Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البندقية" يتحدى الجائحة: أول مهرجان سينمائي بعد كورونا

60 فيلما والإجراءات الصحية مشددة والبلدان الموبوءة مستثناة وفي مقدمها الولايات المتحدة

واجهة مهرجان البندقية تنتظر انطلاق المهرجان (اندبندنت عربية)

في حين لا تزال جائحة كورونا حاضرة في العديد من البلدان، حاصدةً المزيد من الضحايا، أعلنت ادارة مهرجان البندقية يوم الثلاثاء الماضي برنامج الدورة السابعة والسبعين. التظاهرة السينمائية الأقدم في العالم، التي كانت أصرت بأن طبعتها الجديدة ستُقام في موعدها، أوفت بوعدها. إيطاليا التي كانت قبل ثلاثة أشهر أكثر دولة موبوءة في أوروبا، ستنزع عنها اذاً رداء المرض والخوف والقلق، من 2 إلى 12 سبتمبر (أيلول) المقبل، لتفرش السجادة الحمراء أمام الوافدين من بلدان العالم، ما عدا البلدان التي لا يزال الوباء فيها خارج السيطرة، وفي مقدمها أميركا. 

بعد ربيع وصيف توقّف خلالهما مجمل النشاطات السينمائية في العالم، ها إن "البندقية" يعلن، على طريقته، عودة الحياة إلى ربوع الفنّ السابع. هذا كله بفضل عناد المدير الفني ألبرتو باربيرا الذي قالها وكررها مرات عدة: "على الحياة أن تستمر". هو الذي كان رفض منذ البداية أي شكل من أشكال الحلول البديلة عن المهرجان الحقيقي، كالنسخة الافتراضية مثلاً. 

نجح البندقية، وهو واحد من أهم ثلاثة مهرجانات في العالم، حيث أخفق قبله مهرجان كانّ الذي حاول عبثاً طوال شهرين عقد دورته الأخيرة، قبل أن يضطر، بسبب الأمر الواقع الذي فرضته الجائحة، إلى إيجاد فتوى تمثّل في الإعلان عن البرنامج وإعطاء كلّ فيلم من الأفلام المختارة ختم المهرجان كأنما عُرضت فيه. لكن، مع ذلك، ارتأى باربيرا أن يقدّم نسخة أصغر، يمكن وصفها بالـ"كومباكت"، قياساً بالدورات الماضية. الحجم لا يشمل كثيراً عدد الأفلام (عددها 60 هذه السنة بدلاً من 80 في الدورات الماضية في الأقسام الرئيسية)، بقدر ما يطال الحضور والمشاركين، من نجوم وإعلام وجمهور، من دون أن ننسى أن السينما الهوليوودية (ونجومها) غائبة. 

صالات في الهواء الطلق

برنامج الأفلام ليس الشيء الوحيد الذي سيتأثر بكورونا. فهناك حزمة من الإجراءات، في مقدّمها التباعد الاجتماعي وقياس الحرارة وارتداء الكمامات. صالات جديدة في الهواء الطلق ستُفتَح أيضاً لاستيعاب الأعداد. أما تلك المغلقة التي كانت تحضن العروض سابقاً، فلن يُسمح إلا بدخول عدد معين إليها. هذه الإجراءات سيضطر الضيوف والمشاركون في المهرجان الالتزام بها، ولا أحد يعرف كيف ستُطبق فعلياً على أرض الواقع، فهذا أول تجمّع سينمائي ضخم يشهده العالم بعد انحسار كورونا، ولا توجد خبرة سابقة في هذا المجال من الممكن الرجوع إليها. أياً يكن، نعلم منذ الآن أن الإجراءات ستعيق عمل الكثيرين من أهل السينما، وهذا ما جعل بعضهم يمتنع من خوض هذه المغامرة.

الممثّلة الأميركية الأسترالية كايت بلانشيت ستترأس لجنة التحكيم، خلفاً للمخرجة لوكريسيا مارتل، علماً أنها كانت رئيسة كانّ قبل سنتين. في لجنتها، نجد كلّ من الممثّلة الفرنسية لوديفين سانييه، المخرج الألماني كريستيان بتزولد والمخرج الروماني كريستي بيو والكاتب الإيطالي نيكولا لاغياو، المخرجة البريطانية جوانا هوغ والمخرجة النمسوية فيرونيكا فرانز. مهمّة هؤلاء هي تسليم الجوائز للأفلام الفائزة، في ختام الموسترا، وفي مقدمها "الأسد الذهب" التي ذهبت العام الماضي لـ"جوكر" إخراج الأميركي تد فيليبس. وسيتم تكريم الممثّلة البريطانية تيلدا سوينتون والمخرجة الهونغكونغية آن هيو.

فيلم الافتتاح (المعروض خارج المسابقة)، أُسنِد هذا العام، خلافاً للأعوام الماضية التي كانت تنطلق دائماً بفيلم أميركي، إلى المخرج الإيطالي دانييلي لوكيتّي وعمله الأحدث "الروابط". آخر مرة افتُتِح الموسترا بفيلم إيطالي كانت في عام 2009 يوم عُرض "باريا" لجيوسيبي تورناتوري. تجري أحداث "الروابط" في نابولي مطلع الثمانينيات. أفلمة لرواية دومينيكو ستارنون بالعنوان نفسه صدرت في عام 2017. العمل من بطولة ألبا رورفاكر ويحكي عن زواج تهدده علاقة من خارجه. بعد الإعلان عن خبر عرض فيلمه في الافتتاح، صرح لوكيتّي بأنه طوال الفترة الماضية شعر كغيره من الناس أن السينما في حالة احتضار بسبب كورونا، قبل أن يعي خلال الغلق بأن الأعمال الفنية ضرورة للبشر لا يمكن العيش من دونها. 

