Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بليونير "تسلا" يدق طبول معركة على أبواب الأهرامات المصرية

تغريدة المبتكر إيلون ماسك تجدد الجدل بشأن "الكائنات الفضائية" والعالم يبحث مجدداً عن سر بقاء آثار مصر القديمة

لا يزال خلود أهرامات الجيزة يثير حيرة العالم رغم إبهار منجزات التكنولوجيا الحديثة  (أ ف ب)

تمر سنوات وعقود وقرون وألفيات، ولا تتغير أو تهتز آثار تركها الأجداد، بل يزيد بهاؤها وتتجذر هيبتها. بعضها فُكت طلاسمه وكُشفت أسرار عظمته، والآخر قادر على المنافسة، بل والتفوق على ما ابتكره الأحفاد واخترعوه، بما في ذلك أعظم الابتكارات وأعتاها؛ تلك التي يعتقد أبناء الألفية الثالثة أنها غير مسبوقة من حيث التقنية والإبهار.

هذا التفوق الذي يعرفه جيداً العلماء والمتخصصون يدفع البعض إلى ترجيح كفة الكائنات الفضائية باعتبارها مَن صمم وخطط وشيّد جانباً من ابتكارات الأجداد. إنها عدم القدرة على استيعاب هذا التفوق الذي كان، والعبقرية التي فاقت كل وصف دون حاسب آلي "كمبيوتر" يحسب لهم الحسابات المعقدة، أو تطبيق ينظم حمل حجارة وزن أصغرها طن أو أطنان، أو مركبة فضاء تأتي بحجارة من كوكب مجاور أو سيارة كهربائية تيسر عملية انتقال العمال والمهندسين أو أنظمة شمسية تحل عقدة الطاقة أو حتى طائرة كهربائية تعتمد على الدورة السريعة أو ما يعرف بـ"هايبرلوب".

 

 

كيف تَبني الأهرامات في سبع خطوات؟

الشخص الذي يرتبط اسمه بنصف الابتكارات الحديثة المذكورة أعلاه هو أحدث المنضمين إلى فريق العباقرة ممن أبهرتهم ابتكارات الأجداد وأذهلهم شموخ واستدامة البناء والتقنيات. الآثار التي يعود تاريخها إلى آلاف الأعوام مستمرة في منافسة التقنيات الحديثة في إبهار العالم، إما لأنها بالغة التقدم والتعقيد، أو لأنها ضخمة للغاية أو لكلا السببين. وليس هناك ما هو أضخم أو أعقد من أهرامات الجيزة، إحدى عجائب الدنيا السبع قديماً وحديثاً، لتعاود تأجيج نظرية مهندسين وعمال من الفضاء الخارجي هم بنوها، أو على الأقل أن هناك كائنات فضائية كانت ترسل للمصريين القدماء دليل "كيف تبني أهرامات في سبع خطوات؟".

خطوات بناء الأهرامات هي الحلقة الأخيرة في سلسلة بالغة الطول من العبقرية المعمارية والعمق التصميمي والحنكة الإجرائية. كل ذلك دفع آلاف الجهات البحثية والاستقصائية والتوثيقية إلى خوض محاولات فك طلاسم كيفية حدوثها.

"ناشونال جيوغرافيك" أشارت في تقرير لها قبل سنوات أن عظمة الآثار القديمة وعلى رأسها الأهرامات المصرية تجعل البعض يفكر إذا ما كانت كائنات فضائية من خارج كوكب الأرض شيدوها، مؤكدة أنه "لا توجد أدلة تشير إلى أن فضائيين قد مروا من هنا". وخلص التقرير إلى نتيجة تحمل لوماً لأصحاب نظريات الكائنات الفضائية تتلخص في أن استدعاء تفسير خارق للطبيعة لبعض الإنجازات البشرية الضخمة، يعكس تخطياً وتقليلاً من عظمة وشأن الطرق الرائعة التي مكنت حضارات قديمة من تشييد مبانيها العظيمة، وأن غموض العظمة لا يعني نسبها لكائنات أخرى.

