بعد مرور 71 عاماً على "نكبة فلسطين" وتشريد مئات الآلاف من اللاجئين الذين توزعوا على ما تبقّى من أراضٍ فلسطينية ودول عربية واجنبية، يعيش العديد من فلسطينيّي الشتات في صراع دائم بين فكرة التهجير واللجوء، وحقّ العودة أو التوطين والضغط على الدول المستضيفة للحصول على حقوقهم المدنية والاجتماعية في أقل تقدير.
الحقوق المدنية والاجتماعية لفلسطينيي لبنان
تتجه الأنظار دائماً الى مخيمات لبنان وحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي تكاد تكون معدومة، مع العلم أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تضمن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل إنسان في شكل عام، وحقوق اللاجئين في شكل خاص. مع ذلك، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يحصلوا حتى اليوم على أدنى حقوقهم التي تؤمّن قواعد العيش الكريم كحق التملك وحق العمل والضمان الاجتماعي وغيرها من الحقوق، كما لا يستطيع الفلسطيني في لبنان توريث أولاده، لا بل تذهب كل أملاك أصحاب الميراث إلى الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى منعهم من مزاولة 73 مهنة.
وتبرر الدولة اللبنانية ذلك، بأن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في لبنان ما هو إلا بداية للتوطين، ما لا تقبله فئة كبيرة من اللبنانيين لأسباب ديمغرافية، تؤدي إلى خلل في بنية البيئة اللبنانية. أمّا وجهة نظر الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم السياسية، فإنهم يرفضون التوطين في لبنان رفضاً قاطعاً، ولا يقبلون بوطن بديلٍ من فلسطين، لكنهم في الوقت نفسه يسعون إلى الحصول على حقوقهم في لبنان وذلك لن يتعارض مع مفهوم السيادة ودولة القانون وفق تعبيرهم.
صفقة القرن وتفريغ المخيمات من قاطنيها
يعتبر الفلسطينيون أن صفقة القرن تستهدف بالدرجة الأولى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء قضية اللجوء، ويرى فلسطينيو لبنان أن طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب حلّ الصراع العربي الإسرائيلي، والتسوية السياسية الشاملة للمنطقة، أي ما يُعرف "بصفقة القرن" خطوة مجحفة بحق الفلسطينيين، وما هي إلا إبطال لحق العودة، وكان سبق تلك الخطوة نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى إسرائيل من مدينة تل أبيب إلى القدس في مايو (أيار) العام 2018.
قبل كل ذلك، كانت هناك مجموعات تعمل على تفريغ المخيمات من خلال التشجيع على الهجرة وتقديم خدماتها في استقبال طلبات اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في الهجرة. وخلال ثلاثة أشهر فقط، كانت النتيجة عرض عشرات المنازل داخل المخيمات الفلسطينية للبيع ومغادرة 500 شخص من مخيمات الشمال، 300 من مخيم عين الحلوة، عدا عمّن هاجر من مخيمات بيروت والجنوب والبقاع.
مخيمات ستفرغ من سكانها
إضافة إلى شغور 55 بيتاً في مخيم عين الحلوة، فإذا استمرت الهجرة بهذه الوتيرة فإن المخيمات الفلسطينية ستفرغ من سكانها خلال فترة زمنية لا تتجاوز العامين".
ويؤكد اللواء منير المقدح أن صفقة القرن ما هي إلا عملية إنهاء القضية الفلسطينية، واصفاً السياسة الأميركية بأنها لطالما "وقفت إلى جانب إسرائيل ولم تُنصف القضية الفلسطينية، والسياسة المتبعة من إدارة الرئيس ترمب هي التهجير أو التجويع، وظهر ذلك من خلال تقليص الأونروا خدماتها ومحاولة تفريغ المخيمات الفلسطينية أي الهجرة الممنهجة، ومع كل هذه الضغوطات لن نتنازل عن أرضنا في فلسطين ولن نرضى بديلاً منها".
