Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حوادث مع مقيمين ولاجئين أفارقة في الجزائر تسلط الضوء على آفة العنصرية

نشر قصة تعرض طالبة من مالي لمضايقات تزامن مع مقتل جورج فلويد وأثار جدلاً

عمليات ترحيل الأفارقة الى بلدانهم انطلاق من جنوب الجزائر (الاذاعة الوطنية الجزائرية)

انتقلت معركة العنصرية التي هزّت الولايات المتحدة وسُجّل خلالها سقوط قتلى من المحتجين وقوى الأمن على حدّ سواء، إلى دول أخرى في العالم شهدت مسيرات ووقفات تضامنية مع مقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، لا سيما الجزائر التي استيقظت على وقع "معاناة" طالبة أفريقية من ممارسات عنصرية تناقلتها مواقع إلكترونية إخبارية.

قصة طالبة من مالي تثير جدلاً

وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً كبيراً بخصوص ما جاء في رواية الطالبة عائشة من مالي التي تابعت تحصيلها العلمي في إحدى جامعات الجزائر. واختلف المتابعون بين مَن اعتبر كلام الطالبة بمثابة الحقيقة "المسكوت عنها" من جهة، ومَن رفض الإقرار بوجود عنصرية جزائرية إزاء الأفارقة على اعتبار أن غالبية مساحة البلاد صحراوية، يقطنها جزائريون من بشرة سمراء وسوداء.
وقالت الطالبة عائشة إنّ "الصدمة كانت لحظة الوصول إلى مطار محافظة قسنطينة شرق الجزائر، حيث استقبلنا أحدهم بكلام عنصري وقال: أهلاً بك أيتها السوداء"، مضيفةً أنها فوجئت "بالعنصرية والكلمات النابية التي كانت يومية" لدرجة أن أحد الشباب دسّ سيجارته في شعرها. وأوضحت أنها واجهت مشكلات عدّة في الجامعة، استدعت التعاون بين الطلاب الأفارقة وطرح القضية في المؤسسة التعليمية وداخل أحياء الإقامة.


الإحساس بالأفضلية

واعتبر الأستاذ الجامعي أحمد قاسيمي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجزائر تعاني من التمييز بكل أنواعه، ومن الممكن أن يكون لهذا الكلام وقع مفاجئ"، موضحاً أن "معظم الجزائريين يظنون أنهم أحسن حالاً من أي أفريقي. هذا الإحساس بالأفضلية هو ما يبني عليه الفرد كل تعاملاته وتقديراته للأمور، ولا يخفى وجود فئة لا بأس بها من الشعب، بخاصة من الشباب، تعاني من نقص كبير في الأخلاق العامة واحترام الآخرين، ما يجعل أي عنصر ضعيف في المجتمع عرضةً للتنمّر من قبل هذه الفئة، ومن هذه العناصر: المرأة والأجانب والمعاقون". وأضاف قاسيمي "لم أكن شاهد عيان على ما حدث للطالبة المالية في قسنطينة، ولكني متأكد أن الأمر وارد بشكل عام. لدي أصدقاء أجانب مِمَّن يعانون يومياً من الكلام الزائد الذي يطالهم كلما كانوا في مكان شعبي بمفردهم". وختم أن الأمر يستدعي السفر إلى الغرب "حتى نحسّ أننا نمارس بعض السلوكيات التي تكاد تكون محرّمة".

حوادث عنصرية وتبون بالمرصاد

وكانت حوادث عدّة شاهدة على "عنصرية بعض الأطراف"، وآخرها ما رافق فوز خديجة بن حمو، المتحدرة من الصحراء، بلقب ملكة جمال الجزائر، من تعليقات وتصريحات ومنشورات "عنصرية" بسبب لون بشرتها، إضافةً إلى "العنصرية المعزولة" الصادرة عن شباب في تعاملهم مع لاجئين أفارقة، فيستهزئون بهم وبلهجاتهم.
 كما أطلقت مجموعة ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حملةً بعنوان "أطردوا الأفارقة" بعد وصول عدد كبير من هؤلاء، فارين من بلدانهم بسبب الحروب والفقر والمجاعة، الأمر الذي دفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تولّيه منصب الوزير الأول (رئيس الحكومة) في عهد عبد العزيز بوتفليقة، إلى التأكيد أمام نواب البرلمان خلال عرض برنامجه، أن الحكومة لن ترحّل الأفارقة بل ستعمل على تنظيم وجودهم وإعداد بطاقية لإحصاء عددهم، وهي الخطوة التي ستمكّنهم من الولوج إلى سوق العمل بطرق قانونية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ليست مشكلة مطروحة

