قبل أزمة كورونا وما تبعها من تداعيات ومخاطر وتغيير كبير سواء في نظريات الاقتصاد أو وجهات الاستثمار، كانت شريحة كبيرة من أصحاب الفوائض المالية يتجهون إلى الدولار الأميركي باعتباره أحد الملاذات والأصول الآمنة، خصوصاً في وقت الأزمات وانتشار حالة عدم اليقين.
لكن جاء كورونا ليهدم هذه النظرية ويضع الدولار بين قائمة الأصول الخطرة مع هروب المستثمرين إلى أسواق أخرى، وربما إلى عملات أخرى مثل اليورو والإسترليني، إذ تشير البيانات والأرقام إلى أن اليورو وصل إلى أعلى مستوياته منذ ما يقرب من عامين على مؤشر البنك المركزي الأوروبي المرجح بالتجارة، الذي يقارنه بسلة من العملات الرئيسة الأخرى.
وفي الماضي، كان هذا سيمثل مصدر قلق كبير لأكبر كتلة تجارية في العالم، لأن القارة الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا، تعتمد بشكل كبير على الصادرات. ويشير تحليل حديث لوكالة "بلومبيرغ أوبينيون"، إلى أن الأمور مختلفة هذه المرة، حيث سيقود المستهلكون المحليون وليس مشتري السلع من الخارج، المرحلة الأولى من التعافي الاقتصادي بعد فيروس كورونا.
وعلى هذا النحو، ينبغي النظر إلى قوة اليورو على أنها حكم على القوة النسبية لأوروبا مقارنة بالولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم. وحتى الآن على الأقل، كانت إدارة أوروبا لأزمة "كوفيد- 19" من منظور الرعاية الصحية أعلى بكثير من الولايات المتحدة، وكلما تمكنت من إدارة ذلك زادت سرعة إعادة فتح الاقتصاد.
الاحتياطي الفيدرالي يقلص قوة الدولار
وبحسب التحليل، فإن النشاط الاقتصادي أظهر انخفاضاً عميقاً في كل من الاقتصادات الأميركية والأوروبية خلال عمليات الإغلاق، ولكن التعافي كان أسرع وأكثر اكتمالاً في فرنسا وألمانيا، اللذين يمثلان محركين رئيسيين لمنطقة اليورو.
وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، كان النشاط الاقتصادي الفرنسي والألماني عند 80 في المئة، و90 في المئة من المستويات العادية، مقارنة بنحو 65 في المئة في الولايات المتحدة. ولا يريد الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي أن يرتفع اليورو بسرعة كبيرة، وبالتالي يهدد المرحلة التالية من أي تعافٍ من خلال تقويض نمو الصادرات.
في الوقت نفسه، ستراقب دول مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا أيضاً إنقاذ الموسم السياحي الصيفي، وهو أمر لن تساعده العملة المتضخمة. وكان يمكن توقع ضعف اليورو بالنظر إلى الاستجابة الضخمة للوباء من قِبل البنك المركزي الأوروبي البالغة 1.35 تريليون يورو.
ولكن مع قيام البنوك المركزية الرئيسة الأخرى بتدخلات مماثلة فإن ذلك لم يحدث، حتى معدلات الفائدة السالبة من البنك المركزي الأوروبي لم تعد رادعاً قوياً، بخاصة مع تراجع الفائدة العالمية الأخرى بشكل كبير. وركزت استجابة الاحتياطي الفيدرالي للأزمات بشكل خاص على الحد من قوة الدولار لمنع الركود العالمي الشامل، الذي له تأثير كبير في تعزيز العملات الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن أداء اليورو يتفوق بشكل ملحوظ على العملات الرئيسة الأخرى أيضاً، مثل اليوان الصيني والجنيه الإسترليني. وكان الاختلاف الحقيقي في أوروبا مزيجاً من التحفيز النقدي للبنك المركزي الأوروبي مع استجابة مالية كبيرة على المستوى المحلي وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي. وأدى ذلك إلى تحسين تصورات المستثمرين لإمكانيات النمو في الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل.
وإذا كان الألمان المشهورون بقلة الإنفاق يدعمون التحويلات المالية للإيطاليين والإسبان الذين تضرروا بشدة، فإن هذا يرسل إشارة قوية، وهي إشارة مختلفة تماماً عن التقشف المفروض على اليونان بعد الأزمة الأخيرة. واتخذت القمة الفرنسية الألمانية التي عقدت، الاثنين الماضي، بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التزاماً صارماً بإدخال صندوق التعافي الأوروبي المقترح بقيمة 750 مليار يورو حيز التنفيذ هذا الصيف.
وفي حين أن النمسا وهولندا والسويد والدنمارك لديها مخاوف قوية حول كيفية إنفاق الأموال، تحول التيار في برلين بشكل قاطع لصالح استجابة اقتصادية موحدة أكثر للحفاظ على مشروع اليورو على قيد الحياة. لكن وفق التحليل، فإن هناك العديد من العقبات أمام تعافي أوروبا، ولكن لا ينبغي أن يكون اليورو القوي أحدها.
الدولار يتحرك في نطاقات ضيقة
في سوق العملات وخلال تعاملاته الأخيرة، انحصرت تحركات الدولار في نطاق ضيق، إذ لقي الدعم من التدفقات الباحثة عن الملاذ الآمن في الوقت الذي أدي فيه ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة إلى تثبيط المستثمرين عن الدخول في مخاطرة مفرطة.
كما استقر اليوان الصيني في الوقت الذي تجنب فيه المستثمرون تكوين مراكز كبيرة بسبب مخاوف إزاء توتر دبلوماسي بين واشنطن وبكين بشأن الحريات المدنية في هونغ كونغ.
ومقابل اليورو، جرى تداول الدولار عند مستوى 1.1234 دولار في تعاملات الجمعة الماضية. واستقر الدولار عند 0.9462 فرنك سويسري بعد ثلاثة أيام متتالية من المكاسب. وجرى تداول الجنيه الإسترليني عند 1.2463 دولار، واستقر عند 90.15 بنس لليورو. ولم يطرأ أي تغيير يُذكر على الدولار عند 107.52 ين.
وجرى تداول اليوان في التعاملات الداخلية عند 7.0644، ولم تتحرك العملة الصينية تقريباً بعد بيانات أظهرت أن قطاع الخدمات الصيني نما في يونيو (حزيران) الماضي بأسرع وتيرة في أكثر من عشر سنوات. واستقر الدولار الأسترالي عند مستوى 0.6929 دولار أميركي بعد بيانات أكدت تعافي مبيعات التجزئة بوتيرة قياسية في مايو (أيار) الماضي.