 

 

استدعاء كائنات فضائية

أحدث المنضمين لاستدعاء كائنات فضائية ونسب بناء الأهرامات لها، هو صاحب أحد أبرز ابتكارات وإنجازات القرن الـ21، إن لم يكن في البناء والتشييد ففي التفكير والتصميم، وأحد أقطاب التكنولوجيا والأفكار المبتكرة بالعالم إيلون ماسك، الذي تسبق اسمه قائمة طويلة من الإنجازات التقنية والابتكارات العملية والتطبيقات العلمية، بينها أنه مؤسس شركتي تسلا وسبيس إكس على سبيل المثال لا الحصر. قرر أن يغرد في سرب المؤيدين لنظرية الكائنات الفضائية التي شيدت أهرامات الجيزة.

وجاء نص التغريدة كالتالي، "كائنات فضائية بنت الأهرامات كما هو واضح". وسواء كان ماسك كتب هذه الكلمات على سبيل الجد أو الهزل أو ما بينهما، فقد تفجر الأثير العنكبوتي والتأريخي والعنصري والهندسي والوطني في كل مكان.

وطنياً، وفي مصر، باتت القضية تعرف على مدار الساعات القليلة الماضية باسم "تسلا والهرم"، في اختزال مصري شعبي للأمر برمته. فالرجل أسس شركة "تسلا" ضمن العشرات من الشركات الأخرى، لكن تبقى السيارة الكهربائية هي الأبرز في عقول المصريين وذاكرتهم.

إقصاء مبطن للمصريين القدماء

وعلى الرغم من التغريدتين اللاحقتين اللتين لا تقلان غرابة عن الأولى، فإن الإقصاء المبطن للمصريين القدماء الذين بنوا أهراماتهم ونسبها لكائنات فضائية هو المهيمن على الأثير. فقد غرد ماسك بعدها قائلاً، "رمسيس الثاني كان رائعاً"، ثم تبعها بـ"كان الهرم الأكبر أطول هيكل صنعه البشر قبل 3800 عام"، وذيّلها برابط من "ويكيبيديا" عن الهرم الأكبر في الجيزة. كما وضع ماسك رابطاً لتقرير من "بي بي سي" عنوانه "الحياة الخاصة لبناة الأهرامات"، وصفه بأنه يقدم "عرضاً معقولاً للأسلوب الذي تم بناء الأهرامات به". لكن الزمن توقف عند التغريدة الأولى، والمسألة تحولت إلى معركة عظيمة.

الغريب أن المسألة لا تشغل بال المصريين في الشارع كثيراً. البعض يتداولونها على سبيل التفكه أو من باب العلم بالشيء. "رجل تسلا يقول إن كائنات فضائية بَنت الأهرامات" تقال بطريقة عادية. فقد اعتاد المصريون مثل هذه المقولات على مدار عقود. أو ربما يعرفون أن بعض هذه الأحاديث له أغراض أخرى تبدأ بالتشكيك في التاريخ وتمر بتأويل الدين وتنتهي بتحقيق شهرة هنا أو إثارة جدل هناك.

وهناك في الأروقة المصرية الرسمية، تلقفت الجهات المعنية الفرصة الذهبية؛ ربما لتنشيط السياحة التي تلقت سلسلة من الضربات الموجعة بدءاً بأحداث يناير (كانون الثاني) 2011، مروراً بعام من حكم جماعة الإخوان المسلمين، ثم الحراك الشعبي في 30 يونيو (حزيران) 2013، وانتهاء بوباء كورونا خلال 2020.

وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط، التي سبق وتقلدت منصب وزيرة السياحة غردت تغريدة دبلوماسية، مشيرة إلى أنها تتابع بإعجاب أعمال ماسك، لكن عليه أن يعمل على اكتشاف المزيد من الأدلة التي تؤكد أن المصريين القدماء هم بناة الأهرامات. وتعامل الجميع مع التغريدة باعتبارها دعوة مصرية رسمية لـ"رجل تسلا" لزيارة مصر وتفقد الأهرامات بنفسه ليتأكد أن من بناها هم المصريون القدماء.

 

 

رمسيس الثاني و"فرعون الخروج"

المصريون القدماء، بينهم رمسيس الثاني، الذي أشار إليه ماسك في تغريدة لاحقة نصها، "رمسيس الثاني كان رائعاً"، جعل البعض حول العالم ينقب في أصوله الدينية، استناداً إلى جدلية "فرعون الخروج"، التي يروج الإسرائيليون أنه رمسيس الثاني أو "فرعون موسى" وأنه ظلم اليهود وأخرجهم من مصر. آلاف الأسئلة ومحاولات البحث العنكبوتي عما إذا كان ماسك يهودي الديانة من الملايين في أرجاء الكوكب أدت إلى نتيجة مفادها أنه لا يشير إلى انتماءاته العقائدية من قريب أو بعيد، وهو ما أجهض محاولات تحويل تغريدة "الأهرامات والكائنات الفضائية" إلى ساحة الشد والجذب الديني.

لكن شداً وجذباً من نوع آخر كان في انتظار ماسك حيث آلاف المغردين السود الذين تلقفوا ماسك وتغريدته وجذوره الجنوب أفريقية، وتحديداً الأفريكان؛ السكان البيض في جنوب أفريقيا، والتاريخ الطويل من التفرقة العنصرية ضد الأغلبية السوداء. آلاف التغريدات ردت عليه متهمة إياه بالعنصرية ضد السود تارة، وضد كل الملونين بمن فيهم المصريون تارة أخرى، وضد كل ما هو ليس دالاً على تفوق العرق الأبيض. والمثير أن من بين آلاف التغريدات، التي انهالت رداً على كائنات ماسك الفضائية، ظهرت نعرات أخرى لم تكن في الحسبان. فهناك من انتهزها فرصة ونعت "المصريين والعرب" بـ"الغزاة الذين ينسبون الإنجازات الأفريقية في مصر الأفريقية لأنفسهم". وهناك من وجدها فرصة ذهبية ليجذب الأنظار إلى بلاده التي "تحوي أهرامات أكثر من تلك الموجودة في مصر ألف مرة وتستحق أن يغرد عليها ماسك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مستنقع العنصرية

مستنقع العنصرية والعنصرية المضادة التي كشفت عنها تغريدة ماسك لم ينجرف إليها الأثري المصري المشهور زاهي حواس، بل انجرف في نعت ما قاله ماسك بـ"الهراء" تارة و"التخاريف" تارة أخرى. حواس، أحد أشهر وأبرز وأهم من عمل وبحث بمنطقة الأهرامات في العصر الحديث، يؤكد أن لدى مصر وعلماء الآثار الأدلة التاريخية والأثرية واللغوية التي تثبت مما لا يدع مجالاً للشك أن المصريين هم من بنوا الأهرامات. فالمقابر الموجودة في محيط هرم خوفو الأكبر عامرة بنقوش الموظفين والكهنة في عصر الملك خوفو دون أدنى إشارة لزوار قدموا من الفضاء. وعلى جدران الهرم من الداخل كمٌّ مذهلٌ من النقوش لعمال وكهنة شاركوا في عملية البناء المذهلة. وتحوي هذه النقوش أسماء البنائين ونقوشاً لهم أثناء عملية البناء. أشار أيضاً إلى أن عدد الأهرامات في مصر يبلغ 120 هرماً تم تشييدها بين عصري الأسرتين الثالثة والثامنة، أي أنها سنوات طويلة ممتدة، ولا تقتصر على عهد الملك خوفو فقط. ووصف بناء الهرم الأكبر بأنه كان "مشروع مصر القومي الذي شارك في إنجازه نحو ثلاثة ملايين شخص". ومضى حواس في طريق "الدفاع" عن الحضارة المصرية القديمة متهماً ماسك بأنه لم يقرأ كتاباً عنها، وهو ما يفسر اختلاقه قصة وهمية سبقه إليها غير الدارسين للحضارة المصرية.

