Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مكافحة الغش الإلكتروني في الزمن الكوروني

ذكاء اصطناعي وكاميرات رقمية وخوارزميات تُراقب النقرات والنظرات

حالة من جنون الارتياب اجتاحت الجامعات الأميركية مع بدء كثير من الكليات إجراء الاختبارات عبر الإنترنت (غيتي)

خلال الأشهر الأخيرة الماضية، جاهد معلمون من مختلف المراحل الدراسية حول العالم، في سبيل إيجاد السبل الكفيلة لوضع تقييمات عادلة لطلابهم مع تعذر إقامة امتحانات الفصل الدراسي الأخير جراء تفشي فيروس كورونا المستجد. وقد تمكن معلمو المرحلة ما قبل الجامعية من تدارك الموقف نوعاً ما، خصوصاً لدى مدارس العالم العربي، نظراً لخصوصية العلاقة بين معلم المدرسة والتلميذ والقائمة على المعرفة الشخصية بقدراته داخل الفصل. لكن الأمر كان أشد تعقيداً بالنسبة إلى أساتذة الجامعات نظراً لغياب هذه الخصوصية وطبيعة الدراسة الجامعية المتخصصة.

دفع تحول العملية التعليمية من القاعات إلى الشاشات، العديد من الجامعات إلى الاعتماد بشكل كبير على المنصات الإلكترونية، مثل Blackboard وCanvas لإدارة العملية التعليمية؛ إذ يمكن عبر هاتين المنصتين نشر الواجبات وإجراء المناقشات وعقد مؤتمرات فيديو مباشرة للمحاضرات. وعلى الرغم من تلك التسهيلات، إلا أن معظم الأساتذة ظل ملتزماً بإحدى الدعامات الأساسية للفصل الدراسي الجامعي: إجراء اختبار خطي، ضمن وقت محدد، من دون الاستعانة بكتاب. لكن، وفي ظل غياب مراقبين يتجولون في الفصل للتأكد من أن الطلاب لا يغشون، اضطر بعض الجامعات إلى اللجوء إلى خدمات مراقبة إلكترونية من بُعد تتيحها منصات متخصصة أشهرها Proctorio وشقيقاتها المنافسة Examity وHonorlock وProctorU.

رقابة جامعية

تقول ريبيكا هيلويل، الكاتبة المتخصصة في التقنية على موقع Vox، إن حالة من جنون الارتياب اجتاحت الجامعات الأميركية مع بدء كثير من الكليات إجراء الاختبارات عبر الإنترنت تخوفاً من قيام الطلاب بالغش. وقد دفع ذلك الارتياب "جامعة واشنطن" إلى اعتماد نظام للرقابة الرقمية خلال اختبارات الكيمياء الحيوية الأخيرة، عبر منصة تدعى Proctorio. يعتمد النظام الرقابي على تقنية ذكاء اصطناعي تُحلل مقاطع الفيديو للتأكد من عدم لجوء الطلاب إلى الغش عبر كاميرا رقمية تراقبهم أثناء الاختبار. لكن إحدى الطالبات اللواتي قابلتهن هيلويل، أبدت مخاوفها بشأن خصوصية النظام، وقالت إنه ليس هناك أي شفافية حول الطريقة التي ستُستخدم بها مقاطع الفيديو المسجلة للطلاب أو من سيشاهدها، وإنه لا ينبغي على الجامعة أن تفترض أن كل طالب هو شخص سيّء يحاول الغش بأي طريقة ممكنة.

وما زاد الطين بلة، أن خوارزمية المنصة وجدت صعوبة في التعرف على وجوه معظم الطلاب، ما اضطرهم إلى الجلوس أمام أضواء النوافذ للكشف عن ملامح وجوههم بشكل أوضح. وبعدما فشل برنامج المنصة في أداء مهمته، أجرت الجامعة الاختبار عبر الإنترنت من دون مراقبة. وقد برر فيكتور بالتا، المتحدث باسم "جامعة واشنطن" الإخفاق الذي حدث قائلاً: إن الجامعة وقّعت عقداً مدته ستة أشهر مع Proctorio قبل أسابيع قليلة فقط من موعد امتحان الكيمياء الحيوية، ولم يكن الأساتذة على دراية كافية بالبرنامج.

ثمة معركة طاحنة تدور رحاها اليوم بين الجامعات التي تكافح ظاهرة الغش الإلكتروني مستعينة ببعض المنصات الإلكترونية، وطلاب يبتكرون أساليب خداع مضادة. فلمن تُكتب الغلبة في زمن الجائحة؟

​​​​​​​

ولتجنب الثغرات والعثرات المماثلة، عمد بعض المنصات الحديثة إلى إدماج "مكون بشري" لإضفاء لمسة إنسانية على برامجها. فشركة Examity، بحسب موقع The Verge المختص بالتكنولوجيا، تستعين بخدمات "مراقبين من بُعد" مهمتهم مراقبة الطلاب عبر كاميرا رقمية أثناء إجراء الاختبارات لاكتشاف أي محاولات غش. ويمكن لهؤلاء المشرفين الطلب من المُمتحنين إبراز هوياتهم الشخصية وإبعاد هواتفهم النقالة. تستخدم Examity أيضاً الذكاء الاصطناعي للتحقق من هويات الطلاب من طريق تحليل نقراتهم على لوحة مفاتيح الحاسوب، للتأكد من أنهم هم شخصياً من يجيب عن الأسئلة. أما Proctorio فتستعين بالذكاء الاصطناعي لتحليل نظرات عين الطالب، لتتبّع ما إذا كان ينظر بعيداً عن شاشته. وذكر مايك أولسن مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي لموقع Vox، إن شركته أشرفت خلال الشهر الماضي وحده على 2.5 مليون اختبار، بزيادة قدرها 900 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي مع ارتفاع الطلب على هذا النوع من الخدمات لأسباب تتعلق بتفشي فيروس كورونا، متوقعاً المزيد والمزيد من الارتفاعات مع اقتراب موسم الاختبارات النهائية.

وعلى الرغم من أن هذه الشركات تشهد طفرة كبيرة خلال الوقت الحالي، إلا أن أياً منها ليس جديداً على وجه الخصوص. ففي حين تأسست Examity وProctorio في عام 2013، فإن ProctorU تقدم خدماتها منذ عام 2008. وقبل ظهور كورونا، كانت هذه الشركات تُسوِّق خدماتها للجامعات الإنترنتية ونظيرتها التقليدية. ومع النمو الهائل للتعليم عبر الإنترنت، يتوقع أن تنمو تعاملات هذه الشركات من زهاء 4 مليارات دولار العام الماضي إلى سوقٍ تتجاوز قيمتها زهاء 21 مليار دولار في عام 2023. وتقول Examity التي جمعت 90 مليون دولار العام الماضي لتوسيع أعمالها بحسب موقع venturebeat، إن أكثر من 500 كلية وجامعة ومنشأة عمل، استعانت بخدماتها لمراقبة الامتحانات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإجراءات طالبية مضادة

يبدو أن بعض الطلاب يكرهون هذه النوعية من الخدمات، إذ غالباً ما تعج وسائط التواصل الاجتماعي بشكاوى تعبِّر عن انتقادهم هذه المنصات بوصفها أداة مزعجة. ولجأ بعضهم إلى صحف الحرم الجامعي للتعبير عن اعتراضاتهم بشأن الخصوصية. وفي وقت سابق من هذا العام، قدم طلاب في "جامعة ولاية فلوريدا" التماساً عبر الإنترنت، وقّع عليه أكثر من 5500 طالب حتى الآن، احتجاجاً على استخدام كليتهم منصة Honorlock، فيما حظرت "جامعة كاليفورنيا في بيركلي" بالفعل مراقبة الامتحانات عبر الإنترنت، إثر شكوى بعض الطلاب من عدم امتلاكهم إنترنت عالي السرعة، أو لأن وضعهم المعيشي لا يسمح لهم بإجراء الامتحانات من بُعد بشكل فعال ومنصف.

