Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرّبات السلع في المغرب... يستعملنَ حفاظات وينمنَ في العراء

يحملنَ ما بين 100 و140 كيلوغراماً على ظهورهنّ، وأحياناً يجهلنَ نوع البضاعة التي يحملنَها

أشار تقرير برلماني مغربي إلى أن هؤلاء النساء يتعرضنَ للتحرش الجنسيّ وسوء المعاملة (رويترز)

الطريق إلى مدينة سبتة، الخاضعة للسيادة الإسبانية، التي تبعد 26 كيلومتراً جنوب جبل طارق، طريقٌ ببنية تحتية في غاية الجودة، تُزينها منتجعات سياحية وموانئ ويخوت خاصة. مشهد جميل سرعان ما يختفي بمجرد الوصول إلى المنطقة الحدودية.  

قصص لا تنتهي

يشهد معبر باب سبتة الحدودي على مدار الساعة حركة كثيفة، بغالبية نسائية. فهناك مئات المغاربة الذين يمتهنون تهريب السلع من مدينة سبتة، نحو المدن المغربية.

مواد غذائية وأجهزة إلكترونية وأغطية وملابس... كلها سلع تمر يومياً من باب سبتة الحدودي، على أكتاف نساء من أعمار مختلفة (بين 25 و60) جمعهنّ الفقر والعوز.  

باكراً، كل صباح، يقصدن مدينة سبتة، وفي دخولهنّ وخروجهنّ قصص لا تنتهي من العنف والتحرش والاعتداء اللفظي والجسدي.

لقمة عيش بطعم المهانة

رحلة عذاب ومعارك وإهانة. وتقول نساء من هؤلاء "الحمّالات" كما يطلق عليهنّ، إنهنّ يضطررن إلى حمل ما بين 100 و140 كيلوغراماً من البضائع على ظهورهنّ، تُسلم إليهنّ ملفوفة من مخازن كبيرة في سبتة، فيعبرن بها لتسليمها إلى حمالين آخرين ينتظرون في الجبال، لتجد طريقها إلى كبار التجار المتخصصين في بيع البضائع المهربة.

تضيف بعض "المهرّبات" أنهن في أحيان كثيرة يجهلن نوع البضاعة التي يحملنها، فيما تفيد أخريات بأنهنّ يعرفنَ محتوى الأكياس الملفوفة التي تسلم إليهنّ وهي غالباً مواد غذائية وألبسة.

نساء يستعملنَ "الحفاظات"

كشف تقرير هو الأول من نوعه، أعده عدد من النواب المغاربة، بين يوليو (تموز) وأكتوبر (تشرين الأول) 2018، أن هؤلاء النساء "يعشن وضعاً مأساوياً، وينمن ليومين وأكثرَ في العراء".

ومن المعطيات الصادمة، في التقرير، أن النساء الممتهِنات تهريب السلع يستعملن الحفاظات، خوفاً من ضياع فرصة الدخول إلى المدينة الخاضعة للسيادة الإسبانية. وسجل أعضاء المهمة الاستطلاعية غياب مرافق صحية في المعبر الحدودي. ويوضح التقرير أن النساء يتعرضنَ للتحرش الجنسيّ وسوء المعاملة.

ويتضمن التقرير إشارات إلى ممارسات لم يسمِها.  

حمل الأثقال

تقدّر قيمة السلع المهربة من سبتة إلى الداخل المغربي ما بين 6 و8 مليارات درهم مغربي سنوياً، أي ما يعادل 550 و730 مليون يورو. ما يجعل المغرب يخسر ما بين 2 و3 مليار درهم سنوياً ضرائب (ما يناهز 180 و270 مليون يورو سنوياً)، كلها تذهب إلى جيوب أباطرة الاقتصاد غير المهيكل.

وكشف تحقيق جديد لصحيفة "إلفارو دي سبتة" كيف أن آلاف ممتهنات وممتهني التهريب يحصلون على دراهم معدودات مقابل حمل أثقال وتحمل عبء نقلها إلى الجانب المغربي في ظل غياب أبسط شروط الشغل.

ويرصد تقرير النواب المغاربة نحو 3500 امرأة يعشن على تهريب البضائع من المعبر الحدودي باب سبتة المحتلة من قبل إسبانيا في شمال البلاد، مقابل مبلغ يراوح ما بين 100 و200 درهم (10 و20 دولاراً) في اليوم.

ووفق إفادات النساء التي استقاها النواب، فإن أغلبهنّ يتحدّرن من أسر فقيرة، بعضهنّ يمارسنَ هذه المهنة منذ 30 عاماً. وهنّ إما أرامل أو مطلقات من مختلف الأعمار يُعيلنَّ أسراً تتكون من أفراد عدة. وكشفت النساء عن تعرضهنّ للتحرش الجنسي وسوء المعاملة والعنف اللفظي وسب وشتم.

وضع كارثيّ

يقرّ نبيل لخضر، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بكل المعطيات التي جاءت في التقرير، مشيراً إلى أن الوضع في المعبر كان كارثياً أكثر في العامين 2012 و2013 وأن إدارة الجمارك خصّصت 25 مليون درهم (2.5 مليون دولار) لإعادة تهيئة البنية التحتية للمعبر، ووضع كاميرات المراقبة والإنارة وزيادة عدد الممرات.

يضيف لخضر أن مشكلة التهريب، سواء في باب سبتة أو باب مليلية (مدينتان خاضعتان للسيادة الإسبانية)، مشكلة وطنية لا يمكن حلها من طرف جهة واحدة من دون بقية الجهات.

ورداً على الاتهامات التي وُجهت إلى عناصر الجمارك بممارسة التهريب، يقول إن "عدد الجمركيين في باب سبتة هو 130 عنصراً، وعلينا كمغاربة أن نحييهم لأنهم يقومون بعمل في ظروف جد صعبة".

يضيف "نحن كمسؤولين عنهم أحياناً نجد صعوبة في أن نقول لهم ما يجب عليهم القيام به"، مقراً بأن "المراقبة لا يمكن أن تتم في شكل كامل". ويستدرك "نحن لا نقوم بعملنا، لأنه لو أردنا القيام بعملنا كما يجب، علينا أن نضع حداً لهذا التهريب، لكن أنتم تعرفون تبعات ذلك". ويقول إن "كلّ من يضبط من رجال الجمارك يُعاقب"، مشيراً إلى أنه عُوقبَ 24 جمركياً في العام 2018.

ويقول لخضر "هناك ما بين 5 و6 آلاف شخص يعيشون على التهريب من المعبر". ويقدّر أن عمليات التهريب من المعبر تُفقدُ خزانة الدولة ما بين 2 و3 مليار درهم (300 مليون دولار).

وقف الاستغلال   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تطالب منظمات حقوقية في إسبانيا بوقف استغلال هؤلاء النساء اللواتي يطلق عليهنّ وصفاً مهيناً، هو "النساء البغلات"، بسبب حملهنّ البضائع على ظهورهنّ المقوسة.

وبعد حادث وفاة مهربتين في العام 2018 في المعبر أجبرت السلطات الإسبانية النساء المهربات على نقل السلع فوق عربات حديدية بدل حملها على ظهورهنّ. وهو الإجراء الذي التزمت به كل النساء، على الرغم من أنه لم يضع حداً لمعاناتهن، حيث طالبن في شهاداتهنّ التي أوردها التقرير البرلماني المغربي بتوفير معامل في المنطقة لكسب "لقمة عيش كريمة" لهنّ ولأبنائهنّ العاطلين من العمل، بدل الإهانة التي يتعرضن لها في مهنتهنّ.

آمال وآلام

في كتابها "الحدود في شمال المغرب: آمال النساء الحمّالات وآلامهنّ"  

تعتبرُ الباحثةُ الزهرة الخمليشي، أن خروج النساءِ إلى العمل المأجور في المجتمع المغربي كان نتيجةَ تحولاتٍ عميقةٍ مسَّتْ جُلَّ مناحي حياة المجتمع، وعلى الصعد كلها. وهو بهذا المعنى ضرورة أملتها طبيعة المجتمع والتحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي عرفها.

ولهذه الاعتبارات، فإن لجوء النساء إلى ممارسة نقل السلع في قطاع التهريب المعيشي من المعبر الحدوديّ إلى باب سبتة لمصلحة التجار الكبار أساساً لا يخرج عن هذا الإطار، إذ يعود في الدرجة الأولى إلى وضعهنّ المتردي، وغياب أنشطة أخرى مشروعة تعفيهنّ من هذه المهنة غير القانونية المحفوفة بالمخاطر وبغياب الحمايةِ الاجتماعيةِ والأمنِ والكرامةِ.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات