Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت رؤوس الأموال المهاجرة من سوريا إلى نعمة؟

رجال الأعمال السوريون الهاربون من أتون الحرب الطاحنة في بلدهم استثمروا أموالاً ضخمة في الدول التي استقروا فيها خصوصاً دول الجوار ودول الخليج العربي ومصر

تحتل تركيا الرقم الأفضل في حجم استثمارات رؤوس الأموال السورية المهاجرة من سوريا (أ.ف.ب)

طبعت الحرب السورية صورة للسوري في الخارج بأنه اللاجئ الفقير القابع في مخيمات اللجوء من دون عمل، يقف على أبواب الوكالات الأممية للحصول على المساعدات الإغاثية، اذ يوجد حوالي ستة ملايين لاجئ سوري في تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، لكن في المقابل، هاجرت من سوريا طبقة من الأثرياء أيضاً مع رؤوس أموالها إلى دول متعددة عربية وأوربية عكست في حضورها واقعاً أفضل في البلدان التي استقرت فيها، وشكلت قوة لاقتصادات تلك الدول.

الأمثلة والتجارب كثيرة عن سوريين تفوقوا في أعمالهم في الدول التي هاجروا إليها، ولعل المثال الأكبر والأضخم محمد شرباتي، رجل الأعمال السوري من مدينة حلب يوصف في سوريا بـ "ملك الجينز" تمكن من افتتاح معمل يعتبر الأكبر بين معامل النسيج في أفريقيا، ووصل إنتاج معامله إلى 60 مليون متر من قماش الجينز يصدّر أكثر من نصفها.

تركيا الأولى بالاستثمارات

تحتل تركيا الرقم الأفضل في حجم استثمارات رؤوس الأموال السورية المهاجرة من سوريا، وفي ضوء بيانات حديثة لمركز أبحاث السياسات الاقتصادية التركية "TEPAV" تقرير جديد له صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، أن عدد الشركات السورية التي تأسست في تركيا خلال العام الحالي ارتفع بنسبة 85 في المئة، أي أنه يعادل ما نسبته 11.8 في المئة من إجمالي عدد الشركات الأجنبية في تركيا.

تدفق الاستثمارات

ويعزو الاقتصادي السوري الدكتور عمر محمد، المتخصّص في إدارة الأعمال، هذا الارتفاع التدريجي لعدد الشركات السورية المسجلة في تركيا خلال الأعوام الأولى من قدومها إلى تركيا، إلى العديد من الأسباب أهمها تدفق الاستثمارات الخارجة من سوريا إلى تركيا نتيجة قربها الجغرافي منها والحوافز الاقتصادية التي توفرها الحكومة التركية إذ بلغ عدد الشركات السورية التي تأسست خلال سبتمبر (أيلول) الماضي 163 شركة، وبلغ إجمالي رأسمال الشركات السورية الشريكة مع الشركات التركية 28.9 مليون ليرة تركية (5.3 مليون دولار) خلال الفترة المذكورة.

واحتل السوريون المرتبة الأولى بين الدول العربية في تأسيس عدد الشركات في تركيا خلال السنوات الست الأخيرة، بواقع سبعة آلاف و599 شركة، وجاء السعوديون في المرتبة الثانية بتأسيس ألفين و75 شركة، يليهم العراقيون، ويضيف الدكتور محمد "بلغ إجمالي عدد الشركات السورية المؤسسة في تركيا منذ بداية العام وحتى الآن (1248) شركة مرخصة، برؤوس أموال تقدر بحوالي (203.5) مليون ليرة تركية، أي ما يعادل 40 مليون دولار قيمة الاستثمارات السورية الجديدة في تركيا خلال العام 2018".

السوريون بين المستثمرين الأجانب

جاذبية السوق التركي بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، ارتبطت بتسهيل إنشاء المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر للسوريين، وذلك بالسماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية والخدمية من دون الحاجة إلى ترخيصها قانونياً، ضمن مهلة حددتها بمدة ثلاث سنوات ابتداء من العام 2013. ويعلق الدكتور محمد أن هذه الإجراءات أدت إلى خلق العديد من الفوائد والنتائج بتخفيض نسب البطالة بين السوريين وارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية المحلية في تركيا، وبعد انتهاء المهلة القانونية في العام 2016 بدأت السلطات المحلية في المدن التركية بمطالبة الأعمال السورية بضرورة ترخيص أنشطتهم وتسجيلها لدى السلطات المحلية المختصة.

منح الجنسية التركية

وفي نظرة تاريخية على أعداد الشركات السورية المسجلة يفيد الدكتور محمد بأننا نلحظ بتركيا منذ العام 2014 حتى عامنا الحالي ارتفاعاً في العام 2014 إذ يبلغ (2106)، أما في العام 2015 فهو (1750)، وفي العام 2016 (1800)، أما عدد الشركات السورية المسجلة في العام 2017 فيبلغ ((695. ويتابع "ترافق ذلك مع إعلان الحكومة التركية في العام 2016 عن نيتها منح الجنسية التركية للسوريين الذين يحملون أذونات عمل نظامية في تركيا، ومن طريق إنشاء السوريين شركات خاصة بهم أصبح في إمكانهم الحصول على إذن عمل تلقائياً".

وأوردت دراسة نشرتها دورية بيلدنغ ماركتنغ، أن المشاريع السورية في تركيا قامت بتوفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل، كما أن حجم الاستثمارات السورية في تركيا قاربت نصف مليار ليرة تركية، وعادة ما تعمل هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في قطاعات مثل المنسوجات، والمواد الغذائية والبناء والتجارة

ودائع السوريين في لبنان

رجال الأعمال السوريون الهاربون من أتون الحرب الطويلة والطاحنة من بلدهم استثمروا أموالاً ضخمة في الدول التي استقروا فيها خصوصاً دول الجوار ودول الخليج العربي ومصر، وخسرت سوريا رؤوس الأموال التي استقطبت بعضها قبل الأزمة ومعها المصانع والمستودعات التجارية التي دمرت وسرقت. ومع أن لبنان لم يحظ بالاستثمارات السورية الكبيرة كما تركيا، إلا أن نسبة كبيرة من ودائع السوريين استقطبتها البنوك اللبنانية وشكلت ودائع السوريين في المصارف اللبنانية في لبنان قبل الأزمة 16 مليار دولار ليزداد حجم الودائع في البنوك اللبنانية، ومع بداية الحرب السورية بارتفاع كبير لرقم الودائع إلى 37 ملياراً.

تضاعف الإيداعات

ويكشف الباحث الاقتصادي ليون زكي، وهو رجل أعمال ويشغل رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني عن تضاعف إيداعات رجال العمال السوريين خلال الأزمة في المصارف الخارجية وخصوصاً في مصارف لبنان التي حظيت بحصة الأسد منها واستأثرت بِعُشْرِ ودائعها من العملات الصعبة وخصوصاً الدولار، بينما استحوذت تركيا جلّ توظيفات السوريين وخصوصاً القادمين من مدينة حلب.

ومع ذلك لم يلاحظ وجود استثمارات سورية مباشرة وكبيرة في لبنان، بل كانت في غالبيتها ورشات ومطاعم صغيرة، وهذا يدل إلى أن هروب رؤوس الأموال السورية إلى لبنان لم يكن لدواعي الاستثمار بل لدواعي الأمان ما يقود إلى الاستنتاج بأن عودتها ممكنة في حال استتب الأمن في البلاد.

اجراءات الاستقطاب والعودة

في خطوة وصفت بالإيجابية من قبل رجال الأعمال السوريين، وخصوصاً أنها تحمل في طياتها تغيراً في طريقة التعاطي والتخاطب مع الصناعيين السوريين الموجودين في الخارج، طالب وزير الصناعة السوري بتشكيل لجنة هدفها إعادتهم إلى البلاد والمشاركة في إعادة إعمارها. وتهدف دمشق إلى جلب رؤوس الأموال الكبيرة بعد استقرار البلاد، وهذا يمكن تحقيقه بدعم من الشركات الكبيرة وخصوصاً حلفاء سوريا، لكن يبقى الاقتصاد السوري في حاجة إلى إنعاش عبر إعادة تشغيل المعامل والإسهام في إنعاش حال الصناعة المحلية وإرجاعها إلى سابق عهدها.

ويشجّع الاقتصادي السوري الدكتور عمر محمد على اتخاذ إجراءات محفّزة لرؤوس الأموال، فكثير من الشركات السورية ورجال الأعمال السوريين يرغبون في العودة إلى بلدهم في حال استقرت الظروف السياسية والاقتصادية بما في ذلك سعر صرف الليرة ووجود دخل مناسب للمواطن السوري يشجع على الاستهلاك وتوافر البنية التحتية المشجعة للاستثمار من كهرباء وماء وغاز ووقود وسهولة مرور البضائع من دون الحاجة لدفع إتاوات.

ومن المغريات الاستثمارية التي توجب على الحكومة توفيرها لجذب المستثمرين وإعادة توطين أموالهم وفق الباحث الاقتصادي ليون زكي، دعم المدن الصناعية وتأمين عوامل صمودها وتثبيت سعر صرف الليرة السورية لتدعيم عملية الإنتاج ورفع أسعار الفائدة في المصارف وإعادة تسويق فرص الاستثمار السورية خارجياً.

المزيد من اقتصاد