Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانون يلجأون إلى حفلات أونلاين في زمن كورونا والنجاح باهت

الافتراضي بديل مؤقت لاستمرارية المطربين وعلاقتهم بجمهورهم والقنوات المشفّرة أبرز المستفيدين

المطربة نجوى كرم (موقع الفنانة)

لم تعد حياتنا كما كانت قبل انتشار فيروس كورونا، وتبدلت عادات كثيرة كنا نعتمدها في نمط حياتنا وتشكل جزءاً لا يتجزأ منه. حياة النجوم أنفسهم تغيرت ومعها حفلاتهم بحسب ما تبين في الفترة الأخيرة فاتخذت طابعاً جديداً بما يتلاءم مع الواقع الحالي. اختار العديد من الفنانين بعد غياب قسري، الإطلالة الأونلاين علّها تشكّل بديلاً، ولو مؤقتاً للحفلات والمهرجانات التي لن تقام حكماً، كما جرت العادة، في الأعياد وفي موسم الصيف. فهل هي بديلة فعلاً عن تلك الحفلات الصاخبة التي اعتاد الجمهور حضورها؟ وهل معيار نجاحها هو نسب المشاهدات عبر قنوات اليوتيوب والتطبيقات الخاصة؟

في بداية فترة العزل المنزلي، واجه الناس بعامة الأزمة النفسية الناتجة من هذه الظروف فكانوا في أمس الحاجة إلى المبادرات الترفيهية التي ظهرت حينها للتخفيف عنهم. واكتفى نجوم الصف الأول، في ذاك الوقت بالتواصل مع معجبيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبنشر الفيديوهات الخاصة بحياتهم اليومية. طالت هذه الفترة التي تبيّن أنها ليست "مرحلة وتمرّ" كما تصوّر كثيرون. أدرك الفنانون أيضاً أن غيابهم قد يطول وثمة حاجة إلى التواجد على الساحة وفق ما تقتضيه الظروف. رامي عياش كان من الفنانين الأوائل الذين خاضوا التجربة. فأقام حفلة أونلاين في منزله بمبادرة عفوية، بمرافقة فرقته الموسيقية ونقلت مباشرة عبر حسابه الخاص على صفحة فيسبوك. سجل الحفل الذي امتد لساعة، آنذاك حوالي 100 ألف مشاهدة. أما الهدف فكان الترفيه عن معجبيه في فترة العزل والحد من الضغط النفسي لديهم. في الوقت نفسه، لا يخفى على أحد أن للفنان حاجة إلى التعبير عن عشقه للفن وتأكيد حضوره في الساحة الفنية أياً كانت الوسيلة. فالفائدة مشتركة هنا بين الفنان ومعجبيه وعياش يقرّ بحاجته إلى الفن للاستمرار.

حفلات بمعيار جديد

بعد شهر رمضان المبارك ومع حلول عيد الفطر توالت الحفلات منها ما كان ناجحاً ومنها ما لم يحقق النجاح المتوقع. لطالما كان الجمهور الركيزة الأساسية لنجاح الحفلات والمهرجانات. وكان طبيعياً ان يفتقده الفنان نفسه ويشعر بحنين إلى الحفلات المعتادة التي يلتمس فيها النجاح مباشرةً من تفاعل الجمهور. وبمناسبة عيد الفطر، أقامت نجوى كرم الحفل الأول الأونلاين لها ونقل مباشرة عبر تطبيق "شاهد" فسجلت نسبة المشاهدة الأعلى على المنصة. في حديثها مع "اندبندنت عربية" عبّرت كرم عن إيجابية هذا النوع من الحفلات التي لا يحدد فيها عدد للحضور بل يبقى المجال مفتوحاً للمشاهدة أمام ملايين الراغبين، ما يسمح بالتواصل مع الجمهور من مختلف أنحاء العالم. في المقابل لا تنكر أن الغناء بهذه الطريقة يتطلب مناخاً عالياً يتمتع به الفنان وقد لا تكون للكل قدرة على ذلك. "كانت تجربة جديدة وجميلة والأهم أنها مرضية للناس. لكن آمل في أن يكون الغد أفضل وأن تكون هذه مرحلة صعبة وتنقضي، لأعود إلى الغناء على المسارح المفضّلة لي وأقدم أعمالاً جديدة". تؤكد افتقادها الجمهور في الحفل بانسجامه وبأنها لم تتوقع أن تعيش تجربة مماثلة. فالجمهور هو الحياة على المسرح بتفاعله المباشر، على حد قولها وغيابه صعب جداً. "عندما كنت أغني أغمضت عيني لأشعر بوجود الجمهور أمامي ولأقدم الأفضل وأحمد الله لأن النتيجة كانت مرضية". أشارت الأرقام إلى نجاح الحفل لكن يبقى إحساس الفنانة ناقصاً بغياب جمهورها المنسجم معها، مهما ارتفعت أرقام المشاهدة. فلا يكتمل نجاح حفل للفنان بغياب الجمهور الذي يتفاعل معه ويزيده انسجاماً مع الغناء. إذا كان الفنان يشعر بهذا النقص في حفل يقيمه أونلاين بسبب غياب الجمهور، ماذا عن الجمهور وإلى أي مدى يشعر بالاكتفاء والمتعة ويتفاعل مع فنانه المفضل وهو جالس في منزله لمشاهدته عبر الشاشة من بعيد؟

بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية نور واكيم يلتمس الفنان من تفاعل جمهوره معه في أي حفل ما إذا كان منسجماً، فيغير في سلوكه على المسرح لإرضائه. أما في حفلات الأونلاين فلا يعتبر هذا ممكناً وقد لا تعرف ردود الفعل إلا بعد الحفل، ما ليس سهلاً بالنسبة إليه. يضاف إلى ذلك أن ثمة تبادلاً للطاقة في الحفلات والمهرجانات بين الفنان وجمهوره فيتبادلان الحماسة فتكون الأجواء حماسية. هذا عنصر مفقود أيضاً في الحفلات الافتراضية ويؤثر سلباً في معدل نجاح الحفل بغياب التفاعل بينهما، خصوصاً أن الحفل في هذه التجربة أشبه بحفل على التلفزيون والأحاسيس مختلفة تماماً. "التجربة كلّها جديدة للطرفين بغياب التفاعل ووجود التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة وحيدة للتعبير. وهي قد لا تنقل المشاعر بشكل واضح". هذا ولا تنكر واكيم أن هذه الحفلات تحافظ إلى حد ما على العلاقة بين الفنان ومعجبيه في هذه المرحلة وهي غير مكلفة، وإن كانت تفتقد الأحاسيس المرافقة للحفلات العادية عند شراء البطاقات وانتظار موعدها والتحضر لها والحماسة في التفاعل مع الفنان.

إليسا أيضاً من الفنانات اللواتي خضن التجربة وعبّرت عن إحساسها بوجود جمهورها معها في الحفل على الرغم من غيابه في الواقع. كذلك بالنسبة إلى حفل آمال ماهر من أمام الإهرامات واستمر أكثر من ساعتين في الأسبوع الماضي وعبّرت حينها عن شوقها للجمهور. كذلك أقام وائل كفوري حفلاً نقل عبر منصة "شاهد VIP" ضمن حفلات موسم الصيف بما تناسب مع ظروف انتشار الوباء، تعويضاً عن غيابه في المهرجانات وبهدف الترفيه عن الجمهور. أما نانسي عجرم، فبمناسبة عيد الفطر أقامت حفلاً اتسم بالبساطة، من على سطح أحد المباني في بيروت مع فرقتها الموسيقية ونقل عبر قناة يوتيوب الخاصة لها للتعويض عن غيابها بسبب كورونا أيضاً.

غياب مقومات النجاح

تعددت الحفلات التي أقامها فنانون تعويضاً عن غيابهم وفي الوقت نفسه للتخفيف من الضغط النفسي الذي يعيشه الناس بعامة وهم أيضاً. غلب على هذه الحفلات طبعاً طابع البساطة نظراً لظروف إقامتها، وغاب عنها الصخب المعتاد والإبهار الذي في المهرجانات والحفلات المعتادة. سجّلت الأرقام نسب مشاهدة عالية للعديد منها التي اعتُبرت ناجحة وفق المعنيين، وكانت الأصداء إيجابية. ولكن بعيداً من نسب المشاهدة التي أصبحت المعيار الأساسي والوحيد لنجاح هذه الحفلات، يبدو واضحاً أنها لم تستطع أن تترك الأثر الذي كان متوقعاً. فغابت العناوين الرنانة والإبهار الذي كنا نشهده في الحفلات المعتادة ورهجة المسرح الذي يجذب الآلاف لشراء البطاقات لحضور حفلات نجومهم المفضلين وسماع أغانيهم مباشرةً والتمايل على أنغامها. اقتصرت الأصداء على أخبار بسيطة تشير إلى نسب مشاهدة تقوّم النجاح في اليوم التالي للحفل، فبدا واضحاً أنه على الرغم من مساعي الفنانين لتعويض غيابهم القسري عن معجبيهم، خلت هذه الحفلات من عنصر الإبهار المعتاد، إضافة إلى عناصر عديدة افتقدها الجمهور والفنان في الوقت نفسه. ليس متوقعاً أن تعود الحياة إلى طبيعتها في القريب العاجل، فهل تستمر هذه الحفلات في المرحلة المقبلة إلى حينها؟

تبدلت إذاً الفعاليات في مختلف أنحاء العالم مع انتشار كورونا. وعلى الساحة الفنية أيضاً من المتوقع أن يؤدي السكوت الطويل المدى إلى ذبول الفنان ما لم يجد البديل لإستمراريته. "ثمة مصلحة مشتركة من إقامة هذه الحفلات التي تعرض على قنوات مشفرة للفنان وللوسائل الإعلامية أيضاً لأن هذه المرحلة تهدد حضور كل من الطرفين بسب الغياب فترة طويلة. قد لا تعود للفنان الرهجة نفسها لدى جمهوره في حال غيابه طويلاً والوضع مماثل لهذه القنوات"، بحسب تصريح الناقد الفني جمال فياض لـ"اندبندنت عربية".

على الرغم من المنافسة التي نشهدها في معدلات المشاهدة لحفلات الفنانين الأونلاين في الفترة الأخيرة، لم تحقق النجاحات المتوقعة مقارنة بنجاحات الحفلات السابقة المعتادة التي كانت لها أصداء إيجابية كاسحة. بالنظر إلى الأرقام بعامة يعتبر فياض أن الجمهور العربي قد لا يكون جاهزاً لهذا النوع من الحفلات التي تبقى أقل رهجة من الحفلات والمهرجانات على المسارح وبحضوره شخصياً. لذلك كانت ردود الفعل على الحفلات عادية وباردة. لم يطغَ عليها الشغف المعتاد. إنما لا ينكر أنها ترفّه عن الناس وقد تكون بديلاً مؤقتاً في هذه المرحلة التي لا اختيارات أخرى فيها. فإقامتها ليس مرفوضاً كونها ترفيهية تساعد الناس على تمضية الوقت في ظل الضغوط النفسية المرافقة لكورونا والأزمات الإقتصادية. "لا يسمح المزاج الحالي للناس بالتركيز على الغناء والموسيقى نظراً لأجواء التوتر المرافقة للأزمات في العالم ككل وفي الوطن العربي بشكل خاص. لكن تبقى هذه الحفلات بمثابة بريق أمل يشعرنا باستمرار الحياة وبالتفاؤل على الرغم من الأجواء السائدة. وتعتبر خطوات مهمة للفنانين لبعث التفائل في النفوس وتعيدنا بالذاكرة إلى الحفلات الجميلة التي كنا نحضرها على المسارح".

أما استمرارية هذه الحفلات ومعدل الاكتفاء والرضى الذي تؤمنه للفنان فيبقى موضع تساؤل لأنه بغياب الجمهور وتفاعله المباشر وتعبيره عن إعجابه، يستحيل أن يبلغ إحساس الفنان أعلى المستويات وأن يشعر بالرضى. ويعود فياض بالذاكرة إلى الفنان الراحل وديع الصافي الذي كان يرفض الاستمرار بالغناء ما لم يشعر بانسجام الجمهور ويسمع "آه" منه عندما يطرب. كذلك الفنانة الراحلة أم كلثوم ما يفسر أن الأغاني في الحفلات فيها المزيد من الطرب والانسجام مقارنة بالأغاني المسجلة في الأستوديو. اما حفلات الأونلاين فتبدو أقرب إلى تلك المسجلة في الأستوديو ولا يمكن مقارنتها بالحفلات العادية التي يحضرها الجمهور ويتفاعل فيها مع الفنان.

المزيد من ثقافة