وتابع المقدح "نحن نناشد الدول العربية لاسيما الخليجية منها أن تساعدنا لأن منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية لن تستطيع وحدها مجابهة العدو الإسرائيلي والضغوطات الأميركية، لذلك نطلب المزيد من الاحتضان العربي للقضية الفلسطينية، كما نطالب الدولة اللبنانية بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية والعمل على تخفيف الضغوطات".
هواجس الديمغرافيا اللبنانية
يندرج قرار تخفيض الدعم الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتجميد نصف مخصّصات الدعم ضمن قرارات ما يُعرف "بصفقة القرن".
يرى المراقبون أن لا بصيص أملٍ لتحسين واقع الفلسطينيين في لبنان، مع العلم أنه سُرّبت وثيقة جديدة يُحكى أنها صادرة عن الأمن العام اللبناني وتضمن للفلسطينيين حقّ التملك والضمان الاجتماعي ومزاولة 42 مهنة من الذين منعت عنهم، إلاّ أن رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة أكّد عدم صحة هذه الوثيقة والهدف من نشرها إحراج السلطة الفلسطينية أمام الفلسطينيين في لبنان، مضيفاً أن لجنة الحوار أصدرت في العام 2016 وثيقة، حُوّلت إلى مجلس الوزراء لكن حتى الساعة لم يعمل بها أو ولم تُحل على مجلس النواب، وجميعنا ضد التوطين لكننا مع العيش الكريم للفلسطينيين، فتضييق الخناق عليهم لا يحل الأزمة بل يزيدها سوءاً وتعقيداً، والحل لا يكون بالخطابات العنصرية والتحريضية".
الاقتتال الداخلي وانعكاسه على الفلسطينيين
لم يُفلح الفلسطينيون حتى اليوم في توحيد صفوفهم وأهدافهم وجهودهم تجاه ما يطمحون إليه، لأنهم ببساطة لم يقوا أنفسهم شرّ الاقتتال الداخلي بين الفصائل والقوى الفلسطينية، وخير دليل على ذلك مخيم عين الحلوة الذي أصبح عنواناً للرعب والخوف والاشتباكات الداخلية، والاقتتال الداخلي بين حركتَي فتح وحماس، والعمليات المتبادلة لتصفية شخصيات متحزّبة منهما، مع حسابات أرهقت أهالي المخيمات الذين يعتبرون أن ليس من مصلحة أحد ما يجري على الساحة اللبنانية.
الانخراط في المجتمع اللبناني
بعد مرور 71 عاماً على وجودهم في لبنان، الطابع الطاغي على مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان هو طابع فلسطيني بامتياز من حيث اللهجة والعادات والتقاليد وأسماء العائلات وزواريب المخيم وصور للرئيس الراحل ياسر عرفات وأعلام لحركة فتح وأخرى لحركة "حماس" ومدارس باسم القرى والمدن الفلسطينية وذكريات تحكي عن فلسطين والزّي التراثي الفلسطيني، ومفتاح العودة في كل منزل من منازل مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا الذي شهد أحداثاً دامية، ومخيّمَي البص والرشيدية جنوب لبنان، ومخيم نهر البارد الذي لقي مصيراً مماثلاً لمخيم عين الحلوة، ومخيم البدّاوي ومخيمي شاتيلا وبرج البراجنة في بيروت اللذين يشهدان عمليات تفريغ من سكانهما الأصليين ومخيم ضبية الذي يسكنه الفلسطينيون المسيحيون، ومخيم المية ومية الذي اتخذته الحركات الفلسطينية الإسلامية مستقراً لها.
من خلال كل هذا، يبدو أن الفلسطينيين يدفعون أثماناً باهظة ضحية عدم توحيد المسار والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية ووكالة الأونروا، أي بين المعنيين الرئيسين بالقضية الفلسطينية وقضية اللجوء التي تشغل الرأي العام العالمي حتى يومنا هذا.