وهذه الخدمات ليست مثالية، إذ يسهل العثور على نصائح وحيل عبر الإنترنت لخداع خدمات المراقبة من بُعد، منها: وضع الملاحظات بعيداً من زاوية تغطية الكاميرا الرقمية، أو إخفاء جهاز كمبيوتر محمول سري بطريقة محترفة. لكن منصات المراقبة من بعد، ما فتئت تتعرف على طرق الغش هذه، وما انفكت تخرج باستمرار بإجراءات مضادة. فعلى منصة Proctorio الإلكترونية، تم ابتكار وظيفة "الغشاش المحترف"، وهي وظيفة تتيح لشاغلها الحصول على ما بين 10 آلاف و20 ألف دولار سنوياً نظير اختبار وتطوير نظام مكافحة الغش وتطويره.

ومع التحوّل السريع إلى الإنترنت، يبدو أننا لن نشاهد الطلاب وهم يقومون بعملهم بالطريقة نفسها التي كانت في الماضي، بل سنرى أنواعاً مختلفة جديدة من الغش. إذ يمكن دفع مال لشخص ما لدراسة مادة كاملة نيابة عن طالب آخر، من دون أن يعرف الأستاذ ذلك أبداً. وثمة سابقة لذلك حدثت بالفعل في الصين اليوم، فبعد الإغلاق الذي تم استجابة لأوامر البقاء في المنزل بسبب الجائحة، دفع بعض الطلاب مبالغ لشركات لإكمال دراستهم عبر الإنترنت نيابة عنهم، وفقاً لموقع كوارتز.

الغش لن يتوقّف

لطالما استخدم الطلاب الإنترنت لشراء المقالات، وقد يتطور هذا الاتجاه في المستقبل. ويقول فيليب داوسون، الباحث الذي يدرس الغش في جامعة ديكين الأسترالية لموقع Vox، إن التكنولوجيا الجديدة تسمح للطلاب بإعادة صياغة عمل الآخرين بصورة آلية، ما قد يجعل من الصعب على المعلم اكتشاف أي انتحال. فخدمة Spinbot، على سبيل المثال، "تُغيِّر" أو تعيد كتابة أجزاء من النص. يمكن للطلاب أيضاً إدراج فقرة من النص الإنجليزي في ترجمة غوغل، وتحويلها إلى لغة أخرى، ثم إعادة ترجمتها مرة أخرى إلى الإنجليزية للحصول على نسخة مختلفة عن النص الأصلي. سيترجم كل هذا الغش المبتكر، إلى زيادة في الطلب على برامج أفضل. وتتضمّن هذه البرامج خدمات مثل: LockDown Browser، التي تمنع الطلاب من استخدام تطبيقات أخرى أثناء الاختبار. لكن داوسون يعترف متأسفاً: "لن نتمكن أبداً من وقف الغش الدراسي عبر الإنترنت، تماماً كما لم نتمكن أبداً من وقفه من دون اتصال بالإنترنت".

لقد كانت التجربة الأولى للعديد من الطلاب والمعلمين مع التعلم عبر الإنترنت فوضوية ومتعجلة، ولم تحظَ بالاستعداد الكافي. إذ عانى بعض الطلاب، المثقلين بالقلق والمخاوف في ظل الجائحة، من فجوة رقمية. فيما كافح المعلمون، وكثير منهم غير مدرّب على التعليم عبر الإنترنت، لإدارة فصولهم الدراسية من المنازل، محاولين التوفيق بين مسؤولياتهم المهنية وواجباتهم العائلية. ويبدو أن ثمة إجماعاً لدى الخبراء على أن ما يحدث الآن لا يمثل مستقبل التعليم عبر الإنترنت، وأن التحول إلى التعلم عبر الإنترنت وكيفية تطويره، لا يزال يحتاج إلى كثير من المناقشة، ليس فقط في ما يتعلق بالغش، ولكن أيضا في شأن ما تعنيه حقيقة أن تختبر معرفة الطلاب.

المزيد من تقارير