داخل المسابقة

18 فيلماً تُعرض في المسابقة، 8 منها من إخراج سيدات، لكن من دون أن يخضع هذا الخيار لأي كوتا، بل المصادفة هي التي تكفلت بوصول هذا العدد من الأفلام التي تحمل تواقيع نسائية إلى المسابقة. فقط 2 من هذه الأفلام من إنتاج الاستوديوات الهوليوودية التي كان المهرجان اعتاد أن يكون منصّة لأقوى انتاجاتها في السنوات الأخيرة، لا بل كان مدخلاً لترشيحات الـ"أوسكار". في غياب القامات الكبيرة، بعض الأعمال التي يتقرحها المهرجان رهنٌ للاكتشاف، وقد يشكّل مفاجآت ويسهم في ولادة بعض الأسماء وتكريس بعضها الآخر. هناك "نومادلاند" لكلويه زويه، تمثيل فرانسز ماكدورماند، عن سيدة تعيش متشردة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة. أيضاً، "العالم القادم" تمثيل كايسي أفلك وفانيسّا كربي الذي يصوّر قصّة حبّ بين فلاحين في أميركا القرن التاسع عشر. يُعرض أيضاً "قِطَع إمرأة" للمخرج الروماني كورنيل موندوكزو، تمثيل شيا لابوف. اذاً، المهرجان هذه السنة يتيح المجال لأسماء غير مكرسة لاثبات نفسها، ولعل المخرج الروسي الكبير أندره كونتشالوفسكي هو المخضرم الوحيد بينها. فبعد أشهر على خروج فيلمه الأخير، "خطيئة"، يسلك طريق البندقية مع عمل جديد سمّاه "رفاقي الأعزاء". 

في فقرة الأفلام الوثائقية، اختار المهرجان الأعمال التالية: "مجنون، لا مختل" لأليكس غيبني (عن القتلة بالتسلسل)، و"سالفاتوري فيراغامو: اسكافي الأحلام" للوكا غوادانينو، الذي يتحدّث كما يشير عنوانه عن صانع الأحذية الإيطالي الشهير. يُضاف إليهما، فيلمان نتطلع إليهما بفارغ الصبر: "سيتي هول" لمعلم السينما الوثائقية فردريك وايزمان (عن مركز بوستون الإداري) و"نوتورنو" لجيانفرنكو روزي، المخرج الإيطالي الذي سبق أن فاز بـ"أسد" البندقية يوم عرض فيه "ساكرو غرا" في عام 2013. 

اذاً، التحدي كبير جداً أمام ألبرتو باربيرا الذي يعتبر أن هذا مهرجان استثنائي يُعقد في ظروف استثنائية. في مقابلة مع "هوليوود ريبورتر" روى أن الفريق اشتغل في شروط صعبة جداً. لا أحد كان يعلم إذا كان تنظيم حدث كهذا سيكون ممكناً، خصوصاً أن كلّ المهرجانات التي سبقت الموسترا زمنياً أُلغِيت. فقط عندما بدأ ينقشع الغبار عن الأزمة في إيطاليا، مع بداية حزيران (يونيو)، عاد التفاؤل إلى روح باربيرا. في البداية، نظراً للإجراءات المفروضة، ساد اعتقاد أنه لا يمكن عرض أكثر من 30 فيلماً، إلا أن هذا العدد لم يكن كافياً لتنظيم مهرجان كامل. أما بالنسبة للأميركيين الذين يُعتبرون واجهة البندقية، فيرى باربيرا أن مشاركتهم مستحيلة في الوقت الراهن نظراً لأنهم مُجبَرون على التزام الحجر الصحّي فور وصولهم إلى إيطاليا حيث الوباء أصبح تحت السيطرة، ولكن يرى أنه قد تحصل تغييرات في المعطيات في الأيام المقبلة، وقد يشهد المهرجان تالياً مشاركة بعض الأميركيين. 

يعتبر باربيرا أن المضي في تنظيم حدث كهذا مجازفة في ذاتها، ولكن يرى أنه من الضروري إرسال إشارة تفاؤل والقول للعالم إنه من الممكن إجراء مهرجان سينمائي في ظروف كهذه. لا يرى في هذه الدورة من البندقية إلا انطلاقة جديدة للأمل، خصوصاً أن العاملين في مجال الفنّ والثقاقة ما عادت لديهم قدرة على البقاء بلا نشاط. فعلى الصالات أن تعود إلى الحياة مجدداً، وهي في أمس الحاجة إلى أفلام تجذب الجمهور. المقابلة مع باربيرا تعلمنا كذلك أن ثمة تعاوناً بين البندقية ومهرجانات أخرى لعرض الأفلام في وقت واحد، بعيداً من منطق المنافسة الذي كان يغلب على عقلية المنظمين، وهذا التعاون يأتي لخدمة السينمائيين. فمصلحة السينما لا تعلو فوقها أي مصلحة في الوقت الراهن بحسب باربيرا. ولكن، ماذا عن التعاون الذي تحدّث عنه مدير كانّ تييري فريمو قبل شهرين؟ يقول باربيرا إنه سيتم الإعلان عن تعاون بين كانّ والبندقية في الأيام المقبلة، وسيكون في إطار مشروع مشترك لم يسبق له مثيل. لننتظر ونرَ.

المزيد من سينما