أزمة تلو الأخرى تلاحق الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فلم يكد ينتهي من صداع دام منذ دخوله البيت الأبيض في يناير (كانون الأول) 2017 بشأن اتهامات التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لصالحه وتحقيقات اختلطت بها مساعٍ لعزله من منصبه، وبينما لايزال يكافح في مواجهة جائحة فيروس كورونا والاحتجاجات العرقية، حتى نشأت أزمة أخرى ربما تتطور إلى فضيحة تقوّض آماله في ولاية رئاسية ثانية.
قبل أيام، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأميركية، عن تقرير للاستخبارات الأميركية يحمل أدلة تشير إلى أن وحدة من وكالة المخابرات العسكرية الروسية (GRU)، رصدت مكافآت لعناصر حركة طالبان عن قتل القوات الأميركية في أفغانستان. ليس من الواضح عدد الأميركيين الذين ربما لقوا مصرعهم كجزء من هذه المؤامرة، ولكن تم التحقيق في حادثة واحدة على الأقل في ما يتعلق بالجهود الروسية المزعومة، عندما قتل ثلاثة من مشاة البحرية الأميركية في هجوم بسيارة مفخخة بالقرب من مطار باغرام في أبريل (نيسان) 2019.
إدارة ترمب تنفي
في حين أكدت الصحيفة أن الرئيس ترمب أحيط علماً بالعمليات الروسية قبل شهور بينما لم يقم بأي شيء رداً على ذلك. نفى ترمب ومستشاره للأمن القومي، روبرت أوبراين، ومدير المخابرات الوطنية جون راتكليف، إنه تم إطلاع الرئيس أو نائبه مايك بنس على الأمر لأن المعلومات لم يتم التحقق منها. وغرد ترمب، الأحد الماضي، قائلاً: "لم يطلعني أحد أو أخبرني، بنس أو رئيس الأركان (مارك ميدوز)، بشأن ما يسمى الهجمات التي يشنها الروس على قواتنا في أفغانستان"، مضيفاً أن "الجميع ينكر ذلك ولم تكن هناك هجمات كثيرة علينا".
لكن يوم الاثنين، أفادت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، أنه في مارس (آزار) 2019، أطلع مستشار الأمن القومي آنذاك، جون بولتون، شخصياً ترمب على المخطط الروسي. وفي اليوم نفسه، ذكرت نيويورك تايمز أن المعلومات الاستخباراتية قد تم تضمينها في الملخص اليومي للرئيس في 27 فبراير (شباط) الماضي. والملخص اليومي يتضمن "أعلى مستوى من المعلومات الاستخبارية حول قضايا الأمن القومي الرئيسية والشواغل الأمنية، يتم اعداده خصيصاً للرئيس من قبل رؤساء الاستخبارات".
القضية التي تهدّد بفضيحة للرئيس الأميركي الذي يقف على اعتاب الانتخابات الرئاسية 2020، تثير قلقاً واسعاً داخل البيت الأبيض وفي صفوف الجمهوريين. وفي مقابلة الأربعاء، مع شبكة فوكس نيوز، الأميركية، قال مستشار الرئيس للأمن القومي، إن الضابط الرفيع في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يطلع الرئيس ترمب شخصياً، قرر عدم اطلاعه على معلومات استخبارية حول مخطط روسي لتقديم مكافآت لاستهداف القوات الأميركية في أفغانستان، مشيراً إلى إنها (الضابط) لم تكن تثق في صحة المعلومات.
أوضح أوبراين "أن مسؤولة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قررت عدم اطلاع الرئيس لأن المعلومات لم يتم التحقق منها" مضيفاً أنها "ضابط متميز". وهو الكلام ذاته الذي أبلغ به أوبراين الصحافيين في البيت الأبيض، من دون أن يحدد هوية مسؤولة الوكالة، مضيفاً "نحصل على معلومات استخبارية كل يوم، حيث تأتي مئات من المعلومات الاستخبارية يومياً، وتأتي الآلاف من المعلومات الاستخبارية على مدار الأسبوع". ورفض توجيه أي انتقادات للمسؤولة بشأن قرارها عدم إبلاغ الرئيس.
وألقى مستشار الأمن القومي الأميركي باللوم على التسريبات، قائلاً إن الأمر كان محل تمحيص طيلة أشهر لدراسة الخيارات التي يمكن أن يتخذها الرئيس حال ثبتت صحة المعلومات، لكن "قد يكون من المستحيل الآن الوصول إلى العمق لأنه موظف حكومي في مكان ما قرر تسريب هذه المزاعم قبل أن تتاح لنا فرصة الوصول إلى جذور الأمر".
قلق داخل الكونغرس
وقد أثار الأمر تساؤلات بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يحثون البيت الأبيض على تزويدهم بمزيد من المعلومات حول العملية الروسية، بما في ذلك ما كان يعرفه ترامب ومتى؟. واجتمعت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الأربعاء، مع مدير الاستخبارات الوطنية كجزء من اجتماع مقرر مسبقاً. وتستعد الإدارة الأميركية لإطلاع قادة وأعضاء لجان الاستخبارات بمجلسي الشيوخ والنواب، لكنها لم تقدم الإحاطة التي طالب بها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ.
وفي بيان الأربعاء، قال السيناتور الجمهوري بات تومي، إنه بعد قراءة معلومات استخبارية سرية، يعتقد أن إدارة ترمب يجب أن تطلع مجلس الشيوخ على التقارير التي تفيد بأن الروس عرضوا مكافآت لمقاتلين على صله بطالبان لاستهداف القوات الأميركية في أفغانستان.
وأضاف "لقد راجعت المعلومات السرية المتعلقة بالمكافآت، والتي تستند إليها التقارير الإخبارية الأخيرة. هذه المعلومات تثير العديد من الأسئلة ويجب على المسؤولين في الإدارة الحضور أمام مجلس الشيوخ وتقديم إحاطة سرية والإجابة عن أسئلة جميع الأعضاء." وشدد بالقول: "إذا استنتجنا أن روسيا عرضت مكافآت لقتل الجنود الأميركيين، فهناك حاجة لرد أميركي قوي في وقت قصير".
نفي وعمل حرب
وتقول صحيفة ڤوكس، الأميركية، إنه إذا تبين أن المعلومات الاستخباراتية صحيحة، بما يعني أن الحكومة الروسية استأجرت الإرهابيين لقتل الأميركيين، فإن هذا ليس تجسساً روتينياً أو حتى "حرباً سيبرانية"؛ إنه حرفياً عمل حرب من قوة مسلحة نووياً.
نفت كل من الحكومة الروسية وحركة طالبان هذه المزاعم، وقالت الحركة الأفغانية في تعليق لنيويورك تايمز "إنهم لا يحتاجون إلى أي حوافز من الروس لقتل الأميركيين". لكن المراقبين في الولايات المتحدة يجدون أن المعلومات ذات صدقية إلى حد ما، مشيرين إلى أن مثل هذه المخططات متسقة بشكل عام مع كيفية عمل روسيا هذه الأيام.
وقالت ألينا بولياكوفا، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز تحليل السياسات الأوروبية، "قبل خمس سنوات... كان سيكون ذلك صادماً للغاية. لكن الآن، الروس يشعرون بأن هناك ساحة لعب مفتوحة - لم تكن هناك عواقب حقيقية لعمليات مماثلة في الماضي".
وبحسب المعلومات الاستخباراتية غير المؤكدة، فإن الوحدة المسؤولة عن عملية المكافآت لدي جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية، هي الوحدة 29155، التي تميل للتعامل مع العمليات العنيفة مثل تسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال، في بريطانيا عام 2018.
وترى مجلة فورين بوليسي، الأميركية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يسعى لتكرار نجاحه في سوريا في مسرح جديد للصراع، وجزء من خطته هو إيذاء المصالح الأميركية مجدداً. ويشير مراقبون إلى أن أفغانستان موقع مثالي لهذا النوع من النشاط المعادي لأميركا. فمناطق الحرب عنيفة وفوضوية بطبيعتها، مما يسهل على الروس قتل القوات الأميركية من دون الحاجة إلى القيام بذلك بأنفسهم. كما أنه بمثابة نوع من الانتقام المتصور للتدخل الأميركي في أوكرانيا، حيث منحت الولايات المتحدة الحكومة الأوكرانية أسلحة متطورة للمساعدة في قتالها ضد الروس الذين يحتلون شبه جزيرة القرم.
وهو أيضاً نوع من الرد الرمزي على قيام أميركا قبلاً بتسليح المسلحين الأفغان الذين قاتلوا ضد الغزو السوفييتي أفغانستان في الثمانينيات. ويقال إن بعض أعضاء وحدة المخابرات العسكرية الروسية 29155 هم من قدامى المحاربين في تلك الحرب وربما يرون أن قتل الأميركيين نوع من "الانتقام البارد".