الدفاع عن الحضارة المصرية

الأثري المصري، بسام الشماع، أحد الدارسين للحضارة المصرية، انضم كذلك إلى كتيبة الدارئين عن أهرامات الجيزة شبهة بنائها على أيادي كائنات فضائية. واستند إلى البردية المكتشفة في "وادي الجرف" بمحافظة السويس عام 2013، التي تحوي معلومات وتفاصيل عن يوميات العمال والبنائين المصريين الذين شيدوا الأهرامات، وطالب الجهات الرسمية في مصر بعقد مؤتمر صحافي عالمي أمام هرم خوفو تحضره شخصيات من جميع أنحاء العالم، بينهم ماسك، لتوضيح حقائق بناء الأهرامات التي تخفى على كثيرين.

 

 

معتنقو نظرية الدعابة

كثيرون وقفوا على الجانب الآخر من المعركة المحتدمة حول أهرامات الجيزة. هؤلاء لا يصطفون في الصف الوطني المؤكِد أن المصريين القدماء بنوا الأهرامات دون أدنى شك. كما أنهم لا يغردون أو ينوهون أو يلمحون إلى حكاية الكائنات الفضائية. هؤلاء بكل بساطة يرون أن مؤسس شركة "سبيس إكس" الضالعة في العديد من مهام استكشاف الفضاء، التي هبط طاقم مركبتها الفضائية "سبيس إكس دراغون" على ساحل خليج فلوريدا قبل ساعات، وعلى متنها رائدا فضاء أميركيان بعد قضاء شهرين بمحطة الفضاء في رحلة تجارية بالاشتراك مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، والمؤسس المساعد لـ"تسلا موتورز" ومديرها التنفيذي، التي توشك على إطلاق سيارة ذاتية القيادة كلياً ولا تحتاج إلى أي تدخل بشري، وأحد مؤسسي شركة "باي بال" للتداول النقدي، التي تقدر قيمة أصوله بنحو 70.6 بليون دولار أميركي، ضمن أشياء أخرى كتب تغريدته على سبيل الدعابة. لكن معتنقي نظرية الدعابة لا يمتلكون الأكثر تداولاً "ترنداً"، أو حتى قدرة على منع الفأس قبل الوقوع في الرأس.

لكن المثل الشعبي يقول إن الفأس قد وقعت في الرأس. بمعنى آخر، فإن فأس التغريدة وقعت في رأس مواقع التواصل الاجتماعي وسبق السيف العذل، بينما الجانب الإيجابي لمصر يشير إلى جذب الانتباه إلى ثروة مصر الحضارية والثقافية، ومعادوة طرح السؤال: كيف بنى المصريون هذه الأهرامات الهائلة؟ وكيف تمكنوا من نقل ملايين الأحجار ورفعها ورصها بهذا الشكل الهندسي الرائع؟ بل كيف توصلوا إلى الحسابات الفلكية شديدة التعقيد والمرتبطة بتصميم الأهرامات وبنائها.

وعلى القدر نفسه من التعقيد، يطرح اسم أحدث أبناء ماسك نفسه منافساً لطريقة بناء الأهرامات في محاولة فك طلاسم طريقة نطقه، " X Æ A-12" هو ابن ماسك وزوجته الجديدة المطربة الكندية غرايمز المولود في مايو (أيار) الماضي، وهو ما جعل العالم يقف في حيرة من طريقة نطق الاسم. وأمام اعتراض قانون ولاية كاليفورنيا على الاسم، تم تغييره إلى "X Æ A-Xii".

وبينما ينتظر العالم فك إما طلاسم بناء الأهرامات أو نطق اسم ابن ماسك، تمضي المعركة المفيدة قدماً؛ الملايين تبحث عن مصر وأهراماتها على الإنترنت، وملايين أخرى تبحث عن تسلا ومؤسسها على "تويتر"، وملايين ثالثة تنقب عن الكائنات الفضائية وعلاقتها بقرينتها البشرية، ومجموعة صغيرة تضرب كفاً بكف لأن الأمر برمته في نظرها كان دعابة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات