز العسكري الأوسع، وبات قايد صالح، قائد أركان الجيش ووزير الدفاع بحكم الواقع، رجلاً قوياً في الجزائر. وفي ظل تدهور وضع الرئيس الصحي، أخافت سلطة قايد صالح المتزايدة الفصائل الأخرى، لا سيّما الفصيل الرئاسي ورجال الأعمال الموالين للنظام، بقيادة السعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس.
وفي حين أن قايد صالح وبوتفليقة هما حليفان، تسبّب الخلاف على اختيار الرئيس المقبل في حدوث تنافر وتنافس، وقد انتهت شراكتهما أخيراً مع رسالة قايد صالح، التي أعلن فيها وقوفه مع مطالب الشعب بتغيير النظام ورحيل بوتفليقة، وبإزالة أنصار الفصيل الرئاسي داخل الجيش. وقد زادت زيارات قايد صالح إلى شتى المناطق العسكرية من تخوف الجهة المقابلة، على اعتبار أن تحركاته جزء من استراتيجيته لحشد الدعم داخل الجيش، ومن أجل تعزيز الدعم الكبير بين الشخصيات العسكرية الرئيسة، تحسباً لصراعات قد تنشأ بعد عهد بوتفليقة.