Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سفير فرنسي جديد بـ"لسان مغاربي" لطي أزمة "السفراء" بين الجزائر وباريس

وضع ملف الذاكرة بين أيدي المؤرخين لسحبه من التجاذبات والمزايدات السياسية

سهلت العلاقة المباشرة بين الرئيسين تبون وماكرون العلاقات بين البلدين (مواقع التواصل)

طوت الجزائر وفرنسا أزمة السفراء التي استمرت لسنوات طويلة، واستجابت باريس، بعد مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ألحّ خلالها الطرف الجزائري في طلب إنهاء مهام السفير الفرنسي السابق كزافييه دريانكور "غير المرغوب فيه"، وذلك لأسباب عدة أهمها "مسؤولية دريانكور عن توتر العلاقات الجزائرية - الفرنسية في الفترة الأخيرة".
وعيّن ماكرون السفير فرانسوا غوييت، الذي يتقن اللغة العربية، ومختص في اللهجات المغاربية، سفيراً جديداً لبلاده لدى الجزائر، بهدف إغلاق ملف "أزمة السفراء" التي تسبب فيها السفير المقال دريانكور، وذلك وفق الطلب الجزائري المرفوع إلى باريس.


تبون: هذا ما يجب فعله

قضية السفير الفرنسي السابق في الجزائر، الذي غادر الأسبوع الماضي، تحولت إلى "قضية دولة" ما بين رئيسَي البلدين مباشرةً، إذ عُلم أن الرئيس الجزائري طلب من ماكرون تبديل السفير بأسرع وقت ممكن ضمن قائمة "ما يجب فعله"، التي حددتها الجزائر لـ"تطبيع كامل" للعلاقات مع الدولة الفرنسية.
واعتبرت الجزائر أن السفير الفرنسي السابق هو "أحد أهم أسباب التوتر" من ضمن "لوبي" معروف بعدائه التاريخي لها. وكان السفير دريانكور استُدعي ثلاث مرات في غضون شهر للاستنكار والاستفسار حول تصريحات فرنسية، بينما كانت الجزائر تعيب عليه إقامة علاقات متشعبة مع ناشطين في الحراك الشعبي، ما غذى عداءً تجاهه من قبل المؤسسة العسكرية الجزائرية، ومع انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد لم يطرأ تغيير على هذه النظرة وصولاً إلى اتفاق الرئيسين على إدارة العلاقات بين الدولتين بشكل مباشر بينهما إلى حين عودة اللجنة المشتركة الكبرى إلى نشاطها قريباً.
وعلى الرغم من الخلاف المباشر معه، إلا أن السلطات الجزائرية وافقت على الاستقبال "البروتوكولي" للسفير المغادر من قبل الرئيس تبون. وقال دريانكور إنه يجب على الجزائر وفرنسا "النظر في ذات الاتجاه"، مؤكداً أن "مسائل الذاكرة تكتسي أهمية بالنسبة إلى البلدين". وأوضح السفير الفرنسي عقب انتهاء مهمته في الجزائر أن "الرئيس ماكرون تحدث في تصريحه في يوم 14 يوليو(تموز) عن نهج جديد، وأنا متفق معه في القول إنه يجب اتباع طريق جديد بين بلدينا. وبالإضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، تطرقت مع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى مسائل الذاكرة التي تكتسي أهمية بالنسبة للبلدين، وكذلك إلى التقدم المحقق أخيراً في هذا المجال".


السفير والذاكرة

معلوم أن أحد أهم التوافقات التي حصلت بين الرئيسين الفرنسي والجزائري، هو البدء في جرد متطلبات ملف الذاكرة المشتركة وقضية أرشيف الفترة الاستعمارية، والذهاب نحو مرحلة "تهدئة" لتجاوز التوتر الشديد الذي شهدته السنتان الماضيتان.
وتجسدت الاتفاقات المباشرة بين تبون وماكرون في استعادة جماجم عدد من مقاومي الثورة الجزائرية كدفعة أولى، ثم تشكلت اللجنة المشتركة لملف الذاكرة برئاسة مختلطة، يمثلها عن الطرف الجزائري الأستاذ عبد المجيد شيخي، وعن الجانب الفرنسي المؤرخ الشهير وصديق الجزائر، بنيامين ستورا.