من جهة أخرى، قال المحامي حسن براهمي لـ"اندبندنت عربية" "لا أتصوّر أن العنصرية تجاه الأفارقة مطروحة في الجزائر، كون الجزائريين أفارقة، وغالبيتهم من ذوي البشرة السمراء ثم إن 85 في المئة من مساحة البلاد صحراء"، مبرزاً أن "التوافد الكبير للأفارقة عبر موجات نزوح استثنائي إليها، يثبت أن الشعب الجزائري غير عنصري، بل هم اختاروا هذا البلد لأن شعبه يحسن ضيافتهم، بدليل أنه تكاد لا تخلو أي مدينة جزائرية من عائلات أفريقية يعمل كل أفرادها في مختلف الورش والمخابز، وغيرها من الظواهر الحسنة". وتابع براهمي "الجزائر من الدول القليلة التي تمنح حقّ التنقل الحرّ للوافدين الأفارقة على الرغم من أنه لا يجوز لهم ذلك قانوناً، نظراً إلى عدم حيازتهم لصفة لاجئ دولي"، مشيراً إلى "خلوّ المحاكم الجزائرية من شكاوى بوجود عنصرية تجاه أفارقة". وختم قائلاً "في الجزائر لا توجد تيارات سياسية أو فكرية تغذّي العنصرية لسبب تاريخي يتمثّل في صهر ثورة التحرير لكل فئات الشعب الجزائري في بوتقة واحدة من دون تفريق لأي سبب كان سواء العرق أو الجنس أو اللون أو الجهة".

شبهات عنصرية

وفي حين ينشط بعض العنصريين عبر محاولات معزولة على المستوى الشعبي، يبقى التساؤل مطروحاً بخصوص نظرة المسؤولين إلى ذوي البشرة السوداء. وعلى الرغم من أن تبون بات معروفاً بمحاربته لكل أنواع التمييز والعنصرية والكراهية والجهوية، إلّا أنّ تصريحات الوزير الأول السابق أحمد أويحيى المسجون بتهم فساد، حين شغل منصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية، تعيد فتح موضوع العنصرية على مستوى السلطة، إذ أكد أن "المهاجرين غير النظاميين في الجزائر باتوا مصدراً للجرائم والمخدرات وعدد من الآفات ويهدّدون الاستقرار"، ما دفع منظمة العفو الدولية إلى انتقاد التصريحات في حينها ووصفتها بــ"الصادمة والمخزية" و"تغذّي العنصرية والتمييز ونبذ المهاجرين".
في السياق ذاته، ذكر الإعلامي ناصر الدين سعدي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "الأمر لا يتعلّق بالعنصرية لأنها ثقافة وعقيدة وليست ممارسات صبيانية لشباب طائش"، مضيفاً "طبعاً ما حدث فعل غير أخلاقي لكن لا يدفع إلى اعتبار المجتمع  عنصرياً". وأردف "عندما تقرأ قصة الطالبة المالية تتصوّر أن مئات من جورج فلويد قُتلوا خنقاً في الجزائر، وتجد مَن يعلّقون على المنشور بتأكيد الحادثة من دون التحقّق. والحال أن أكبر وأحقر عنصري هو اللئيم"، موضحاً أن "آلاف الأفارقة تعلّموا في مدارس وجامعات الجزائر، منهم مَن أصبح رئيساً ووزيراً وقائد جيش". وختم سعدي أنه "لا يوجد بلد أفريقي قدّم لأفريقيا ما قدمته الجزائر التي صارت بين عشية وضحاها بؤرة عنصرية في زمن جورج فلويد".

المزيد من العالم العربي