السفير الجديد

من جهة أخرى، ووفق المعلومات المتوفرة فإن سفير فرنسا لدى السعودية حالياً، فرانسوا غوييت، سيكون السفير الفرنسي الجديد في الجزائر بانتظار تسميته رسمياً. ويُتوخى من اختيار غوييت كسفير جديد، الاستفادة من علاقاته في الجزائر منذ السبعينيات، حيث كان يمضي عطله. كما أن زوجته جزائرية. وتخصص غوييت في دراسة اللغة العربية الفصحى بعد حصوله على شهادة البكالوريا، كما درّس اللهجات المغاربية في "المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية" في فرنسا.
وتخصص غوييت أيضاً في الترجمة الفرنسية – العربية، وتخرج من مدرسة المترجمين.
بدأت مسيرته الدبلوماسية، بتعيينه قبل 30 سنة في السلك الدبلوماسي في ليبيا، ليُعيَّن بعدها سفيراً في سوريا، والإمارات، وتونس والسعودية. ويتقن السفير غوييت اللهجات المغاربية بشكل كبير بما في ذلك الجزائرية، كما أنه يميل إلى حفظ الأمثال الشعبية، وتذوق الفن المغاربي.
وتعليقاً على ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية نور الدين شرشالي لـ"اندبندت عربية" إن "تعيين سفير فرنسي جديد بشكل يستجيب للتحفظات الجزائرية، هو ثمرة اتفاقات شخصية بين الرئيسين، هناك سياق عام في الجزائر منذ المكالمات الهاتفية الأخيرة بين تبون وماكرون لتحميل مسؤولية التوتر الكبير في العلاقات لما سُمي لوبيات فرنسية حاقدة. في رأيي هذا الأمر مرتبط بما عبّر عنه ماكرون بصفته رئيساً شاباً منفتحاً على قضايا الذاكرة الأكثر إيلاماً". وأضاف شرشالي "تابعت تصريحات الرئيس تبون في الفترة الأخيرة حول فرنسا، أعتقد أن حديثه مع ماكرون كان صريحاً جداً لذلك جاءت النتائج سريعة على أرض الواقع. باريس أيضاً حصلت على شيء متقدم في علاقاتها بالجزائر اقتصادياً، والرئيس تبون نفسه أكد في الفترة الأخيرة أن التعاون الاقتصادي الجزائري الدولي لن يُقصي فرنسا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الذاكرة بعيداً عن الخلافات
من ناحية أخرى، لطالما كان إسناد ملف الذاكرة إلى مؤرخين بدل اللجان السياسية المشتركة، مطلباً فرنسياً وليس جزائرياً، لكنه بهذه المقاربة سيكون بعيداً عن التجاذبات السياسية، أو الحملات الدعائية، والمزايدات الإعلامية داخل كل من الدولتين.
على هذا الأساس كلّف تبون، المستشار لدى رئاسة الجمهورية المكلّف بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي، ليكون مقابلاً للمؤرّخ الفرنسي بنيامين ستورا، في العمل الجاري مع الدولة الفرنسية في مجال الذاكرة. وأوضح تبون في لقاء مع وسائل إعلام جزائرية، أنّه اختار الشيخي كونه "الأدرى" بالملفّات التي سيتناولها الجانبان، بخاصة بحكم تولّيه منصب المدير العام لمؤسسة الأرشيف الجزائري.
أما قصر "الإيليزيه" فأوضح في بيان أن ماكرون عيّن المؤرخ ستورا في مهمّة تتعلق بـ"ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، بهدف تعزيز "المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري". وأبرزت الرئاسة الفرنسيّة أن هذه المهمة التي يُنتظر صدور نتائجها في نهاية العام "ستُتيح إجراء عرض عادل ودقيق للتقدّم المحرَز في فرنسا في ما يتعلق بهذا الشأن، وكذلك للنظرة إلى هذه الرهانات على جانبَي البحر المتوسط".

وقال ماكرون في رسالة التكليف الرسمية الموجهة للمؤرخ ستورا، إنه يريد الانخراط في إرادة جديدة للمصالحة بين البلدين، لأن موضوع الاستعمار وحرب الجزائر، بحسبه، أعاق لمدة طويلة وضع البلدين على مسار مشترك في حوض البحر المتوسط.

المزيد من العالم العربي